بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/06/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الخنثى المشكلُ يجب عقلاً الإحتياطُ فيها سَتراً ونظراً

  مسألة 8 : الخنثى المشكلُ يجب عقلاً الإحتياطُ فيها سَتراً ونظراً 344 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 344 الخنثى مردّدة بين الذكر والاُنثى[1]، وقد كثرت الآيات الكريمة في حصر الجنس بين الذكر والاُنثى، ولم يذكر القرآنُ الكريم صنفاً ثالثاً، ولا بأس بذكر بعض الآيات الكريمة في ذلك، قال الله تعالى ( اللهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50))[2]، وقال تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ ... )[3]، وقال عزّ من قائل ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) )[4]، وهكذا في الطبّ الحديث أيضاً .

   المهم أن ننظر أوّلاً إلى مسألة وجوب سترها نفسَها وعدم الوجوب، إذا كان في المجلس، فقط رجالٌ، فهي سوف تتردّد هل يجوز لها كشفُ جسدِها كأنها رجل ـ طبعاً ما عدا العورتين ـ أم يحرم عليها ذلك ؟
   قد تقول : نُجري البراءةَ !
   أقول : لكنْ في جريان البراءة في الشكّ المقترن بالعلم الإجمالي إشكالٌ واضحٌ عند العقلاء، لأنها إن أرادت أن تتصرّف مع الرجال كأنها رجل ومع النساء كأنها امرأة فهي تعلم بالمخالفة القطعيّة !! وأيضاً هذا أمرٌ قبيح قطعاً، إذن لا يجوز لها أن تتعامل مع الرجال كرجل ومع النساء كاُنثى لأنها سوف تعلم بأنها سوف تخالف الواقع قطعاً، فيجب عليها الإحتياط قطعاً، ولذلك ادّعَى العلاّمةُ الحلّي [5]الإجماعَ على وجوب ستر فرجَيها على الرجال والنساء .

  ولكن هل يجب عليها أن تستر شعرها في الطرقات ؟ فيه شكّ وإشكال، ولا يبعد عدمُ جريان البراءة فيها، لعلمها الإجمالي بكونها إمّا رجلاً وإمّا امرأة، فمثلاً لا يجوز أن تسلّم بيدها على أحدهما، هذا من جهتها .

   وأمّا بالنسبة إلى النظر إليها، فالنظر إلى دبرها حرام قطعاً لأنها عورة، سواءً كانت ذكراً أو اُنثى، وأمّا القُبُل فقد يكون للخنثَى عورةٌ واحدة كالثقب، فهي عورة واضحة، فالنظر إليها حرام قطعاً .
   وقد يكون لها عورتان، قضيب وفرج، ويُشَكّ في العورة الحقيقيّة من العضو الزائد، وأنت تعلم أنّه لو خُلِقَ للرجل فرْجٌ فإنه يجوز النظر إليه كسائر أعضائه، وكذا لو خُلِقَ للمرأة قضيبٌ زائدٌ فإنه يجوز للنساء النظرُ إليه كسائر أعضائها، لأنه ليس عورةً .
   أقول : لكنْ مع ذلك لا يقبل المتشرّعةُ النظرَ إلى أيّ منهما، للعلم الإجمالي بكون أحدهما عورةً، وهو عِلْمٌ منجّز عقلاً، ولذلك هم يحتاطون عقلاً، لا بل نفس الخنثى المتديّنة ترفض ذلك، وأهلُها المتديّنون يرفضون ذلك لأنهم يعلمون أنها إمّا ذكر وإمّا أنثى .
والنتيجة هي أنه لا يجوز لها كشف ولو إحدى العَورتين، سواء أمام محارمها أو أمام الأجانب، وذلك للعلم الإجمالي بكون إحديهما عورة، سواء كان الناظر ذكراً أم اُنثى، وسواء كان المنظور إليه قضيباً أو فرجاً .


[1] قال الشيخ المفيد : ( إن كان للخنثى فرجان : أحدههما فرج الرجال، والآخر فرج النساء، وجب أن يُعتبَرَ بالبول، فإن بال من أحدهما دون الآخر قُضِيَ له بحكم ما بال منه . وإن بال منهما جميعاً نُظِرَ مِن أيهما ينقطع آخراً فيُحكَمُ له بحكمه، فإنْ بال منهما جميعاً، وقُطِعَ منهما جميعاً، ورث ميراث النساء والرجال، فاُعطِيَ نصف سهم الأنثى ونصف سهم الذكر . وإذا لم يكن له ما للرجال ولا ما للنساء فإنه يورث بالقرعة : فيُكتَبُ على سهم عبد الله، ويكتب على سهم أمة الله، ويجعلان في سهام مبهمة، وتخلط، ويدعو ـ المقترع ـ وهو إمام الجماعة، فإن لم يحضر إمام الجماعة كان الحاكم يتولى ذلك، فإن لم يكن حاكم عادل تولاها فقيه القوم وصالحهم ) .
   وقال السيد المرتضى : ( ومما انفردت به الإمامية : أنّ مَن أُشكِلَتْ حالُه مِنَ الخناثى في كونه ذكراً أو أنثى اعتبر حاله بخروج البول، فإن خرج من الفرج الذي يكون للرجال خاصة ورث ميراث الرجال، وإن كان خروجه مما يكون للنساء خاصة ورث ميراث النساء، وإن بال منهما معاً نُظِرَ إلى الأغلب والأكثر منهما فعُمِلَ عليه ووَرِثَ به، فإن تساوى ما يخرج من الموضعين ولم يختلف اعتبر بعدد الأضلاع، فإن اتفقت ورثت ميراث الإناث، وإن اختلفت ورث ميراث الرجال . وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا فيه أقوالاً مختلفة كلها تخالف قول الشيعة في ذلك، والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردد، وأيضاً فإنّ باقي الفقهاء عولوا عند إشكال الأمر وتقابل الأمارات على رأي وظن وحسبان، وعولت الإمامية فيما يحكم به في الخنثى على نصوص وشرع محدود، فقولها على كل حال أولى ).
[2] شوری/سوره42، آیه49.
[3] آل عمران/سوره3، آیه195.
[4] نساء/سوره4، آیه124.
[5] تحرير الأحكام، العلاّمة الحلّي، ج1، ص203.