الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

37/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : يجوز أخذ البلل مما خرج من اللحية عن حد الوجه

يجوز أخذ البلل مما خرج من اللحية عن حد الوجه كالمسترسَل منها

ورد ذلك في الروايات من قبيل :

1 ـ ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد(بن عثمان) عن (عبيد الله بن علي)الحلبي عن أبي عبد الله× قال : ( إذا ذكرت وأنت في صلاتك أنك قد تركت شيئاً من وضوئك المفروض عليك فانصرف ـ أي فاتركْ صلاتك ـ واَتِمّ الذي نسيتَه من وضوئك واَعِدْ صلاتَك ، ويكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللَها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدم رأسك )[1] صحيحة السند . وتلاحظ هنا وممّا بَعدها من الروايات أنهم ^ لم يقيّدوا اللحية بخصوص الداخلة في حدّ الوجه ، مع أنّ المنصرَف إليه هو اللحية الخارجة عن حدّ الوجه .

2 ـ وفي التهذيبين بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة(موثّق) عن (عبد الله)ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله× في الرجل ينسى مسح رأسه حتى دخل في الصلاة ، قال : ( إن كان في لحيته بللٌ بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل ذلك وليصلِّ )[2] أي فليُعِدْ صلاته ، مصحّحة السند . وهنا تستفيد أنه إن لم يبقَ في اليد رطوبةٌ كافيةٌ أخذ من اللحية ، أي أنّ الرطوبة القليلة جداً لا تكفي بل يجب أن تؤثّر بلّةُ الماسح في الممسوح .

3 ـ وفي التهذيب أيضاً عن الحسين بن سعيد عن عثمان(بن عيسى ثقة كان واقفياً وقيل رجع إلى الرضا×) عن (عبد الله)ابن مُسكان عن مالك بن أعين عن أبي عبد الله× قال : ( مَن نسي مسح رأسه ثم ذكر أنه لم يمسح رأسه فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه وليمسح رأسه ، وإن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف وليُعِدْ الوضوءَ )[3] ، ويمكن تصحيح متن الرواية من باب أنها ممّا رواها أحدُ أصحاب الإجماع وهو ابن مُسكان ، ويمكن تصحيح السند من باب أنّ مالك بنَ أعين ممّن روى عنه في الفقيه مباشرةً فيكون من أصحاب الكتب التي إليها المرجع وعليها المعوّل .

4 ـ وروى في الفقيه قال : قال الصادق× : ( إن نسيت مسحَ رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك ، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شيء فخُذْ ما بقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحيةٌ فخُذْ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يبق من بلة وضوئك شيء أعدت الوضوء )[4] ، وهي صحيحة لبنائنا على حجيّة خبر الثقة في نقل الروايات بشرط احتمال كون نقله عن حسّ ـ كنقل وثاقة الرواة البعيدين عن النجاشي والطوسي ـ .

5 ـ وفي الفقيه أيضاً بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله × في رجل نسي مسح رأسه قال : ( فليمسح ) ، قال : لم يذكره حتى دخل في الصلاة ، قال : ( فليمسح رأسه من بلل لحيته )[5] مصحّحة السند .

فإذَنْ هنا عدّةُ أحكام :

1 ـ إنه× قال : ( من لحيتك ) ولم يقل مِن خصوص الداخل في حدّ الوجه ممّا يعني عدمَ اشتراط كون الأخذ من خصوص الداخل ضمن حدّ الوجه وذلك بدليل الإنصراف ، فإن توسوست فقُل للإطلاق من قيد (الداخل في حدّ الوجه) .

2 ـ إنه لا بدّ من الأخذ بمصحّحة الفقيه السابقة (ح 4) التي فيها > وإن لم يكن لك لحية فخُذْ من حاجبيك وأشفارِ عينيك وامسح به رأسك ورجليك < لأنه أمْرٌ متوقّع بل وحدةُ المناط واضحةٌ هنا ، فإنّ الإنسان إذا أراد أن يأخذ من لحيته ـ بالشكل الفطري والعادي ـ تمسّ يدُه خدّيه وفمه وقد يمسّ أيضاً أنفه ممّا يعني أنّ ما على الوجه من ماءٍ لا يضرّ إذا أخذ منه .

