بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بقيّة أحكام أفعال الوضوء
مسألة 12 : الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائداً على المتعارف لا تجب إزالته إلا إذا كان ما تحته معدوداً من الظاهر، فإنّ الأحوطَ ح إزالتُه. وإن كان زائداً على المتعارف وجبت إزالته . كما أنه لو قص أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً وجب غسله بعد إزالة الوسخ عنها 403.[1]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (403) لا شكّ في وجوب غسل ما تحت الأظافر ممّا يُعَدّ من الظاهر، وأمّا ما يُعَدّ عرفاً من الباطن فلا شكّ في عدم وجوب غسله، أمّا ما كان من المشكوك فالسيرة جارية على عدم إزالته دائماً، ولو كانت إزالته واجبةً لبانَ ذلك في الروايات والفتاوى القديمة قطعاً، فالتمسّك بالسيرة المتشرّعيّة هو المحَكَّم في حال الشكّ، فلا يجب إزالته قطعاً.
*   *   *   *   *
 مسألة 13 : ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين إلى الزندين والإكتفاء عن غسل الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل404.[2]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (404) هذا من الواضحات في الفقه، إذ من المعلوم في الآية والروايات وجوبُ غسْلِ اليدين أثناء الوضوء إلى أطراف الأصابع.
*   *   *   *   *
 مسألة 14 : إذا انقطع لحمٌ من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع لأنه من اليد، وأمّا إن لم ينفصل فلا شكّ في وجوب غسل ذلك اللحم أيضاً ما دام لم ينفصل وإن كان اتصاله بجلدة رقيقة لأنه أيضاً من اليد، ولا يجب قطعه ليُغسَلَ ما تحت تلك الجلدة طالما كان يُعَدُّ مِنَ اليد 405.[3]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (405) يفهم من الآية والروايات وجوبُ غسْلِ اليدين، وعليه فلو انقطع لحمٌ من اليدين لوجب غسلُ ما ظهر بعد القطع، لكونه من اليد، كما ويجب غسل ذلك اللحم ما دام لم ينفصل ـ وإن كان اتصاله بجلدة ـ وذلك لأنه يُعَدُّ عرفاً من اليد.
*   *   *   *   *
 مسألة 15 : الشقوق التي تحدث على ظهر الكَفّ مِن جهة البرد إن كانت وسيعة يُرَى جَوفُها فإنه يجب إيصالُ الماءِ إليها، لأنها تُعَدُّ مِنَ الظاهر، وإلا فلا، ومع الشك لا يجب غسلها، وذلك لاستصحاب كونها من الباطن406.[4]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 406 قد يقال : هذا الإستصحاب أصلٌ مثْبِت، لأنك بهذا الإستصحاب تُثْبِتُ أنّ هذا من الباطن ـ وكونُه (من الباطن) أثرٌ عقلي ـ إذن فلا يجب غسله، فالأثرُ الشرعي ـ أي عدم وجوب الغسل ـ ترتّبَ على (كونه من الباطن) . وحتى عدم وجوب غسل هذا المحلّ ليس من الأحكام الشرعيّة، فإنّ الأثر الشرعي هو حصول الطهارة، فإنها هي شرط الصلاة، وأمّا وجوب غسل هذا العضو فإنه وجوب عقلي، لأنه مقدّمة داخليّة لتحصيل الوضوء.
