بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : بعض فروع مطهّريّة الأرض

ثم إنّه يكفي مسْحُ الرجل أو الحذاء بالتراب، وذلك للروايات السابقة من قبيل صحيحة زرارة السابقة ( لا يغسلها إلاّ أن يتقذَّرها، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي )[1] وروايات ( لا بأس، إن الأرض يُطَهِّرُ بعضُها بعضاً )[2]كموثّقة محمد الحلبي .

  ولا يُشترَطُ المشيُ على الأرض خمس عشرة خطوة ـ كما نُسِب إلى ابن الجنيد ـ فإنّ الجمع بين الروايات التي هي في مقام البيان والعمل يقتضي حمْلَ الخمسة عشر ذراعاً على أحد المصاديق، والواجب هو مسح الرجل أو الحذاء بالأرض حتى يذهب أثر النجاسة .
  ويكفي أخْذُ الحذاءِ بيده ومسْحُهُ بالتراب حتى تزول القذارة، فالمسألةُ توصليّة محضة، بدليل صحيحة زرارة السابقة ( ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي )، واكتفى ابن الجنيد بكلّ جسم قالع للقذارة .
  لو تنجّس إمّا نَعْلُهُ وإمّا نعل شخصٍ خارج عن محلّ ابتلائه، فلا شكّ في لزوم اجتناب استعمال نعله فيما يشترط فيه الطهارة، وذلك لبقاء العلم الإجمالي حقيقةً وعقلاً .
  لو كان على الأرض أشياء غير التراب، كالحصى والرمل وأوراق الأشجار والقراطيس والخرق ممّا يُتعارف وجودُها على الأرض لم يضرّه شيئاً، بعد أن كان المناط هو زوال النجاسة، وذلك للإطلاق في صحيحة زرارة السابقة ( ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي )[3] ولم يذكر ماهيّةَ الماسح وحقيقته، ولإطلاق صحيحة الأحول، إذ لم يذكر مؤمنُ الطاقِ طبيعةَ المكانِ النظيف، وأقرّه الإمام على ذلك، لاحِظِ السؤالَ والجواب ثانيةً : في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً ؟ قال : ( لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك )[4] وهي مطلقة من ناحية ما لو وطأ مكاناً فيه خرق أو أوراق أشجار أو رمل أو قراطيس ونحو ذلك ممّا قد يكون على الأرض أحياناً . وكذلك تلاحظ صحيحةَ زرارة، لاحظِ الروايةَ مرّةً ثانية ( ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما )[5] أي يجوز أن يمسحهما بأيّ شيء ممّا يزيل النجاسة كالخِرَق، وكذلك رواية حفص بن أبي عيسى قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنْ وَطَأْتُ على عذرة بخُفّي ومَسَحْتُه حتى لم أرَ فيه شيئاً، ما تقول في الصلاة فيه ؟ فقال : ( لا بأس )[6]  إذ لم يَذكرِ السائلُ الماسحَ وحقيقتَه وأقرّه الإمام على ذلك .
  نعم، يجب أن يكون الماسح قادراً على إزالة القذارة، ولذلك فلو أزال القذارةَ بالجص والنورة مثلاً كفى ذلك، للروايات السالفة الذكر أخيراً .
  ولا شكّ أنّ التراب هو من المطهّرات الجيّدة، بحسب تصريح الروايات، إذ بالتراب نعفّر الإناءَ من ولوغ الكلب، وبه تزول الجراثيم، وبالتراب نزيل القذارات عن الأقدام والحذاء ..
      *  *  *  *  *
حتى ولو كانت النجاسةُ من غير الأرض فإن المحلّ يَطْهُرُ إنْ زالت النجاسةُ بمسْحِها بالأرض292.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
292 وذلك واضح من الروايات، ولك أن تقول المناطُ واضحٌ .
  بيان ذلك : لاحِظْ صحيحةَ زرارة السابقة ... رَجُلٌ وَطَأَ على عذرة ـ ولعلّ العذرةَ كانت على خرقة أو على قرطاس أو على الأرض أو على الفِراش أو على أوراق الأشجار التي تكون مبعثرة على الأرض، ولم تكن العذرةُ على الأرض مباشرةً ـ فساخت رِجْلُهُ فيها، هل يجب عليه غسلها ؟ فقال : ( لا يغسلها إلاّ أن يتقذَّرها، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي )، ومثلُها كلُّ ما بعدها، لاحِظْ مثلاً صحيحةَ الأحول السابقة في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ـ ولعلّ الموضع فراشٌ أو خرق ونحو ذلك ولم يكن أرضاً ـ ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً ؟ قال : ( لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك )، وأيضاً لاحِظْ صحيحةَ زرارة السابقة ( جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما ) فإنّ قوله (عليه السلام)( يجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما ) مطلق شامل لما إذا كانت النجاسة قد جاءت من نفس الرِّجْل ـ كما لو جُرِحَتْ ـ أو جاءت من الفِراش ـ كما لو بال الطفلُ على الفراش ـ . وإلى هذا ذهب المحقّق الهمداني والسيد البروجردي والشيخ علي الجواهري والسيد الفيروزآبادي .