3 ـ لو أخذ من لحيته مثلاً ومسح برطوبتها رأسَه ثم جفّت يدُه ثانيةً فله أن يأخذ من لحيته مرّةً ثانيةً ويمسح برطوبتها قدميه ، وذلك لوضوح ذلك من الروايات أو قُلْ لإطلاق الروايات .

والأحكامُ المذكورة هي المشهور أو المجمَع عليه بين الأصحاب .

4 ـ لا شكّ في أنّ هذه الأحكام مختصّة بما لو لم يحصل الجفاف بالإختيار لوضوح ذلك من قولهم اِنّه نسي أن يمسح حتى جفّ ما على يديه ـ لا أنه تعمّد ذلك ـ بل هو مقتضى لزوم أن يكون المسح ـ في المرحلة الاُولى ـ ببلّة ما بقي على يديه .

مسألة 26 : يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح، وأن يكون وصول البلل بواسطة الكفّ لا بأمر آخر ، ولا بأس بأن يمسح على رأسه وعلى قدميه وإن كان عليهما بلل ظاهر ، فإنه لا يجب تجفيف البلل عن مواضع المسح .[6]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا أمْرٌ واضح من الروايات السابقة من قبيل مصحّحة زرارة السالفة الذكر قبل قليل عن أبي عبد الله× في الرجل ينسى مسح رأسه حتى دخل في الصلاة ؟ قال : ( إن كان في لحيته بللٌ بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل ذلك وليصلِّ )[7] أي إن لم يكن بقدر ما يمسح به رأسه ورجليه وإنما كان قليلاً فليأخذ من سائر أعضاء وضوئه ، ولك أن تستدلّ أيضاً بسائر الروايات الكثيرة السابقة القائلة بوجوب أن يمسح ببلّة يده ، فإنّ المنصرف إليه هو أن يؤثّر البلل بالممسوح ، وإلاّ فلا يكون قد مسح ببلّة يده ، من قبيل صحيحة زرارة ( وتمسح ببلة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى )[8] ، فأنت حينما تقول مسحت رأسي بالدهن والطيب يعني أنك مسحت بنفس الدهن والطيب ، ولذلك صرّح بما قلناه جماعةٌ كثيرة .

ويُشترَطُ أن يكون وصول البلل بواسطة الكفّ لا بواسطة اُخرى كأن يأخذ البلل من الكفّ بالعصا مثلاً ويمسح بها الرأسَ والرجلين ، وهذا يفهم بالتبادر من الروايات .

ولا بأس بأن يمسح على رأسه وعلى قدميه وإن كان عليهما بلل ظاهر ، فإنه لا يجب تجفيف البلل عن مواضع المسح

من المسائل المجمَع عليها في دين الإسلام عدمُ وجوبِ تجفيف مواضع المسح في الوضوء وإنْ غَلَبَ ماءُ الممسوح ماءَ الماسح ، بل هي من المسلّمات الفقهيّة مِن زمن رسول الله الأعظم| إلى زمن المحقّق الحلّي& إلى حدٍّ لم ينبّه عليه أحدٌ من الفقهاء أصلاً رغم أنه محلُّ ابتلاءٍ دائم كلّ يوم ولكل مسلم في العالم . فأنت حين تقول لأيّ إنسان : إغسل وجهَك ويديك وامسح ببلّة يديك ناصيتَك وظاهرَ قدميك ولا تقول له : "إنتبهْ ، لا يصل الماء إلى الناصية ، وجفّفْ مواضعَ المسح قبل أن تمسح عليها" ، بل تقول له أكثر من ذلك فتقول : إحتط وأدخل جزءً من ناصيتك ضمن وجهك من باب المقدّمة العلمية لتُحرز غسل وجهك كلّه ، فهو ـ كمتديّن ـ من الطبيعي أن يُدخل جزءً من ناصيته ضمن غسل وجهه ويبالغ إلى حدّ عقلائي أو غير عقلائي ـ أي بشكل وسواسي ـ وسيصل إلى ناصيته ماءٌ دائماً أو غالباً ، ومع ذلك كان كلّ المسلمين في العالم طيلة 700 سنة ( إلى ما بعد زمان المحقّق الحلّي) ، في محضر المعصومين ^ منها 342 سنة (13 سنة قبل الهجرة 329 سنة بعدها) كانوا يتوضّؤون بهذا الشكل الفطري والطبيعي ، ولم يذكر لهم أحدٌ ـ لا معصوم ولا غير معصوم ـ أنه إن وصل ماءٌ كثيرٌ إلى رأسك أو قدميك فجفّفه أوّلاً ليغلِبَ ماءُ الماسح ماءَ الممسوح وإلاّ ـ إن لم تجفّف ـ فسيكون الوضوء باطلاً .

