بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : مقدار اِستبراء الحيوانات الجلاّلة
  الحادي عشر : اِستبراء الحيوان الجلاّل، فإنّه مطهّرٌ لبَوله ورَوثه، والمراد بالجلال مطلق ما يُؤكل لحمُه من الحيوانات المعتادة بالتغذّي على العَذرة وهي كلّ غائط نجس كغائط الإنسان والسباع . والمراد من الإستبراء منْعُه من ذلك واغتذاؤه بالعَلَف الطاهر حتّى يزول عنه الجَلَل، والأحوط مضيّ المدّة المنصوصة في كلّ حيوان بهذا التفصيل : مقدار استبراء الدجاجة ثلاثة أيام، والبطّة خمسة أيام، والشاة عشرة أيام، والبقرة عشرين يوماً، والأحوط إستحباباً ثلاثين يوماً، والإبل أربعين يوماً، والسمك يوم وليلة 305.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 305 لا شكّ في أنه إذا حَلّ أكْلُه فإنه يعود إلى كلّ أحكامه السابقة كطهارة بوله وروثه .
 أقول : ذهب المشهور إلى أنه من جملة المطهّراتِ إستبراءُ الحيوان الجلاّل من الجلل، وذلك لمرسلة موسى بن أكيل عن بعض أصحابه عن أبي جعفر (عليه السلام) في شاةٍ شربت بولاً ثم ذبحت ؟ فقال : ( يُغسَل ما في جوفها ثم لا بأس به، وكذلك إذا اعتلفتِ العذرةَ، ما لم تكن جلاّلة، والجلاّلة هي التي يكون ذلك غذاءَها )[1]، وهذا أمْرٌ يجب أن يكون مسلّماً شرعاً وعلميّاً . قال الفقيه أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي في الفقه عند تعداده للنجاسات قال : ( وما نبت لحمه من الأنعام بلبن الخنزيرة، وما أدمن شربَ النجاسات حتى يُمنع منها عشراً، أو جلاّلة الغائط حتى تُحبَسَ الإبلُ والبقر أربعين يوماً والشاةُ سبعةَ أيام والبطُّ والدجاجُ خمسة أيام، ورُوِيَ في الدجاج خاصة بثلاثة أيام، وجلالة ما عدا العذرة من النجاسات حتى تحبس الأنعام سبعاً والطير يوماً وليلة، ومنكوح الإنسان من الأنعام، وكل طعام شِيْبَ بشيءٍ من المحرَّمات أو النجاسات)[2] (إنتهى) .
  أقول : هنا عدّةُ نقاط يجب أن ننظر إليها :
1 ً ـ لا شكّ في أنّ العِبرة بالجلل هو نماء اللحم على العذرات التي هي قذارات، حتى ولو لم تكن العذرة عذرة إنسان، وذلك لوضوح وحدة المناط في ذلك .
2 ً ـ يجب الرجوع في البناء على حصول الجلل في كلّ حيوان إلى المدّة التي أخبرنا بها الشارعُ المقدّسُ بأنها يحصل بها الإستبراء، لأنّ هذا كاشف عن تغيّر اللحم في هذه المدّة .
3 ً ـ لا شكّ أنّ هذه التقديرات المذكورة للإستبراء هي أحكام واقعية .
4 ً ـ كما أنه لا شكّ في أنه إن حصل عندنا شكّ في حصول الجلل فإنه يجب الرجوع إلى استصحاب عدم حصوله بالإجماع .
5 ً ـ أمّا الحيوان الذي لم يُنَصّ فيه على مقدار مدّة الإستبراء فيجب أن يحتاط فيه حتى يعلم بزوال الجلل عنه، وذلك لوجوب الرجوع إلى استصحاب عدم زوال الجلل عنه .
  وهذه روايات الإستبراء[3] :
1 ـ روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهم السلام)قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تغتذي ثلاثة أيام، والبطة الجلالة بخمسة أيام، والشاة الجلالة عشرة أيام، والبقرة الجلالة عشرين يوماً، والناقة الجلالة أربعين يوماً )[4]، وهي مصحّحة السند بناءً على وثاقة النوفلي عندنا لكثرة رواياته (848 رواية في الكتب الأربعة) ولعدم استثناء ابن الوليد رواياتِه من روايات محمد بن أحمد بن يحيى والتي كانت تلقّب بدبّة الشبيب، ولم يذمّه النجاشي والطوسي عند ترجمتهما له، وهو معروف جداً، فلو كان كذّاباً لاشتهر أمره ولما روى عنه علماؤنا بهذه الكثرة .  وأمّا السكوني فالمعروف والمشهور أنه عامّيّ ثقة[5].
