الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

36/12/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : حكم الوسواسي والوضوء الإرتماسي

مسألة 19 : الوسواسي الذي لا يحصل له القطعُ بالغَسل أو بصحّة الوضوء يَرجع إلى المتعارف[1] 410.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

410 لا شكّ أنّ الوسوسة من الشيطان ، وهذا أمر واضح عند ملاحِظِي الوسواسيين وعند نفس الوسواسي ، ويكفي في رفْضِ العملِ بالوسوسة أنها خلاف العقل الذي أمرنا اللهُ تعالى باتّباعه ، وقد استفاضت الرواياتُ في حرمة الوسوسة ، نكتفي بذكر بعضها :

1 ـ روى في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( إذا كثر عليك السهوُ فامْضِ على صلاتك ، فإنه يوشك أن يدعك ، إنما هو من الشيطان )[2] صحيحة السند ، ورواها الشيخ في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن العلاء ، صحيحة السند ، ورواها الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم مثله .

2 ـ وفي الكافي أيضاً عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة وأبي بصير جميعاً قالا قلنا له : الرجل يشكُّ كثيراً في صلاته حتى لا يدري كم صلَّى ولا ما بقي عليه ؟ قال (عليه السلام) : ( يعيد ) ، قلنا : فإنه يكثر عليه ذلك ، كلَّما أعاد شَكّ ؟! قال (عليه السلام) : ( يمضي في شكه ) ، ثم قال : ( لا تُعَوِّدُوا الخبيثَ مِن أنفسكم نقْضَ الصلاةِ فتُطْمِعُوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عُوِّدَ ، فليَمْضِ أحدُكم في الوهم ، ولا يُكْثِرَنَّ نقْضَ الصلاةِ ، فإنه إذا فَعَلَ ذلك مراتٍ لم يَعُدْ إليه الشكُّ ) ، قال زرارة : ثم قال : ( إنما يريد الخبيثُ أن يُطاع ، فإذا عُصِيَ لم يَعُدْ إلى أحدكم )[3] صحيحة السند .

3 ـ وفي الفقيه بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يشك فلا يدري واحدة صَلَّى أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، تَلْتَبِسُ عليه صلاتُه ؟ قال : ( كل ذا ؟ ) قال قلت : نعم ، قال : ( فليَمْضِ في صلاته ، ويتعَوَّذ بالله من الشيطان ، فإنه يُوشك أن يذهب عنه )[4] ، ورواها الشيخ في التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن معاوية بن حكيم عن عبد الله بن المغيرة عن علي بن أبي حمزة عن رجل صالح (عليه السلام) .

4 ـ وفي التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن سعد (بن عبد الله) عن أحمد بن الحسن (بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد (المدائني) عن مصدق (بن صدقة) عن عمار(بن موسى الساباطي) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا ، ويشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا ؟ فقال : ( لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقيناً )[5] موثّقة السند .

5 ـ وفي الفقيه : قال الرضا (عليه السلام) : ( إذا كَثُرَ عليك السهوُ في الصلاة فامضِ على صلاتك ولا تُعِدْ )[6] .

* * * * *

مسألة 20 : إذا نَفَذَتْ شَوكَةٌ في اليد أو في غيرها من مواضع الوضوء أو الغُسل ، فإن لم تغطِّ شيئاً من البشرة فلا يجب إخراجُها411[7] ، وأمّا إن غطّت شيئاً من البشرة فلا شكّ في وجوب إخراجها لإيصال الماء إلى الجلد ، وكذا مع الشكّ يجب الإخراج ، لوجوب العِلم بوصول الماء إلى البشرة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

411 لعدم الدليل على وجوب الإخراج ، وأمّا إن غطّت شيئاً من البشرة فلا شكّ في وجوب إخراجها ، إلاّ مع الحرج أو الضرر ، فيتوضّأ عليها . وكذا مع الشكّ ، لأصالة الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني .

