الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : المسح على الحائل في حال الضرورة من تقية أو برد

مسألة 33 : يجوز المسح على الحائل كالقناع والخِفّ والجورب ونحوها في حال الضرورة من تقية أو برد يخاف منه على رجليه ، أو لا يمكن معه نزع الخف مثلاً ، وكذا لو خاف من سبُعٍ أو عدو أو نحو ذلك مما يصدق عليه الإضطرار ، مِن غيرِ فرق بين مسح الرأس والرجلين ، وكذا لو كان الحائل متعدداً فإنه يجب نزع ما أمكن ، ولا يجب نزع ما لا يمكن ، وذلك لأنّ المناط والعبرة هي في حصول الضرر أو الحرج . لكن إن أراد أن يمسح فلا شكّ في وجوب أن يكون هناك رطوبة على الماسح لأنّ الضرورات تقدّر بقدرها ولأنّ الخرقة أو الخفّ هما بدل عن الرأس والقدم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا شكّ في أنّ المركّب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه ، لكن في الضرورات يتغيّر الحكم بمقدار الضرورة ، لذلك لم يستشكل أحد في جواز المسح على الحائل في الضرورات ، كما إذا كان يخاف على نفسه من تشقّق رجلَيه من شدّة البرد ، وأنت تعلم رفع الضرر والحرج عن الناس ، أمّا رفع الضرر فواضح ولو من استفاضة أحاديث (لا ضرر ولا ضرار) وما رووه عن الإمام الصادقt ( ما من شيء حرّمه اللهُ إلاّ وقد أحَلَّه لمن اضطر إليه ) وقولهمi ( كلما غلب الله عليه فاللهُ أولى بالعذر ) وما رواه الشيخ الصدوق في التوحيد والخصال عن أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد اللهt قال قال رسول الله : ( رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق (الخلوة ـ خ) ما لم ينطقوا بشفة )[1] ، وأمّا رَفْعُ الحرجِ فيكفيك قولُه تعالى[مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ] [2] وقولهQ [ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ] [3] وقولُه[ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ] [4] . وقد روى في التهذيبين بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن حماد بن عثمان(من أصحاب الإجماع) عن محمد بن النعمان(الأحول مؤمن الطاق ثقة متكلّم) عن أبي الورد(فيه رواية مصحّحة السند مادحة له ، وروى عنه في الفقيه مباشرةً وهي أمارة الوثاقة) قال قلت لأبي جعفر t: إنّ أبا ظبيان حدثني أنه رأى عليّاًt أراق الماء ثم مسح على الخفين ! فقال : ( كذب أبو ظبيان ، أما بلغك قولُ عليٍّt فيكم : سَبَقَ الكتابُ الخِفَّين ) ! فقلت : فهل فيهما رخصة ؟ فقال : ( لا ، إلاّ مِن عَدُوٍّ تَـتـّقيه ، أو ثلجٍ تخاف على رجليك ) [5] مصحّحة السند ، ولعلّه لما ذكرنا أجمعت الطائفة على ذلك . والمورد وإن كان حال وجود العدوّ أو وجود ثلج يخاف منه على الرجلين ، لكن وحدة المناط واضحة في مطلق الضرورات ومطلق الحوائل كالجورب ، يؤيّد هذه الروايةَ روايةُ عبدِ الأعلى السابقة .

إذن يجوز أو قد يجب المسح على مطلق الحائل ـ سواء كان في الرأس أو في القدمين ـ في الضرورات مثل التقيّة ، ولك أن تؤيّد ذلك بقوله تعالى[لاَ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ ، إِلاَّ أَن تَـتـَّقُوا مِنْهُمْ تُـقَاةً ، وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ، وَإِلَى اللهِ المَصِيرُ (28)] [6] وبروايات التقيّة [7] ، ولذلك أجمعت الطائفة على ذلك .

نعم ، عن ظاهر المعتبر والمقنع عدمُ الجواز ، وعن المفاتيح الميلُ إلى عدم الجواز أيضاً ، وذلك لما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة قال قلت له : في مسح الخفين تقية ؟ فقال : ( ثلاثة لا أتقي فيهن أحداً : شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج ) [8] ، قال زرارة : ولم يقل الواجبُ عليكم أن لا تـتقوا فيهن أحداً . ورواها الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد مثله . ورواها الصدوق في الفقيه قال : (وقال العالم عليه السلام : ( ثلاثة لا أتقي فيها أحداً : شرب المسكر والمسح على الخـفَّين ومتعة الحج )(إنتهى) [9] ، إذن فهو عملٌ شخصي ، لغرض بيان هذه الأحكام المهمّة والخطيرة ، لا حكم واقعي أوّلي ، وإنما لا يتقي الإمامُ في هذه الاُمور الثلاثة لأنها ـ ولو بالنسبة إليهt ـ أهمّ من ضرر التقيّة . وقريب منها ما رواه في الكافي بإسناده عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عمر الأعجمي(مهمل) قال قال لي أبو عبد اللهt : ( يا أبا عمر ، إنّ تسعة أعشار الدين في التقية ، ولا دين لمن لا تقية له ، والتقيةُ في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخـفّين )[10] مصحّحة المتن .

إذَنْ إذا أمكن المسحُ على الحائل رغم التقيّة بلا ترتّب ضرر ولا حرج وجب ذلك ، وعليه فيجب النظر فيما هو الأهمّ ملاكاً .

ثم لا شكّ أنه إن أراد أن يمسح على الحائل فإنه يلزم أن يكون هناك رطوبة على الماسح ، وذلك لأنّ الخفّ أو الخرقة ـ مثلاً ـ صارتا بمثابة البدل عن الرأس أو القدمين ، وأنت تعلم أنّ الضرورات تقدّر بقدرها ، بمعنى أنّ كلّ محلّ يمكن المسح عليه بأقرب شكل ممكن من الواقع فهو الواجب ، فإنك تعلم بأنّ المرجع في مواضع الشكّ هو أصالة الإشتغال ، وسيأتيك في باب الجبائر ما ينفع في المقام .

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج11، ب56 من أبواب جهاد النفس، ح1، ص295، الاسلامية .
[2] المائدة : 6 .
[3] الحجّ : 78 .
[4] البقرة : 185 .
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج1، ب38 من أبواب الوضوء، ح5، ص322، الاسلامية .
[6] آل عمران : 27.
[7] راجع وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج1 1، من ب24 إلى ب36 من أبواب الأمر بالمعروف، من ص459، 499 .
[8] المراد بـ متعة الحجّ : عمرة التمتّع السابقة لحجّ التمتّع، ولعلّك تعلم أنّ عمر حينما نَهَى عن متعة الحجّ ومتعة النساء كان يقصد عمرة التمتّع والزواج المؤقّت .
[9] مَن لا يحضره الفقيه : ج1، ح95، ص48 .
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج11، ب24 من أبواب الأمر بالمعروف، ح2، ص460، الاسلامية .