  نعم يشكل كفاية المشي على الزفت وعلى المفروش بالخشب والفرش والحصير والزرع والنبات الكثير ونحو ذلك ممّا لا يعلم معه زوال النجاسة، نعم لا شكّ ولا إشكال في زوال القذارة بالمشي على المذكورات إن كانت بكميّة قليلة مع غلبة التراب والرمل ممّا يعلم معه زوال القذارة والنجاسة . 
  فالمهم إذن هو زوال العين، سواء كان على القدم أو النعل رطوبة قليلة أم لا .
  ومن الطبيعي أنه يشترط طهارة الأرض وجفافها، لعدم إمكان التطهير بالشيء المتنجّس، وهذا أمر واضح شرعاً ومتشرّعياً .
  ويلحق بباطن القدم والنعل ما يلتزق بهما من الطين والتراب حال المشي على حواشيهما بالمقدار المتعارف المنصرف إليه الروايات .
  ولا شكّ في إلحاق ظاهر القدم أو النعل بباطنهما إذا كان يمشي بهما لاعوجاج في رِجله، وكذا لا شكّ ولا إشكال في إلحاق الركبتين واليدين بالنسبة إلى مَن يمشي عليهما أيضاً، وكذا نعل الدابة وكعب عصا الأعرج وخشبة الأقطع، ولا فرق في النعل بين أقسامه من المصنوع من الجلود والخشب ونحوها مما هو متعارف، وممّا هو قابل لزوال القذارة عنه، لا كمثل الجورب، حتى إذا لبس بدلاً عن النعل، وذلك لعدم إمكان زوال القذارة عن بواطنه وثقوبه .
  ويكفي في حصول الطهارة زوال عين النجاسة وإن بقي أثرها من اللون والرائحة بالمقدار المتعارف .
      *  *  *  *  *
مسألة 1 : إذا سرت النجاسة إلى داخل النعل أو في باطن جلده فإنه لا يطهر بلا إشكال، وإنما يبقى على النجاسة 293 . وكذا إذا بقيت النجاسة بين أصابع الرجل، فإنه يجب الحكم بالنجاسة بوضوح، فإذا زالت القذارة عن كلّ ذلك فإنه يحكم بالطهارة بلا شكّ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 293 وذلك لأنّ العبرة في طهارة النعل زوال القذارة عنه، فكيف إذا بقيت، أو شُكّ في زوالها، فإنه تستصحب القذارةُ، بل لا وجه للقول بالطهارة . أمّا إذا زالت القذارةُ مِن كلّ ذلك فلا شكّ في طهارتها حينئذ .
      *  *  *  *  *
مسألة 2 : الظاهرُ عدمُ كفاية المسح على الحائط، وذلك لعدم زوال القذارة به عادةً (293) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 293 الأمر واضح من المتن ومن الروايات السابقة .


[1]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح7، ط الاسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1046، أبواب النجاسات، ب32، ح4، ط الاسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب32، ح7، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1046، أبواب النجاسات، ب32، ح1، ط الاسلامية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1048، أبواب النجاسات، ب23، ح10، ط الاسلامية. ملاحظة : قال في ئل (.. عن عليّ بن حديد عن ابن أبي نجران جميعاً ...) وهذا بلا شكّ خطأ، والصحيح ما ذكره في المصدر ـ أي في يب ـ وهو (.. عن عليّ بن حديد وابن أبي نجران جميعاً ..) .
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1047، أبواب النجاسات، ب32، ح6، ط الاسلامية.