* * * * *

مسألة 21 : يصح الوضوءُ بالإرتماس مع مراعاة الأعلى فالأعلى ، لكن لا بدّ أن يراعي وجوبَ أن يكون مسحُ الرأس والقدمين ببلّة اليد من الوضوء ، لا بماء خارجي ، فإذن عليه أن لا ينوي غسْلَ كلا يديه بالتمام ، وإنما ينوي ترْكَ جزءٍ من اليسرى ، فيمسح يسراه بيمناه ليُتِمّ غسْلَ اليسرى بذلك ، ثم يمسح ببقيّة بلّة يديه رأسَه وقدميه[8] (412).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(412) لا شكّ في جواز الوضوء بالإرتماس ، وذلك تمسّكاً بقول الله تعالى ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيدِيَكُمْ ..﴾[9] ولا دليل على عدم كفاية الغسل بالإرتماس . ويشترط أن ينوي الغَسلَ مِنَ الأعلى إلى الأسفل ، وأن ينوي الوضوء بنفس إدخال العضو في الماء . على كلّ ، فقد أجمع العلماء على صحّة الوضوء الإرتماسي ، فلا يجب غسل الأعضاء بخصوص صبّ الماء عليها .

* وهنا شيئان يجب أن نذكرهما بالتفصيل :

الأوّل : يجب مراعاة المسح ببلّة اليد من رطوبة الوضوء ، ومع الرمس يجب ترك شيء من اليد ومسْحُها باليد الثانية بنيّة تتميم الغسلة ، ليصدق الباقي على اليد بأنه بقيّة بلّة اليد ، وبالتالي ليمكن للمتوضّئ أن يمسح على رأسه وقدميه بالبلّة الباقية على يده .

الثاني : يصعب القول بأنّ الوضوء يتحقّق بإخراج العضو من الماء ، إذ لا يَصدقُ الغَسلُ ـ الذي هو أمْرٌ إيجادي ـ بالإخراج ـ الذي هو أمْرٌ عدمي ـ ، إذ تقول (دَخَلَ تحت الماء ليَغتسِلَ) ولا تقول (خَرَجَ مِن تحت الماء ليَغْتَسِلَ) أي ليغتسل بخروجه .

وكذا يصعب القول بتحقّق الوضوء بوضع العضو أوّلاً تحت الماء ثم بتحريكه بنيّة الوضوء . وممّا ينبّه على ذلك عدمُ صحّة نيّة الغسلة الاُولى بإدخال العضو في الماء ، وبإخراجه الغسلةَ الثانية . وأيضاً ينبّهك على صحّة ما ذكرنا أنه حينما تُدخِل الإناءَ المتنجّسَ في الماء الكرّ لتطهيره ، هل يصدق على الإدخال والإخراج غسلتين ؟! قطعاً لا . وأيضاً قد ينبّهُك على هذا عدمُ صحّةِ وضع الماء على الوجه أو على اليد ثم تحريك الماء بنيّة الوضوء !! أو قُلْ يصعب القول بأنه قد غسل وجه أو يده من الأعلى إلى الأسفل بهذا التحريك .

وبتعبير آخر : في وضْعِ العضوِ في الماء من دون نيّة الوضوء ثم تحريكه بنيّة الوضوء من الأعلى إلى الأسفل ، يصعب صدقُ الغَسل الإحداثي عليه ، وإنما يجب الغسل من الأعلى إلى الأسفل مراعاةً خارجيّة . وممّا ينبّهك على ما نقول أنك إذا حرّكتَ عضوك ـ كيَدِك مثلاً ـ مرّتين بنيّة الغسلتين ، فهل يصدق على ذلك الغسلتين ؟!!

على كلّ ، الوضوءُ الإرتماسي بحاجة إلى عِلْمٍ بالكيفيّة الصحيحة ، وقد لا يعرفها أكثرُ المتديّنين.


[1] التنقيح في شرح العروة الوثقى، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج4، ص117.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج5، ص329، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ب16، ح1، ط الاسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج5، ص329، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ب16، ح2، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج5، ص329، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ب16، ح4، ط الاسلامية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج5، ص330، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ب16، ح5، ط الاسلامية.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج5، ص330، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ب16، ح6، ط الاسلامية.
[7] التنقيح في شرح العروة الوثقى، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج4، ص118.
[8] التنقيح في شرح العروة الوثقى، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج4، ص119.
[9] المائدة/السورة5، الآية6.