بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/05/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أواني الكفّار و أواني الخمر
مسألة 2 : أواني الكفار محكومة بالطهارة لما عرفتَه مِنّا أكثرَ مِن مرّة بأنّ الكفّار كفسّاق المسلمين هم طاهرون ذاتاً، إلاّ أن تعلم بطروء النجاسة عليهم، كما هو الحال مع المسلم، وطعامهم طاهر، لكن يجب اجتناب اللحوم والشحوم من عندهم لأصالة عدم التذكية، إلاّ أن تعلم بأنهم أخذوا اللحم من قصّاب مسلم .
  والمشكوك كونُه من جلد الحيوان أو من شحمه أو إليته محكوم بعدم كونه منه، فيحكم عليه بالطهارة، وإن اُخِذَ مِن الكافر[1]331.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 331 عرفتَ دليل ذلك في كلامنا حول طهارة الكافر سابقاً، وأمّا المشكوك كونه جلد ميتة فالمرجع إلى قاعدة الطهارة .

مسألة 3 : يجوز استعمال أواني الخمر بعد غسلها، وقد عرفتَ منّا طهارةَ الخمر سابقاً، وإنّما حرّم اللهُ شربَه ولم يحرّم الصلاة فيه[2] 332.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 332 عرفتَ دليل ذلك في بحث طهارة الخمر[3] ورأيتَ روايات مستفيضة صحيحة صريحة في طهارته، وتجد هناك مجموعةً من كبار فقهائنا يقولون بطهارته، من قبيل علي بن بابويه، قال في كتابه (فقه الرضا (عليه السلام)) : (ولا بأس أن تصلي في ثوبٍ أصابَهُ الخمرُ، لأن الله تعالى حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابه، وإن خاط خياطٌ ثوبَك بريقه، وهو شارب الخمر، فإن كان يشرب غُبّاً فلا بأس، وإن كان مُدْمِناً للشرب كل يوم فلا تُصَلِّ في ذلك الثوب حتى يُغسل)(إنتهى) . المهم فقد قال بطهارته جماعةٌ من القدماء كالصدوق وأبيه في الرسالة[4] والجعفي[5] وابن أبي عقيل العماني وجماعة من متأخري المتأخرين أولهم المقدس الأردبيلي وتبعه عليه جماعة ممّن تأخر عنه ...
*   *   *   *   *
أمّا أدلّةُ الطهارة : فيقول الله تعالى ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ[6] وهي صريحة بحلّيّة طعامهم رغم مساورتهم له، خرج من ذلك خصوص اللحوم والشحوم لاحتياجها إلى التذكية، بل حتى لو افترضناها ظاهرة في المطلوب لكفانا ذلك لأن الظهور العرفي هو الحجة . وأمّا الرواية المفسِّرة بالحبوب فالظاهر منها المقابلة مع اللحوم، وإلاّ فلا خصوصية لأهل الكتاب في جواز شراء الحبوب منهم.
 روايات طهارة النصارى واليهود والمجوس :
   1 ـ التهذيب : محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد(بن محمد بن عيسى) عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضاt : الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية ولا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة ؟ قال : ( لا بأس، تغسل يديها )[7] صحيحة السند، وهي صريحة في أنّ نجاستهم عرضيةٌ لا ذاتية .
   2 ـ في التهذيب أيضاً : سأل علي بنُ جعفر أخاه موسى بن جعفر (عليهم السلام) عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام، قال : ( إذا علم أنه نصرانيّ اغتسل بغير ماء الحمّام إلاّ أن يغتسل ـ أي المسلم ـ وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل ) وسأله عن اليهودي والنصرانيّ يُدخل يده في الماء، أيتوضأ منه للصلاة ؟ قال : ( لا، إلاّ أن يضطر إليه )[8] معتبرة السند، لأنه لم يقل رُوِيَ وإنما جزم بقوله ( سأل عليّ أخاه )، وخبر الثقة حجة فيما يحتمل أن يكون مستنداً إلى الحس، وهنا الأمر كذلك، وهي تفيد طهارتهم لأنه لو كان هذا الماء متنجساً بهم لأمره الإمام (عليه السلام) بالتيمم لا بالوضوء .
   3 ـ وأيضاً في التهذيب عن محمد بن يعقوب (وعن الكافي) عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن اسماعيل بن مرار عن يونس عنهم (عليهم السلام) قالوا : ( خمسة أشياء ذكية ممّا فيها منافع الخلق : الإنفحة والبيضة والصوف والشعر والوبر، ولا بأس بأكل الجُبن كله مما عمله مسلم أو غيره، وإنما يكره أن يؤكل سوى الإنفحة ممّا في آنية المجوس وأهل الكتاب لأنهم لا يتوقّون المَيتة والخمر )[9]، ضعيفة السند لجهالة اسماعيل بن مرار، وهي صريحة في تعليل لزوم اجتنابهم بأنهم لا يتوقّون المَيتة والخمر ممّا يدل على طهارتهم الذاتية .


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص303، ط جدید.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص304، ط جدید.
[3] راجع التاسع من النجاسات، تعليقة137، ص311.
[4] يجب أن يكون قصْدُه رسالةَ والدِ الصدوق المعروفة إلى ابنه، وقد اعتمد الصدوق على رسالة أبيه اعتماداً كليّاً، حيث قَدَّمَ بعضَ مضامينها على بعض الأخبار المعتبرة، وليس هذا إلا لاعتقاد الصدوق أنّ الرسالة مأخوذة من الأخبار المعتمدة الصحيحة لديه ولدى أبيه، وقد تقدم موافقة أكثر عبائر فقه الرضا لتلك الرسالة.
[5] هو العالم الفاضل أبو الفضل محمد بن أحمد بن ابراهيم الجعفي الكوفي ثم المصري الصابوني، المعروف بالجعفي تارةً وبالصابوني اُخرى، وبأبي الفضل الصابوني ثالثةً . أدرك الغيبتين الصغرى والكبرى، وهو من أعلام فقهاء أصحابنا القدماء ومن أصحاب كتب الفتوى، له كتاب الفاخر.
[6] مائده/سوره5، آیه5.
[7] مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني، ج1، ص560, ط قدیم.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1020، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب14، ح9، ط الاسلامية .
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص365، أبواب الأطعمة المحرمة، باب33، ح2، ط الاسلامية.