بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تمام الكلام في مستحبات التخَلّي ومكروهاته

( فَصْلٌ في مستحبات التخَلّي ومكروهاته )[1]
  أما الأوّلُ : فأنْ يطلب خلوة، أو يـَبْعُدَ حتى لا يُرى شخصُه، وأن يطلب مكاناً مرتفعاً للبول، أو موضعاً رخواً ـ أي فيه التراب الكثير ـ كي لا يتبعثر عليه البولُ، وأن يُقَدِّمَ رِجْلَه اليسرى عند الدخول في بيت الخلاء، ورِجْلَه اليمنى عند الخروج، وأن يغطّيَ رأسَه أو يتقنّع إستحياءً من الملكين اللذين مع الشخص، وأن يسمي عند كشف العورة، ففي الرواية ( إذا انكشف أحدُكُم لبولٍ أو لغير ذلك فلْيَقُلْ (بسم الله) فإنّ الشيطان يغضّ بصره عنه حتى يفرغ )، وفي سنن البيهقي عن سراقة بن جشعم : ( علّمنا رسول الله إذا دخل أحدنا الخلاء أن يعتمد اليسرى وينصب اليمنى )، بمعنى أن يَتَّكِئَ في حال الجلوس على رجله اليسرى ويُفَرِّجَ رِجْلَه اليمنى، وأن يقرأ الأدعية المأثورة، بأن يقول عند الدخول ( اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المُخْبِثِ ـ أي ذا خُبْثٍ ـ الشيطان الرجيم ) أو يقول ( الحمد لله الحافظ المؤدِّي )، والاَولى الجمعُ بينهما، فإنّ ذكر الله حسن على كلّ حال، وأن يقول عند خروج الغائط ( الحمدُ لله الذي أطعمنيه طيّباً في عافية، وأخرجه خبيثاً في عافية )، وعند النظر إلى الغائط ( اللهم ارزقني الحلال وجَنِّبْني الحرام )، وعند رؤية الماء ( الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً )، وعند الإستنجاء ( اللهم حَصِّنْ فَرْجي واَعِفَّهُ، واسْتُرْ عورتي، وحَرِّمْني على النار، ووَفِّقْني لما يُقَرِّبُني منك، يا ذا الجلال والإكرام ) كما رُوِيَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأن يقول عند الفراغ من الإستنجاء ( الحمد لله الذي عافاني من البلاء، وأماط عني الأذى )، وعند القيام عن محل الإستنجاء يمسح يده اليمنى على بطنه ويقول ( الحمد لله الذي أماط عنّي الأذى، وهنّأني طعامي وشرابي، وعافاني من البلوى )، وعند الخروج أو بعده ( الحمد لله الذي عرَّفَني لذَّتَه، وأبْقَى في جسدي قوتَه، وأخرج عني أذاه، يا لها نعمة، يا لها نعمة، يا لها نعمة، لا يُقَدِّرُ القادرون قَدْرَها ) .
   ويستحب أن يقدم الإستنجاء من الغائط على الإستنجاء من البول، وأن يجعل المسحات إن استنجى بها وتراً، فلو لم يَنْقَ بالثلاثة وأتى برابع يستحب أن يأتي بخامس ليكون وتراً حتى وإن حصل النقاءُ بالرابع، لما روي عن الرسول (ص) أنه قال ( إذا استنجى أحدكم فليوتر بها وتراً إذا لم يكن ماء )، وأن يكون الإستنجاء والإستبراء باليد اليسرى، وقد ذكرناه سابقاً .
   ويستحب أن يعتبر ويتفكر في أن ما سعى واجتهد في تحصيله وتحسينه كيف صار أذية عليه، ويلاحظ قدرةَ الله تعالى في رفع هذه الأذية عنه، وفي إراحته منها .
