بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الخامسُ من المطهِّراتِ الإنتقالُ
  الخامسُ من المطهِّراتِ الإنتقالُ، كانتقال دم الإِنسان أو غيره ممّا له نفس سائلة  إلى جوف ما لا نفس له سائلة، كالبَقّ والقمل، وكانتقال النجاسة إلى النباتات ونحوها، ولا بُدّ من كونه على وجه لا يسند المنتقِلُ إلى المنتقَلِ عنه302، وإلاّ لم يطهر، كدم العَلَق بعد مصّه من الإِنسان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
302 كلّ ذلك لانقلاب حقيقة الدم الموجود في الإنسان مثلاً إلى حقيقة مغايرة، وهي دم البقّ مثلاً، أو دم السمكة إذا أكلت من الإنسان الغريق، وكما في امتصاص النباتات للنجاسات، فإنّ الظاهر جداً أنها تمتصّ منها بعض الموادّ المفيدة لها ممّا لا يطلق عليها نجاسة، ولذلك جرت السيرة على أكل النباتات التي نمت على القليل من النجاسات .
  أمّا دم العلق فلا شكّ في أنه نفس دم الإنسان ولم ينقلب إلى حقيقة اُخرى .
  وأمّا مع الشكّ في حصول الإنقلاب فقد تقول بوجوب استصحاب بقاء الدم على حقيقته الاُولى أي على نجاسته، وعدم تحوّله إلى ماهيّة اُخرى مغايرة، وهذا الإستصحاب موضوعي وليس حكمياً .
  لكن يمكن لنا الإستدلال بالروايات الدالّة على طهارة دم البقّ والقمّل([1]) وبالسيرة أيضاً، فإنّ السيرة جارية على قتل البق وهو قريب العهد من مصّه دمَ الإنسان واعتباره طاهراً . لاحِظْ مثلاً ما رواه في التهذيبين بإسناده عن الصفار عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم(ثقة جليل القدر) عن زياد بن أبي الحلال(ثقة) عن عبد الله بن أبي يعفور(ثقة ثقة جليل) قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما تقول في دم البراغيث ؟ قال : ( ليس به بأس)، قلت : إنه يكثر ويتفاحش ؟! قال : ( وإن كثر)[2] صحيحة السند، فإنّ لنا أن نتمسّك بإطلاق السؤال والجواب، أي نبني على الطهارة حتى ولو كان البَقُّ لا يزال يمصّ من بدن الإنسان . ولا معارض لهذه الروايات، وكلّها مطلقة، أي حتى ولو كان البقّ والبرغوث لا يزال يمصّ الدم من الإنسان، وح فمن الخطأ أن نتمسّك باستصحاب كونه دم الإنسان والبناء على نجاسته .
  ولم أرَ مِنَ السابقين مَن قيّد الطهارةَ بِبُعْدِ العهد مِن مصِّ الدمِ، من الشيخ المفيد إلى السيد المرتضى والشيخ الطوسي ـ الذي ادّعى الإجماع في الخلاف على طهارته ولم يتعرّض للتفرقة بين ما لو كان البقّ لا يزال يمصّ الدم أم لا ـ وإبن زهرة في الغنية ـ الذي ادّعى الإجماعَ أيضاً ولم يتعرّض للتفرقة أيضاً ـ وابن إدريس الذي لم يفصّل أيضاً . ولا بأس أن نذكر كلام المحقّق الحلّي قال : ( المسألة السادسة : في دم البراغيث والخنافس والسمك وكل ما ليس له نفس سائلة إذا حصل في ثوب الإنسان أو في بدنه فما الحكم في ذلك شرعاً ؟ حتى أن الإنسان في أكثر الأوقات يجد جلده حاوية ثم يمص من دم الإنسان عياناً حتى يمتلئ فإذا فركه الإنسان يحصل منه على ثوبه أو بدنه من ذلك الدم ما يعلمه يقيناً فهل ـ والحالُ هذه ـ يحكم الشرع بطهارته أو نجاسته ؟ الجواب : لا بأس بدم البق والبراغيث وإن كثر لأنه طاهر، بل يكره إذا تفاحش في الثوب كراهة لا حظراً، وإذا كان العفو عنه مطلقاً فلا فرق بين أن نشاهد دم الآدمي أو غيره أو لم نشاهد تمسكاً بظاهر الأخبار الدالّة على العفو عنه ودفعاً للحرج، لعموم البلوى)[3] (إنتهى) .
  أمّا دم العلق فإنّ السيرة قائمة على اعتباره نجساً، كما هو ظاهر حاله، فإنه يمصّ الدم حتى ينتفخ ويموت، ولا أقلّ من استصحاب نجاسته .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1030، أبواب النجاسات، ب23، ح1، ط الاسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1030، أبواب النجاسات، ب23، ح1، ط الاسلامية.
[3] الرسائل التسع، المحقق الحلي، ج1، ص270.