وبتعبيرٍ آخر : لم يَرِد في الآيات ولا في الروايات ـ حتى في أضعف الروايات ـ لزومُ تجفيف مواضع المسح في الوضوء مع أنه محلُّ ابتلاء يومي ، فإنّه لو كان واجباً ـ ولو من باب الإحتياط ـ لورد فيه الكثير من الروايات لأنّ كل إنسان يتوضّأ سيصل إلى رأسه ماءٌ غالباً أو دائماً ، خاصّةً إذا كان قليلَ الشعر على الناصية فإنه دائماً سيصلُ ماءٌ إلى رأسه على فرض عدم التنبيه على لزوم أغلبية ماء الماسح على ماء الممسوح .

وأيضاً روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حَمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قال أبو جعفر ×: ( ألا أحكي لكم وضوء رسول الله|؟ ) فقلنا : بلى ، فدعا بقَعْبٍ[9] فيه شيء من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال : ( هكذا ، إذا كانت الكف طاهرة ) ، ثم غَرَفَ مِلأها ماءً فوضعها على جبهته ثم قال : ( بسم الله ) ، وسدله على أطراف لحيته ، ثم أمَرَّ يده على وجهه وظاهرِ جبهتِه مرة واحدة ، ثم غَمَسَ يدَه اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمَرَّ كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ثم غرف بيمينه مِلأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمَرَّ كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ومسح مقدم رأسه ... [10] صحيحة السند ، وهي تفيد استحباب أن يبتدئ المتوضّئ ـ عند إرادته صبّ الماء على وجهه ـ بجبهته ، بأن يصبّ الماءَ على جبهته ، وهذا بشكل طبيعي ـ مع عدم التنبيه على عدم إيصال الماء إلى الناصية ـ سوف يوجِبُ وصولَ الماء إلى ناصيته ، ولا من معارِضٍ لهذه الرواية ، وهذا منبّهٌ قويّ على عدم تأثير وجود الرطوبة على مسح الناصية .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص287، أبواب الوضوء، ب21، ح2، ط الاسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص287، أبواب الوضوء، ب21، ح3، ط الاسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص288، أبواب الوضوء، ب21، ح7، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص288، أبواب الوضوء، ب21، ح8، ط الاسلامية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص289، أبواب الوضوء، ب21، ح9، ط الاسلامية.
[6] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص387، ط جماعة المدرسین.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص287، أبواب الوضوء، ب21، ح3، ط الاسلامية.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص272، أبواب الوضوء، ب15، ح2، ط الاسلامية.
[9] هو (الجاط) بالتعبير اللبناني، الذي يسع ماء بقدر ليترين تقريباً . وفي لسان العرب : (القَعْبُ هو القدح الضخم الغليظ، وقيل هو قدح من خشب مُقَعّر، وقيل هو قدح إلى الصغَر، يُشَبّهُ به الحافر، وهو يروي الرجل، والجمعُ القليل أقْعُب، والجمع الكثير قِعاب وقِعَبَة . وقال ابن الأعرابي : أوّل الأقداح الغُمَرُ، وهو الذي لا يبلغ الريّ، ثم القَعْبُ وهو قد يَروي الرجلَ وقد يروي الإثنين والثلاثة ثم العُسّ . والقَعْبَةُ هي الحُقَّة، وفي التهذيب : شِبْهُ حُقّة مُطَبَة يكون فيها سويق المرأة) (إنتهى).
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص272، أبواب الوضوء، ب15، ح2، ط الاسلامية.