الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

36/12/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بقيّة مستحبّات الوضوء

 

* ثم إنه من المستحبّ أن يبتدئ الرجلُ بظاهر الذراع ، والمرأةُ بباطنه ، ففي الكافي عن علي بن إبراهيم عن أخيه إسحق بن إبراهيم عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : ( فَرَضَ اللهُ على النساء في الوضوء للصلاة أن يبتدئن بباطن أذرعهن وفي الرجل بظاهر الذراع )[1] . في وثاقة إسحق بن إبراهيم كلام ، فقد قال في التنقيح ج 1 ص 111 : ( روى في التهذيب عن أحمد بن محمد عن علي بن مهزيار : كتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) يرحمك الله ..) (إنتهى) . وقال العلاّمة في الخلاصة ص 11 : ( جرت الخدمةُ على يده للرضا (عليه السلام) ، فمن الإمام سمع إسحقُ الحديثَ وبه يُعرَفُ ، والأقرب قبول قوله)[2] (إنتهى كلام العلاّمة) . أقول : وترضّى عليه الإمام الجواد (عليه السلام) أكثرَ مِن مَرّة[3] . ولا شكّ أنّ الأمر هنا يفيد الإستحباب بالإجماع ، والسبب في ذلك هو أنه لو كان الأمر واجباً لورد في عشرات الروايات ، وذلك لأنه أمْرٌ كثير الإبتلاء كلّ يوم ، فلا يكفي في ذلك روايةٌ واحدة ! على أنها وردت في أيام الإمام الرضا (عليه السلام) ! وعن إسحق بن ابراهيم الذي يحاولون أن يوثّقوه !!

ثم إنّ من المستحبّ أن يضع الماء على الجبهة وعلى المرفقين اليمين واليسار ،

ففي الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حَمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال قال أبو جعفر (عليه السلام) : ( ألا أحكي لكم وضوء رسول الله (ص) ؟ ) فقلنا : بلى ، فدعا بقَعْبٍ[4] فيه شيء من ماء فوضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال : ( هكذا ، إذا كانت الكف طاهرة ) ، ثم غَرَفَ مِلأها ماءً فوضعها على جبهته ثم قال : ( بسم الله ) ، وسدله على أطراف لحيته ، ثم أمَرَّ يده على وجهه وظاهرِ جبهتِه مرة واحدة ، ثم غَمَسَ يدَه اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمَرَّ كفه على ساعده حتى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ثم غرف بيمينه مِلأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمَرَّ كفه على ساعده حتى جرى الماء

 

 

على أطراف أصابعه ، ومسح مقدم رأسه ، وظهر قدميه ببلة يساره ، وبقية بلة يمناه . قال وقال أبو جعفر (عليه السلام) : ( إن الله وتر يحب الوتر ، فقد يجزيك من الوضوء ثلاثُ غَرْفات : واحدة للوجه ، واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى ) صحيحة السند ، ورواها الصدوق مرسلاً إلا أنه قال : ومسح على مقدم رأسه وظهر قدميه ببلة بقية مائه . ولم يزد على ذلك .

ولكن لك أن تقول إن الفعل أعمّ من الوجوب والإستحباب ، فقد يكون هذا الفعل هو مقتضى الفطرة والأسهليّة لا غير .

نعم ، يجب غسل الأعضاء من الأعلى إلى الأسفل ، ولكنْ هذا أمْرٌ آخر غير محلّ صبّ الماء ، وسيأتيك دليل ذلك ، وقد مرّت صحيحة زرارة قبل قليل تبيّن ذلك ، وستأتيك رواية أبي جرير الروّاسي .

 

 

ورد في مستدرك الوسائل ما يلي : الجعفريات ( المعروف بالأشعثيات وهو لإسماعيل ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) سَكَنَ مِصرَ ووِلْدُه فيها ، وإسماعيلُ له كتبٌ عن أبيه عن آبائه مُبَوَّبَة) أخبرنا (يظهر أنّ القائل "أخبرنا" هو أبو محمد سهل بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سهل الديباجي كان في مصر ، قال عنه جش "لا بأس به") محمد (بن محمد بن الأشعث بن محمد ومسكنه بمصر ، يظهر أنه كان ثقة لأنه كان شيخ إجازة) حدثني موسى (بن إسماعيل بن موسى بن جعفر) حدثنا أبي (إسماعيل بن موسى) عن أبيه ( موسى الكاظم (عليه السلام)) عن جَدِّه جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال : ( كان رسول الله (ص) يسكب الماء على موضع سجوده )[5] .