2 ـ وفي الكافي أيضاً عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون(البصري واقف ثم غلا كان ضعيفاً جداً لا يلتفت إليه) عن عبد الله بن عبد الرحمن(بصري ضعيف كذّاب غال ليس بشيء) عن مسمع(بن عبد الملك ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى أربعين يوما والبقرة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى ثلاثين (عشرين ـ يب) (أربعين ـ صار) يوماً والشاة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذى عشرة أيام والبطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربى خمسة أيام والدجاجة ثلاثة أيام ) [6]ضعيفة السند .
3 ـ وأيضاً في الكافي عن حَمِيد بن زياد(ثقة واقفيّ عالم مات 310 هـ ق) عن الحسن بن محمد بن سماعة(من شيوخ الواقفة فقيه ثقة وكان يعاند في الوقف) عن أحمد بن الحسن(بن اسماعيل)الميثمي (صحيح الحديث سليم) عن أبان بن عثمان(من أصحاب الإجماع) عن بسام(بن عبد الله)الصيرفي(المطنون أنه مؤمن ثقة) عن أبي جعفر (عليه السلام) في الإبل الجلاّلة قال : ( لا يؤكل لحمها ولا تُركبُ أربعين يوماً )، قد تصحّح بناءً على تصحيح روايات الكافي .
4 ـ وأيضاً في الكافي عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد(ثقة صدوق كثير الرواية) رفعه قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( الإبل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوماً والبقرة ثلثين يوماً، والشاة عشرة أيام ) .
5 ـ وأيضاً في الكافي عن الحسين بن محمد(بن عامر بن عِمران : أبي عبد الله الأشعري ثقة) عن السياري(أحمد بن محمد بن سيّار ضعيف فاسد المذهب مجفوّ الرواية) عن أحمد بن الفضل(مردّد بين المجهول والواقفي والمهمل) عن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا (عليه السلام) في السمك الجلال انه سأله عنه فقال ( ينتظر به يوماً وليلة ) . قال السياري ان هذا لا يكون الا بالبصرة . وقال في الدجاجة ( تحبس ثلاثة أيام والبطة سبعة أيام والشاة أربعة عشر يوماً، والبقرة ثلاثين يوماً، والإبل أربعين يوماً، ثم تذبح ) [7]، ورواها الشيخ باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن أحمد السياري عن أحمد بن الفضل عن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا (عليه السلام) مثله إلى قوله بالبصرة . يصعب تصحيحها حتى على مبنى تصحيح روايات الكافي .
6 ـ وروى في الفقيه بإسناده عن القاسم بن محمد الجوهري(واقفيّ يوثّق من باب رواية صفوان وابن أبي عمير عنه) ان في روايته ان ( البقرة تربط عشرين يوماً، والشاة تربط عشرة أيام، والبطة ثلاثة أيام )[8]، ثم قال في الفقيه : ورُوِيَ ( ستة أيام، والدجاجة تربط ثلاثة أيام، والسمك الجلاّل يربط يوماً إلى الليل في الماء ) . يصعب تصحيحها، ذلك لأنّه ليس للشيخ الصدوق طريقاً إلى القاسم بن محمد الجوهري، إنما كان الجوهريُّ في طريق الشيخ الصدوق إلى مسمع بن مالك البصري فقط .
7 ـ وفي المقنع قال : الدجاجة تربط ثلاثة أيام . ورُوِيَ ( يوماً إلى الليل )، ونَقَلَ العلاّمةُ في المختلف عن ابن أبي زهرة انه جعل للبقرة عشرين وللشاة عشرة قال : وروى سبعة .
قال الحرّ العاملي : ( ينبغي حمل الأقل على الإجزاء والأكثرِ على الإستحباب)[9] (إنتهى) .
  وقد تفيدنا رواية عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السلام : انه كان لا يرى بأسا ان يطرح في المزارع العذرة .
