بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : يكفي المسح على الرأس والقدمين بإصبَعٍ واحد أو أقلّ
ويكفي المسح على الرأس والقدمين بإصبَعٍ واحد، والأفضل بثلاث، وأفضل منهما بكلّ الكفّ، والأفضل في الطول أن يكون بطول إصبع في الرأس أو قُلْ أن يمسح كلّ الناصية .
 أمّا الجواز بإصبَعٍ واحد أو أقلّ على الرأس طولاً، ومسمّى العَرْض، فلإطلاق الروايات من قبيل :
1ـ ما رواه زرارة ـ في صحيحته السابقة ـ قال قال أبو جعفر t:( ... وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك، وما بقي من بلّة يمينك ظهرَ قدمك اليمنى، وتمسح ببلّة يسارك ظهرَ قدمِك اليسرى ) وهي مطلقة من حيث طول المسح وعرضه، ومِثْلُها ما بَعدها .
2ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد (بن عيسى) عن شاذان بن الخليل(والد الفضل بن شاذان النيسابوري، قال الكشّي عنه إنه من العدول والثقات) عن يونس(بن عبد الرحمن) عن حمّاد(بن عيسى) عن الحسين(بن المختار القلانسي ثقة واقفي) قال قلت لأبي عبد اللهt : رجل توضأ وهو معْتَمّ، فثقُل عليه نزْعُ العمامة لمكان البرد، فقال :( لِيُدْخِلْ إصبَعَه) موثّقة السند، وهي تدلّ على كفاية المسح بأقلّ من إصبعٍ واحدة طولاً وعرضاً بالإطلاق، ومثلُها ما بَعدها .
3 ـ ولما رواه في التهذيبين عن المفيد عن (جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى) ابن قولويه (صاحب كتابَي الزيارات والمزار) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أحدهماo في الرجل يتوضأ وعليه العمامة قال : ( يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه )، ولعلّهما رواية واحدة، وهي من مراسيل أصحاب الإجماع، فهي ـ بناءً على هذا ـ مصحّحةُ المتن .
4 ـ وكذا لما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حمّاد بن عيسى عن حريز(بن عبد الله) عن زرارة قال : قلت لأبي جعفرt : ألا تخبرُني مِن أين علمتَ وقلتَ إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟ فضحكt وقال :( يا زرارة، قاله رسول اللهw، ونزل به الكتاب من اللهQ، لأنّ اللهQ قال ( فاغسِلوا وجوهَكم ) فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل، ثم قال ( وأيديَكم إلى المرافق ) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه، فعرفنا أنه ينبغي لهما أن يُغسلا إلى المرفقين، ثم فَصَلَ بين الكلام فقال ( وامسَحوا برؤوسِكم ) فعرفنا حين قال ( برؤوسِكم ) أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال ( وأرجلَكم إلى الكعبين ) فعرفنا حين وصلهما (وصلها ـ خ) بالرأس أن المسح على بعضهما (بعضها ـ خ)، ثم فسَّرَ ذلك رسولُ اللهw للناس فضيّعوه ... ) صحيحة السند . وقد نصّ جمعٌ من أئمّة اللغة أيضاً على أنّ الباء تأتي للتبعيض، وكذلك نصّ جمع من أئمّة فقهاء العامّة وأصحاب الشافعي، فلا وجه بعد ذلك لإنكار سيبويه مجيئَها للتبعيض .
5ـ ورواه في التهذيبين بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسين بن سعيد وأبيه محمد بن عيسى(شيخ القميين ووجه الأشاعرة) عن محمد بن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة وبكير ابنَي أعين عن أبي جعفرt أنه قال في المسح :( تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك، وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك)[1] صحيحة السند .
  ولذلك أجمع الفقهاءُ على ذلك .
 والأفضل بثلاثة أصابع عرْضاً، وذلك (1) لما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد(بن عيسى) عن حريز(بن عبد الله) عن زرارة قال قال أبو جعفرt : ( المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدَّمَه قدَرَ ثلاث أصابع، ولا تُلقي عنها خمارها ) صحيحة السند .
 و(2) في الكافي أيضاً عن عدّةٍ من أصحابنا عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن شاذان بن الخليل النيسابوري عن معمر بن عمر(مجهول) عن أبي جعفرt قال : ( يُجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع، وكذلك الرِجل ( الرجلين ـ خ) )، ويمكن تصحيحها من باب أنها من مسانيد الكافي الذي وصف صاحبُه رواياتِ كتابه بأنها صحيحة عن الصادقينi.
فما نُسِب إلى السيد المرتضى والشيخ الطوسي من وجوب المسح بثلاث أصابع مضمومة لضعيفة معمّر مردود بعدم كفاية هتين الروايتين في خلق سيرة متشرّعيّة على المسح بثلاثة أصابع عرضاً على الرأس، في مقابل كلّ ذلك الكمّ من الروايات المستفيضة والصحيحة .
وأيضاً ما نُسِبَ إلى أبي علي (محمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي المتوفَّى 381، له المختصر الأحمدي للفقه المحمدي) من التفصيل بين الرَّجُل ـ فيُجزي إصبع واحد ـ والمرأة ـ بثلاث ـ لصحيحة زرارة السابقة مردود لنفس السبب السابق، وهو عدم كفاية هذه الصحيحة في خلق سيرة متشرّعيّة مع وجود هذا الكمّ من الروايات الصحيحة التي لا تَذكر وجوبَ أن يكون مسح المرأة لرأسها بثلاثة أصابع .
وأيضاً يَرِدُ على الذين حدّدوا بالإصبع مطلقاً نفس الردود السابقة، وهي الروايات المطلقة المستفيضة الصحيحة التي لا تذكر لزوم أن يكون المسح بإصبع، لا أقلّ، مع أنها واردة في مقام البيان والتعليم .
ويجوز في المسح أن يكون أقلّ من إصبع واحدٍ طولاً وذلك لإطلاقات الروايات السابقة من قبيل ما رويناه قبل قليل عن الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة وبكير أنهما سألا أبا جعفر t عن وضوء رسول اللهw ... ثم قالt : ( ... فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه ... ) صحيحة السند .
ومن قبيل ما رويناه قبل قليل عن الحسين بن المختار القلانسي قال : قلت لأبي عبد اللهt : رجل توضأ وهو معْتَمّ، فثقُل عليه نزْعُ العمامة لمكان البرد، فقال : > لِيُدْخِلْ إصبَعَه < موثّقة السند .
وأوضح منهما ما رويناه قبل قليل من صحيحة زرارة السابقة الصريحة في كفاية مسح بعض الرأس لمكان الباء .
والأفضل في مسح الرأس أن يكون بطول إصبع أو قُلْ أن نمسح كلّ الناصية وذلك لما رويناه قبل قليل عن زرارة قال قال أبو جعفرt : ( وتمسح ببلة يمناك ناصيتَك ) صحيحة السند، ومن المعلوم أن طول الناصية هو إصبع .



[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 1، ص 291، أبواب الوضوء، ب 23، ح 4، ط الاسلامية.