فأقول : ليس الإستصحاب هنا من الأصل المثبت ـ كما ذهب إلى ذلك بحقّ السيد السبزواري في مهذّب أحكامه ـ وذلك لأننا لا نريد إثبات (أنه من الباطن)، ثم نقول لا يجب غسله، وإنما نقول بأنّ استصحاب كونه من الباطن يُثْبِتُ مباشرةً عدمَ وجوب غسله، ولا مانع عقلي من ترتّب عدمِ وجوب الغسل على استصحاب كونه من الباطن، وعدم وجوبِ الغَسل أثرٌ شرعي، حتى ولو كان الأثر الشرعي الأخير هي الطهارة . وبتعبير آخر : لو سألتَ الباري تعالى عن غسل اليد لقال لك هو واجب، لأنه جزء داخلي من الوضوء، وهذا يكفي في كونه أثراً شرعياً، وليس المطلوب في الأثر الشرعي أن يكون تشريعه بنحو الإستقلال، أصلاً وأبداً، وذلك كما نستصحب أيّ شيء من الشبهات الموضوعيّة، فلو استصحبنا مثلاً كريّةَ الماء الموجود على السطح فإنه يَثبت عصمتُه، وبالتالي تَثبتُ طهارةُ الماء المتنجّس الموجودِ في البيت التحتاني ـ تحت السطح ـ الذي فتحنا عليه الحنفيّةَ ووصلناه بماء خزّان السطح . ولا يقول أحدٌ بأنّ استصحاب كريّة الخزّان يثبت كُرّيّتُه، وهو أثر تكويني ! وإنما كلّ العلماء يستصحبون الكريّة، ولا يرون ذلك الإستصحابَ من الأصل المثبت . وكذا إن استصحبنا بقاء حياة زيد المفقود، فإننا نقول ـ ككلّ العلماء ـ نُـثْبِت بذلك بقاءَ زوجيّة امرأته وعدمَ جوازِ توزيع تركته، ولا نقول هذا أصل مثبت . مثال الأصل المثبت ما لو كان شخص تحت حائط مائل، وصادف أن وقع الحائط، ولم نعلم أنّ هذا الشخص كان لا يزال ـ حين وقع الحائط ـ تحت الحائط أم لا، ففي هكذا حالة لا يمكن لنا أن نقول لزوجته اِعتدّي وأن نوزّع تركته، بناءً على استصحاب بقائه تحت الحائط !! فإنّ هذا الإستصحاب هو أصل مثبت بلا شكّ، وذلك لأنّ ما يترتّب على استصحاب بقائه تحت الحائط هو (وقوع الحائط عليه) ثم (موته)، و(وقوع الحائط عليه) أثر تكويني واضح، ولا يصحّ أن نرتّب الإعتداد وتوزيع التركة على أثر تكويني وهو (وقوع الحائط عليه) . فالأمر دقيق.
   توضيح المثالين السابقين ببيان آخر : إذا فُقِدَ الزوجُ فإننا نستصحب بقاء حياته، فلا تعتدّ زوجتُه عدّةَ الوفاة ولا يقسّمُ مالُه، وأمّا إذا كان قاعداً تحت حائط مائل ووقع الحائطُ إلى جهته، وشككنا في بقاء الزوج تحت الحائط حين وقوعه، بحيث لو كان باقياً تحته لمات قطعاً، فإننا لا نستصحب بقاءَه تحت الحائط ـ بالإجماع ـ ولا تَعتدُّ زوجتُه، ولا يقسّم مالُه . فما الفرق بين الحالتين ؟
   الجواب : في الحالة الاُولى ترتّبت الآثارُ الشرعيّة على استصحاب (بقاءِ حياة الزوج) مباشرةً، وأمّا في الحالة الثانية فقد ترتّبت الآثار الشرعيّة على (وقوع الحائط على الزوج) أوّلاً ثم (موته)، وبين الحالتين فرقٌ واضح، أي أنّ استصحاب (بقاء حياة الزوج) ـ في المثال الأوّل ـ ترتّبت عليه هذه الآثارُ الشرعيّة المذكورة مباشرةً، وأمّا في المثال الثاني فقد استصحبنا (بقاءَ الزوج تحت الحائط) وتَرتَّبَ على بقائه تحته (وقوعُ الحائط عليه) وترتّب على وقوع الحائط عليه (موتُه)، وهذه آثارٌ تكوينيّة، ثم نحن نريد أن نرتّب الآثار الشرعيّة على هذه الآثار التكوينيّة !! فهنا الأصلُ المثبت الواضح . أي أننا إذا أردنا أن نرتّب الآثار الشرعيّة ـ أي اعتداد الزوجة وتقسيم التركة ـ فإنّ هذه الآثار سوف تترتّب على (وقوع الحائط على الزوج) أوّلاً وبالتالي على (موته) ثانياً، و(وقوعُ الحائط عليه) ثم (موته بهذا الهدْم) هي آثار تكوينيّة واضحة.
   وقد قلنا في بحث الاُصول بأننا لا نجري استصحاب عدم وجوب الغسل، وذلك لأننا ننظر دائماً إلى موضوع الحكم، ولا ننظر إلى الحكم مع غضّ النظر إلى موضوعه، وذلك لأنّ الحكم ما هو إلاّ ظلّ ومعلول للموضوع.
   وقد تقول : بأنّ أصالة الإشتغال تقتضي القول بوجوب غسل ما كان في السابق من الباطن.
   فأقول : بأنّ استصحاب كونه من الباطن مخصّصٌ لأصالة الإشتغال بلا شكّ ولا خلاف.


[1] التنقيح في شرح العروة الوثقى، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج4، ص110.
[2] التنقيح في شرح العروة الوثقى، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج4، ص111.
[3] التنقيح في شرح العروة الوثقى، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج4، ص112.
[4] التنقيح في شرح العروة الوثقى، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج4، ص112.