بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/02

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: بقية الكلام في مطهّريّة الأرض
 المشهور بين الفقهاء هو أنّ الشمس مطهّرة، ويدلّ عليه روايات مستفيضة، وقال السيد الخوئي : (وعن الشيخ المفيد وجماعة من القدماء والمتأخّرين القولُ بالعفْوِ دون الطهارة) !
  أقول : يجب أن ننظرَ أوّلاً إلى الروايات، وإليك ما رأيتُه منها :
1 ـ ما رواه في الفقيه بإسناده الصحيح عن زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلَّى فيه ؟ فقال : ( إذا جَفَّفَتْه الشمسُ فصَلِّ عليه، فهو طاهر )[1] صحيحة السند، وهي صريحة في الطهارة، لا في مجرّد العفو عن الصلاة عليه . وكلمةُ (طاهر ) في زمان الإمام الباقر (عليه السلام) تُحمَلُ على المعنى المتشرّعي، بعد وضوح حصول النقل من المعنى اللغوي ـ وهو النظافة ـ إلى المعنى الشرعي المعروف .
2 ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن حماد عن حريز عن زرارة وحديد بن حكيم الأزدي(ثقة وجه متكلّم) جميعاً قالا قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام) : السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلَّى في ذلك المكان ؟ فقال : ( إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافّاً فلا بأس به إلا أن يكون يتخذ مبالاً )[2] صحيحة السند، ويجب أن تُحمَلَ هذا الروايةُ أيضاً على الطهارة، لا على مجرّد العفو، إذ كثيراً ما يكون على الشخص الذي يريد الصلاة يكون على أعضاء وضوئه ماءٌ، وهذا ما يفهمه زرارة وحديد بن حكيم من جواب الإمام (عليه السلام)، لا أقلّ من احتمال أن يريد السائلان السؤالَ عن الطهارة، لأنّ مجرّدَ العفْوِ دون الطهارة غير مرتكز عند المتشرّعة في مثل هكذا اُمور، وأيضاً لم ينبّههما الإمامُ على مجرّد العفو دون الطهارة . فإن قلتَ : لعلّ السائلَين يسألان عن مجرّد الصلاة في ذلك المكان لا عن الطهارة، قلتُ : مجرّدُ الإيهام بإرادة السؤال عن الطهارة ـ لا عن مجرّد العفْوِ ـ يكفي في التمسّك بجواب الإمام (عليه السلام) أي يكفي في فهم الطهارة، لأنه هو المرتكز في الأذهان، بل لا يبعد صحّةُ ادّعاءِ أنّ إرادة الطهارة هو المنصرَف إليه . فإن قلتَ : لم يقل الإمامُ "وجفّفته الشمس" وإنما قال ( وكان جافّاً ) فمراد الإمام إذن هو جواز الصلاة على الجافّ المتنجّس، قلتُ : هذا غير صحيح، وذلك لما قلناه من احتمال أن يكون سؤال السائلين هو عن الطهارة، لا عن جواز الصلاة على المتنجّس الجافّ، فإنه أمر بديهي عند السائلين، فمجرّد احتمال أن يكون السؤال عن الطهارة مع عدم تنبيه الإمام على تفصيل المسألة يكفي في جواز التمسّك بإطلاق كلام الإمام (عليه السلام) . والسيد الخوئي لم يقتنع بهذه الرواية .
3 ـ وفي التهذيبين أيضاً بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيرِه فلا تصيبه الشمس، ولكنه قد يبس الموضع القذر ؟ قال : ( لا يصلَّى عليه، وأعلم موضعه حتى تغسله )، وعن الشمس هل تطهر الأرضَ ؟ قال : ( إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابه الشمس، ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً فلا يجوز الصلاة حتى ييبس، وإن كانت رجلك رطبة وجبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى يَـيْـبَـسَ، وإن كان غيرُ الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك )[3] موثّقة السند . في نسخة الإستبصار (غير الشمس) وفي نسخة التهذيب (عين الشمس)، وهي نسخة مخالفة لنفس هذه الرواية ومخالفة لكلّ الروايات، خاصّةً وأنه لو كانت النسخة الصحيحة هي "عين" لوجب تأنيث الضمائر، فيقال ح بأنّ المراد من الرواية "حتى وإن كانت عين الشمس أصابته حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك"، فبما أنّ الرواية لم ترد هكذا وجب أن نصحّح نسخة "عين" كما قال بذلك عدّة من علمائنا أيضاً . وقول الإمام ( جائزة ) يعني أنّ الموضع طاهر، لا أنه معفوٌّ عنه، وذلك للزوم التطابق بين السؤال والجواب، وح لا محلّ لاحتمال أن تقول "إنّ عدول الإمام من لفظة طاهر إلى جائزة إشارة إلى مجرّد العفو، لا إلى الطهارة" .
4 ـ وفي التهذيبين بإسناده عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عثمان بن عبد الملك(مهمل) عن أبي بكر الحضرمي(لا تبعد وثاقته) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( يا أبا بكر، ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر )[4] ضعيفة السند، وفي نصّ آخر لنفس الرواية وبنفس السند ( كل ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر )[5] . لكن من الطبيعي أنه يجب تقييدها بتيبيس الشمس للأشياء، وذلك لصحيحة زرارة السابقة، وأيضاً لا بدّ من تقييدها بغير المنقولات للإجماع على تقييد مطهّريّة الشمس لغير المنقولات كاليدين مثلاً .
 ـ وفي التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العمركي(بن علي بن محمد البوفكي النيشابوري شيخ من أصحابنا ثقة) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : سألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل ؟ قال : ( نعم، لا بأس )[6] صحيحة السند .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1042، من أبواب النجاسات، ب29، ح1، ط الاسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1042، من أبواب النجاسات، ب29، ح2، ط الاسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1043، من أبواب النجاسات، ب29، ح4، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1043، من أبواب النجاسات، ب29، ح5، ط الاسلامية أبو بكر الحضرمي هو عبد الله بن محمد، جرت له مناظرة جيدة مع زيد، ويقال أبو بكر الحضرمي لـ محمد بن شريح الحضرمي.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1043، من أبواب النجاسات، ب29، ح6، ط الاسلامية.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1042، من أبواب النجاسات، ب29، ح3، ط الاسلامية.