فالسؤال هو : هل سَكْبُ الماءِ على موضع السجود هو لإزالة الغُبار عن موضع السجود لما يورثه من مشاكل صحيّة ؟ أم لسبب آخر لا نعلمه ؟ الظاهر قوياً ، في تلك البلاد الصحراوية التي يكثر فيها ثوران الرياح الرمليّة ، أنّ السبب هو لإزالة الغبار والرمال .

* كما ويستحبّ أن يغسل أعضاء وضوئه بِصَبّ الماءِ عليه ، لا بِرَمْسِها ، وذلك للروايات البيانية في ذلك .

* كما ويستحبّ أن يكون ذلك بإمرار اليد على تلك المواضع بالمسح عليها ، لا باللطم عليها ، وذلك للروايات في ذلك من قبيل ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري (ط كر) في (قرب الإسناد) عن أحمد بن محمد (بن عيسى أو ابن خالد ط 7) عن (الحسن) ابن محبوب (ط 6 : ط ضا) عن أبي جرير الرقاشي (رواها في جامع الرواة عن الروّاسي وليس الرقّاشي وهما مهملان) قال قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) : كيف أتوضّأُ للصلاة ؟ فقال : ( لا تُعَمِّقْ في الوضوء ، ولا تَلْطُمْ وجهَك بالماء لَطْماً ، ولكنِ اغسلْه مِن أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مَسْحاً ، وكذلك فامسحِ الماءَ على ذراعيك ورأسك وقدميك )[6] قد يصحّح متنها لكون ابن محبوب من أصحاب الإجماع ، وعن المنتهى للعلاّمة نِسبتُه إلى مذهب فقهاء أهل البيت (عليهم السلام) .

 

 

 

وينبغي أن يكون أثناء وضوئه حاضرَ القلب ، ففي عدة الداعي : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا اَخَذَ في الوضوء تَغَيَّرَ وجهُه مِن خِيفة الله تعالى ، وكان الحسن (عليه السلام) إذا فرغ من وضوئه تغير لونه ، فقيل له في ذلك فقال : ( حَقٌ على مَن أراد أن يدخل على ذي العرش اَن يَتغَيَّرَ لونُه ) . وفي اَسرار الصلاة للشهيد الثاني : كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا حضر للوضوء اِصفَرَّ لونُه ، فيُقال له : ما هذا الذي يَعْتُورُك[7] عند الوضوء ؟! فيقول : ( ما تدرون بين يدي من أقوم ! )[8] .

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص328، أبواب الوضوء، ب40، ح1، ط الاسلامية.
[2] خلاصة الاقوال، العلامة الحلي، ج1، ص58.
[3] يب9 ح925 بحسب الترقيم العام من كتاب الوصايا، وح18 بحسب ترقيم الباب.
[4] في لسان العرب : لسان العرب، ابن منظور، ج1، ص683 ( القَعْبُ هو القدح الضخم الغليظ، وقيل هو قدح من خشب مُقَعّر، وقيل هو قدح إلى الصغَر، يُشَبّهُ به الحافر، وهو يروي الرجل، والجمعُ القليل أقْعُب، والجمع الكثير قِعاب وقِعَبَة . وقال ابن الأعرابي : أوّل الأقداح الغُمَرُ، وهو الذي لا يبلغ الريّ، ثم القَعْبُ وهو قد يَروي الرجلَ وقد يروي الإثنين والثلاثة ثم العُسّ . والقَعْبَةُ هي الحُقَّة، وفي التهذيب : شِبْهُ حُقّة مُطَبَة يكون فيها سويق المرأة) (إنتهى).
[5] مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي، ج1، ص358، أبواب أحكام الوضوء، ب47، ح13.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص280، أبواب الوضوء، ب15، ح22، ط الاسلامية.
[7] أي ما الذي يَعْرُضُ عليك .. ؟! ولعلّ أساس الكلمة من يَعْتَرِيك . يقول العرب : إعْتَوَرْنا الكتابَ وتَعاوَرْناه أي استَعَرْناه وتَداوَلْناه، وتَعاورَتِ الرياحُ رَسْمَ الدارِ حتى عَفَّتْه، أي تَواظَبَتْ عليه وتداولته، فمرّةً تهبّ يميناً، ومرّةً شمالاً، ومرّةً قَبُولاً، ومرّةً دَبوراً حتى عَفّته ... راجع لسان العرب / مادّة عور.
[8] مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي، ج1، ص355، أبواب أحكام الوضوء، ب47، ح7 و8.