   وأما المكروهات : فهي استقبال الشمس والقمر بالبول والغائط، وترتفع بستر فرجه ولو بيده، أو دخوله في بناء أو وراء حائط، واستقبال الريح بالبول، بل بالغائط أيضاً، والجلوس في الشوارع أو المشارع[2]، أو منزل القافلة، أو دروب المساجد أو الدور، أو تحت الأشجار المثمرة ولو في غير أوان الثمر، وبالعموم يكره التخلّي في مواضع اللعن . ويكره البول قائماً، وفي أرض الحمّام الذي يغتسل به، وعلى الأرض الصلبة، وفي ثقوب الحشرات، وفي الماء، خصوصاً الراكد، ففي الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال ( إنّ للماء أهلاً )، وخصوصاً في الليل، ويكرهُ التطميحُ بالبول، أي البول في الهواء، والأكل والشرب حال التخلي، بل في بيت الخلاء مطلقاً، والإستنجاءُ باليمين وباليسار إذا كان عليه خاتم فيه اسم الله، فعَنْ عليّ (عليه السلام) ( مَن نَقَشَ على خاتمه إسمَ اللهِ فليحوّلْه عن اليد التي يستنجي بها )، مع أنه مِن سوء الأدب جدّاً، وأمّا مع التلوّث بالنجاسة فلا شكّ ولا إشكال في الحرمة، ولذلك يسري نفس الحكم إذا كان فيه أشياء محترمة شرعاً كأسماء المعصومين (عليهم السلام)، ولا بأس بوضعه في جيبه، ويُكْرَهُ طولُ المكث في بيت الخلاء، لأنه ـ كما في الرواية ـ يورث البواسيرَ، والظاهر ـ كما قال لي بعضُ الأطبّاء ـ أنّ ذلك قد يحصل إذا كانت القعدة عربية لا كرسي إفرنجيّة، ويكره التخلي على قبور المؤمنين إذا لم يكن هتكاً، وإلا كان حراماً، فإنّ حرمة المؤمنِ ميتاً كحُرْمَتِه حيّاً، ويكرهُ الكلام في غير الضرورة، ويظهر أنّ السبب في ذلك هو أنه خلاف الأخلاق الإنسانية، إلا بذكر الله أو آية الكرسي أو حكاية الأذان365 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
365 ما ذكره هنا هي عبارة عن روايات مذكورة في كتب الأدعية والفقه، وبعضها لم يثبت بالسند الصحيح، فالبناء إذن إمّا على التسامح في أدلّة السنن، وإمّا لحكم العقل باستحباب بعض الاُمور أدبيّاً واجتماعيّاً وكراهة بعضها الآخر أدبيّاً واجتماعيّاً أيضاً، ولعلّ أغلب ما يذكر في هكذا مقامات يلاحظ فيها الأخلاقيات الإسلامية التي تريد أن ترفع بالمؤمن إلى أعلى عليين في الدنيا والآخرة، المهمّ ما نذكره هنا من قولنا مستحبّ أو مكروه لا نريد منها الإستحباب والكراهة المصطلحتين، ولذلك هكذا اُمور يتسامح بها علماؤنا بإطلاق لفظة مستحبّ أو مكروه .
   على كلّ، نذكر بعض الروايات فقط، للتبرّك، وذلك لعدم إمكان ذكر كلّ الروايات في كتابنا هذا [3] :
ـ فقد روى الشهيد الأوّل في شرح النفليّة أن النبيّ (ص) لم يُرَ على بول ولا غائط، وكذلك وردت الروايات في المعصومين .
ـ روي عن أبي جعفر (عليه السلام): ( إذا انكشف أحدكم لبول أو لغير ذلك فليقل : بسم الله، فإنّ الشيطان يغض بصره عنه حتّى يفرغ )[4].
ـ روي عن عليّ (عليه السلام)كما عن الصادق (عليه السلام)قال : ( ثمَّ استنجى، اللَّهمّ حصّن فرجي، وأعفّه، واستر عورتي، وحرّمني على النّار )[5].
ـ وعن الصادق (عليه السلام) : ( نهى رسول الله (ص)أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول )[6].
ـ عن عليّ (عليه السلام) : ( ولا يستقبل ببوله الريح )[7].
ـ وفي صحيح الفضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : ( لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري، وكره أن يبول في الماء الراكد )[8].
ـ وفي خبر صفوان عن الرضا (عليه السلام)أنّه قال : ( نهى رسول الله (ص)أن يجيب الرجلُ آخَرَ وهو على الغائط، أو يكلمه حتّى يفرغ )[9].
ـ وفي صحيح محمد بن مسلم : ( يا محمد بن مسلم : لا تدعنّ ذكر الله على كلّ حال . ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزّ وجلّ، وقل كما يقول المؤذن )[10].
ـ والاَولى أن يقرأ الأذكار والدعوات سرّا، لما يمكن أن يستفاد من قوله (عليه السلام) : ( فليحمد الله في نفسه )[11].
ـ وفي خبر أبي أيوب قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أدخُلُ الخلاءَ وفي يدي خاتِمٌ فيه اسمُ من أسماء الله تعالى ؟ قال : ( لا، ولا تجامِعْ فيه )[12].


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص342، ط ج.
[2] قال في لسان العرب : (المشرعة هي المواضع التي يُنْحَدَرَ إلى الماء منها) أي الطريق المؤدّي إلى النهر مثلاً.
[3] أخذنا هذه الروايات من كتاب مهذّب الأحكام، ج2، ص217 فما بعد..
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص308، أبواب أحكام الخلوة، باب5، ح9، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص401، أبواب الوضوء، باب16، ح1، ط آل البیت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص342، أبواب أحكام الخلوة، باب25، ح1، ط آل البیت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص353، أبواب أحكام الخلوة، باب32، ح6، ط آل البیت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص143، أبواب الماء المطلق، باب5، ح1، ط آل البیت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص309، أبواب أحكام الخلوة، باب6، ح1، ط آل البیت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص314، أبواب أحكام الخلوة، باب8، ح1، ط آل البیت.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص313، أبواب أحكام الخلوة، باب7، ح9، ط آل البیت.
[12] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص330، أبواب أحكام الخلوة، باب17، ح1، ط آل البیت.