  أقول : بعد التأمّل في الروايات تعرف أنه لا شكّ أنّ مقدار استبراء الدجاجة ثلاثة أيام، والبطّة خمسة أيام، والشاة عشرة أيام، والبقرة عشرين يوماً، والأحوط إستحباباً ثلاثين يوماً، والإبل أربعين يوماً، والسمك يوم وليلة .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص352، أبواب النجاسات، ب24، ح2، ط الاسلامية الجلاّلة مأخوذة من الجِلَّة وهي بَعْرُ الدوابّ، والجلاّلة هي التي تلتقط البعر والعَذِرَة وتتبعها.
[2] الكافي، أبو الصلاح الحلبي، ص277.
[3]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص356، ب28، ح2، أبواب الأطعمة والأشربة، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص356، ب28، ح1، أبواب الأطعمة والأشربة، ط الاسلامية.
[5] صرّح الشيخ الصدوق قدس سرّه في باب ميراث المجوس من الفقيه ج 4 ح 804 بأنه لا يفتي بما تفرّد السكوني برواياته، وصرّح الشيخ في العدّة ـ عند البحث عن حجيّة الخبر عند تعارضه ـ بأنه كان عامّيّاً، ولكنه مع ذلك ذكر أنّ الأصحاب عملت برواياته، ممّا يعني أنّ الأصحاب كانوا يعملون بروايات الثقات ولو كانوا من العامّة . والمظنون قويّاً أنّ نفي ابن إدريس الحلّي الخلاف في كونه عامّيّاً كان مبتنياً على ما ذكرنا، وكذلك المطنون جداً أن ادّعاء العلاّمة الحلّي بأنّ السكوني كان عامّيّاً كان معتمداً على ما ذكرنا
   أقول : بعد الذي ذكرتُ أودّ أن اُعلّق بالتعليقة التالية وهي :
   لعلّك تعلم بأنّ السكوني يروي عنه أجلاء الأصحاب، وفيهم مَن هو مِن أصحاب الإجماع، وقد ذكرهم السيد الخوئي في معجم رجاله، أكتفي منهم بذِكْر عبد الله بن المغيرة وجميل بن درّاج وابراهيم بن هاشم وفضالة بن أيوب . وهذا قد يبعّد كونه عامّياً، إذ أنّ الفقيه الكبير يبعد أن يروي عن العامّة وإن كانوا ثقات . ومما يبعِّدُ كونَه عامّياً أيضاً ما رواه عبد الله وحسين بن سابور في طب الأئمّة عليهم السلام عن محمد بن المنذر قال حدثنا علي بن أخي يعقوب عن داود عن هارون بن أبي الجهم عن إسماعيل بن أبي مسلم السكوني عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام اَنّ رجلاً قال له : يا ابن رسول الله، إن قوماً من علماء العامة يروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال : إن الله يبغض اللحامين، ويمقت أهل البيت الذي يؤكل فيه كل يوم اللحم . فقال : غلطوا غلطاً بيِّناً، إنما قال رسول الله يبغض أهل بيت يأكلون في بيوتهم لحوم الناس، أي يغتابونهم . ما لهم ؟! لا يرحمهم الله ! عمدوا إلى الحلال فحرموه بكثرة رواياتهم . وروى العياشي في تفسيره عن إسماعيل بن أبي زياد الكوفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده صلوات الله عليهم عن ابن عباس قال : ما وجدت للناس ولعلي بن أبي طالب شبهاً إلا موسى وصاحبَ السفينة، تكلم موسى بجهل وتكلم صاحب السفينة بعلم، وتكلم الناس بجهل وتكلم علي بعلم . قيل : توفي السكوني سنة 247 هـ . ما اُريد أن أقوله هو أنّ السكوني إن كان عامّيّاً فهو لا شكّ قريب جداً إلى التشيّع
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص356، أبواب الأطعمة والأشربة، ب28، ح2، ط الاسلامية.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص357، أبواب الأطعمة والأشربة، ب28، ح5، ط الاسلامية.
[8]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص356، أبواب الأطعمة والأشربة، ب28، ح2، ط الاسلامية.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص358، أبواب الأطعمة والأشربة، ب28، ح8، ط الاسلامية.