بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : إذا استيقظ الرجل فوجد بللاً
  مسألة 6 : إذا استيقظ الرجل فوجد بللاً وشكّ في كونه منيّاً أو بولاً فإنه إن كان قد استبرأ من البول قبل النوم فالأحوط وجوباً الجمع بين الوضوء والغسل، وإنْ لم يكن قد استبرأ من البول فإنه يكتفي بالوضوء 364 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 364 روى في التهذيبين بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن السندي[1] عن حمّاد بن عيسى عن شعيب (بن يعقوب ثقة عين) عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيب بثوبه مَنِيّاً ولم يعلم أنه احتلم ؟ قال : ( ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ )[2] لا بأس بالقول بحسن الطريق . ووصفها السيد محسن الحكيم في مستمسكه برواية أبي بصير . وينصرف ذهن المتشرّعة إلى حالة عدم الإستبراء من البول، فيستصحب وجود البول في المجرى، ولم يثبت وجود المنيّ، لأنّ الأصل العقلائي عدمه مع احتمال كونه بولاً حسب العادة، إذ أنّ ظاهر الحال ـ عند الناس ـ أنه قد بال ثم نام، وليس أجنب ثم نام، فالمحتمل أن يكون بولاً لا منيّاً، ومن الجواب تعلم أنه لم يستبرى بعد البول .
   ولما رواه ابن إدريس في النوادر عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن العلاء (بن رزين) عن محمد بن مسلم قال : سألته عن رجل لم ير في منامه شيئاً فاستيقظ فإذا هو ببلل ؟ قال : ( ليس عليه غسل )[3] صحيحة السند، وكذا وصفها بالصحّة السيدُ الحكيم في مستمسكه . ولا بدّ من حمل هتين الروايتين على عدم ثبوت الغُسل عليه، وذلك لأنّ ما ينزل منه عدّة سوائل، كالبول والودي وأخويه، كما قالوا إن الأصل عدم كون المرأة قرشيّة، لأنّ القرشيّات أقلّ بكثير من النساء العامّيّات، لذلك قالوا بأنّ ثبوت عنوان القرشيّة بحاجة إلى دليل .
   ولكن لهتين الروايتين روايةٌ معارِضة تقول إنّ عليه الغُسل، وهي ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنه احتلم فوجد في ثوبه وعلى فخذه (جسده ـ خ) الماء، هل عليه غُسل ؟ قال : ( نعم )[4] موثّقة السند .
ولهذا التعارض لا نرى اهتماماً في هذه الروايات مِن قِبَلِ العلماء، ونراهم رجعوا إلى الاُصول العمليّة . ومقتضى الاُصول العمليّة أن نقول : إنه قبل الإستبراء نستصحب كونه بولاً فيطهّر ويتوضّأ، كما حكم السيد اليزدي في العروة والسيد السبزواري، ولعلّه إجماعي أيضاً .
   وأمّا بعد الإستبراء فلا بول في المجرى فهو إذَنْ مردّدٌ بين البول والمنيّ، فإذن يجب عليه الإحتياط بين الوضوء والغُسل ـ سواء كان خروج البلل بعد وضوئه أو قبل وضوئه ـ كما يقول السيد الخوانساري في حاشيته على العروة، وكذلك احتاط السيد الرفيعي، وذلك لأنه لو توضّأ فهو يشكّ هل ارتفع كلّيُّ الحدثِ أم لا، فيستصحبه كلّيَّ الحدثِ قطعاً . ويصعب القول بأنّ الوضوء مرتبة ضعيفة من الحدث والجنابة هو نفس الحدث لكنها أقوى، كالألف ليرة والألفي ليرة، فالأصلُ عدم ثبوت الألف الزائدة المشكوكة، وهنا الأمر كذلك، فقد يدّعى بأنّ الأصلَ عدم الزائد المشكوك، أي عدم الجنابة . وكذلك إذا لم يكن متوضّأً ـ كما لو كان نائماً ـ وخرجت منه الرطوبةُ المردّدة بين البول والمنيّ وكان مستبرِئاً سابقاً فإنه أيضاً يجمع بينهما لأنّ الحدث الأصغر والأكبر متباينان . 
   وتستفيد الإستصحاب من الروايات من قبيل ما رويناه قبل قليل عن التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن عن زرعة (بن محمد الحضرمي ثقة واقفي) عن سَماعة (بن مِهْران ثقة) قال : سألته ـ أي سأل أبا عبد الله (عليه السلام) بقرينة ما قبلها ـ عن الرجل يُجْنِبُ، ثم يَغتسل قبل أن يبول، فيجدُ بللاً بعدما يغتسل ؟ قال : ( يعيد الغسل، فإنْ كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غُسْلَه، ولكنْ يتوضأ ويستنجي )[5] موثّقة السند.


[1]هو علي بن اسماعيل ثقة، قاله نصر بن الصباح ونقله الكشّي، وقال المجلسي عن سند هو فيه ( حسن كالصحيح لتوثيق ابن الصباح وهو غير موثّق ).
[2]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص480، أبواب الجنابة، ب10، ح3، ط الاسلامية.
[3]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص480، أبواب الجنابة، ب10، ح4، ط الاسلامية.
[4]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص480، أبواب الجنابة، ب10، ح1، ط الاسلامية.
[5]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص201، أبواب نواقض الوضوء، ب13، ح6، ط الاسلامية.