بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/08/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : لا يجب في الوضوء قصْدُ مُوْجِبِه
مسألة 4 : لا يجب في الوضوء قصْدُ مُوْجِبِه بأنْ يَقصُدَ الوضوءَ لأجل خروج البول أو لأجل النوم، بل لو قَصَدَ أحد الموجبات وتبين أنّ الواقعَ غيرُه صح، حتى ولو توضّأ لخصوص رفع الحدث الفلاني على وجه التقييد، وذلك لأنّ الحدث قد ارتفع 382.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (382) لا شكّ أنه لا يجب في الوضوء قصْدُ مُوجِبِه للإطلاق وللبراءة والإجماع، وهذا الفرض من تضييع وقت الناس، إذ لا أحد من المتديّنين يَقصُدُ الوضوءَ لأجل رفع خصوص حدث البول، ولو قَصَد ذلك فهو لا يقصد ذلك بنحو التقييد، وحتى لو فُرِضَ أنه قصد الغاية بنحو التقييد، فهذه النيّة لا تقيّد الوضوء ولا تقيّد الطهارةَ، وذلك كما قلنا قبل قليل، فأنت إذا أشبعت الفقير لِتُسْعِدَه بنحو التقييد، فقد أشبعته على أيّ حال، وهنا الوضوء قد تحقّق، والطهارة قد حصلت، والحدث قد ارتفع، ولا يتصوّر بقاءُ الحدث .

مسألة 5 : يكـفي الوضوءُ الواحد للأحداث المتعددة سواءً قصد رفع طبيعة الحدث أو قصد رفع أحدها، فإنه يصح وترتـفع جميع الأحداث، بل حتى ولو قصد رفع البعض دون البعض من باب الجهل بالأحكام الشرعيّة فإنه يرتفع الحدث شرعاً وتكويناً، إلاّ إذا رجع التقييدُ إلى السخرية بدِين اللهِ فيُعِيد وضوءَه بنيّةٍ صحيحة  383.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (383) لا شك في ارتفاع الحدث إذا توضّأ الشخصُ، سواءً قَصَد رفع طبيعة الحدث أو قصد رفع بعض الأحداث دون البعض ولو بنحو التقييد، كما قلنا قبل قليل، إذ أنّ الوضوء لا يتقيّد بالنيّة، والطهارة تحصل بمجرّد التوضّي بنيّة القربة، وهي إمّا أن تحصل وإمّا أن لا تحصل، فلا مشكلة فيما لو قصد رفع خصوص أحد الأحداث دون البعض الآخر ولو بنحو التقييد . ولك أن تقول بأنّ الأصل عدم تقييد الوضوء بالنيّات التقييدية، طالما نوى به القربة إلى الله تعالى، ولم يُعْهَدْ في الشرع رفْعُ الوضوءِ لحدث معيّن دون حدث آخر، فهو طاهر ولا طاهر !! محْدِثٌ ولا محْدِث !! إلاّ إذا رَجَعَ وضوؤه إلى عدم إرادة رفع الحدث بشكل مطلق، وإنما يريد أن يرفع خصوص حدث البول دون حدث النوم مثلاً، فكأنه يلعب مع الشرع ويسخر !! فلا بأس أن يعاقَبَ هذا اللاعبُ اللاهي بأن يقال له أن يعيد وضوءَه احتياطاً، لأنه لم يقصد رفع طبيعي الحدث ولا الكون على الطهارة، وهذا أقربُ شيءٍ إلى مَن طَلّق زوجتَه أيامَ الخميس فقط دون غيرها، أو تزوّج فلانةَ أيامَ الجمعة فقط دون غيرها، هذه كلّها أقربُ شيءٍ إلى السخرية بدين الله جلّ وعلا .

مسألة 6 : إذا كان للوضوء الواجب غاياتٌ متعددة فقصد الجميع حصل امتثال الجميع، وأثيب عليها كلها، وإن قصد البعض حصل الإمتثال بالنسبة إليه، ويثاب عليه، لكن يصح بالنسبة إلى الجميع، ويكون أداء بالنسبة إلى ما لم يقصد . وكذا إذا كان للوضوء المستحب غايات عديدة . وإذا اجتمعت الغايات الواجبة ـ كالوضوء للفريضة ـ والمستحبة أيضاً ـ كالوضوء للنافلة ـ يجوز قصد الكل، ويثاب عليها، ويجوز قصد البعض دون البعض، فلو قصد الفريضة فله أن يصلّي النافلةَ، وكذا لو قصد الغاية المندوبة ـ كالنافلة ـ فإنه يصح أن يأتي بالفريضة، ولا يضر في ذلك كون الوضوء عملاً واحداً لا يتصف بالوجوب والإستحباب معاً، ومع وجود الغاية الواجبة لا يكون إلا واجباً، لأنه على فرض صحته لا ينافي جواز قصد الأمر الندبي، وإن كان متصفاً بالوجوب فالوجوب الوصفي لا ينافي الندب الغائي، لكن التحقيق صحة اتصافه فعلاً بالوجوب والإستحباب من جهتين، فالوضوء للصلاة واجب وللنافلة مستحبّ، فاتّصف الوضوء الواحد بصفتين(383).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (383) لا شكّ في عدم اعتبار نيّة الوجه، ولا اعتبار قصد التوصّل، وإنما يكفي نيّة القربة للكون على الطهارة ... وكانت التعاليق شفهيّة وهي مسجّلة .