بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : من المطهرات الشمس

الثالث من المطهرات الشمس : وهي تطهر الأرضَ وغيرَها مِن كل ما لا ينقل كالأبنية والحجارة والحيطان وما يتصل بها من الأبواب والأخشاب والأوتاد، وكذا ما على الحائط والأبنية مما طلي عليها من جص وقير ونحوهما عن نجاسة البول، بل سائر النجاسات والمتنجسات، ولا تطهر من المنقولات إلا الحصر والبواري فإنها تطهرهما أيضاً على الأقوى 300.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 300 المشهور بين الفقهاء هو أنّ الشمس مطهّرة، ويدلّ عليه روايات مستفيضة، وقال السيد الخوئي : ( وعن الشيخ المفيد وجماعة من القدماء والمتأخّرين القولُ بالعفْوِ دون الطهارة ) !
  أقول : يجب أن ننظرَ أوّلاً إلى الروايات، وإليك بعض الروايات :
 ـ ما رواه في الفقيه بإسناده الصحيح عن زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلَّى فيه ؟ فقال : ( إذا جَفَّفَتْه الشمسُ فصَلِّ عليه، فهو طاهر )[1] صحيحة السند .
 ـ وفي التهذيبين أيضاً بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيرِه فلا تصيبه الشمس، ولكنه قد يبس الموضع القذر ؟ قال : ( لا يصلَّى عليه، وأعلم موضعه حتى تغسله )، وعن الشمس هل تطهر الأرض ؟ قال : ( إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابه الشمس، ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً فلا يجوز الصلاة حتى ييبس، وإن كانت رجلك رطبة وجبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى يَـيْـبَـسَ، وإن كان غيرُ الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك )[2] موثّقة السند .
 ـ وفي التهذيبين بإسناده عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عثمان بن عبد الملك(مهمل) عن أبي بكر الحضرمي(لا تبعد وثاقته) عن أبي جعفر (عليه السلام)  قال : ( يا أبا بكر، ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر )[3] ضعيفة السند .

وإليك بعض كلمات قدماء فقهائنا :
1 ـ علي بن بابويه في فقه الرضا : ( وما وقعت الشمس عليه من الأماكن التي أصابها شيء من النجاسة مثل البول وغيره طهَّرَتْها، وأما الثيابُ فلا تَطْهُرُ إلا بالغَسل) (إنتهى)[4] .
2 ـ وقال الشيخ المفيد : ( وإذا أصابت النجاسة شيئاً من الأواني طُهِّرَتْ بالغَسل . والأرض إذا وقع عليها البول، ثم طلعت عليها الشمس فجففتها، طَهُرَتْ بذلك، وكذلك البواري والحُصُر) (إنتهى)[5].
3 ـ وقال الشيخ الطوسي في الخلاف : ( مسألة 186 : الأرضُ إذا أصابتها نجاسةٌ مثلُ البول وما أشبهَه وطَلَعَتْ عليها الشمسُ وهَبَّتْ عليها الريحُ حتى زالت عين النجاسة، فإنها تطهر، ويجوز السجودُ عليها والتيمُّمُ بترابها وإن لم يطرح عليها الماء، وبه قال الشافعي في القديم . وقال أبو حنيفة : تطهر ويجوز الصلاة عليها ولا يجوز التيمم بها . وقال الشافعي في الجديد واختاره أصحابُه : إنها لا تطهر، ولا بد من إكثار الماء عليها . دليلُنا إجماعُ الفرقة، وأيضاً قوله تعالى( فتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) والطيِّبُ هو ما لم يعلم فيه نجاسة، ومعلوم زوال النجاسة عن هذه الأرض، وإنما يدعى حكمها وذلك يحتاج إلى دليل، وروى عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : سئل عن الشمس هل تطهر الأرض ؟ قال : إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك، فأصابته الشمس، ثم يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة . وروى أبو بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام)أنه قال : يا أبا بكر، ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر) (إنتهى)[6].

*  وبعدما عرفتَ الروايات وأقوالَ القدماء نقول :
  مسألة : هل أنّ الشمس تطهّر الأرضَ بخصوصها أم أنها غيرُ مختصّةٍ بالأرض ؟ وعلى فرض أنها غير مختصّةٍ بالأرض هل هي مطهّرةٌ لجميع المتنجّسات المنقولة وغير المنقولة، أم ان مطهّريتها مختصّة بالمتنجّس غير المنقول ؟
  يقول السيد الخوئي : ( المشهور أنّ الشمس تطهر الأرض وغيرها مما لا ينقل حتى الأوتاد على الجدار والأوراق على الأشجار . وذهب بعضهم إلى اختصاص الحكم من غير المنقول بالأرض مع التعدي إلى الحصر والبواري مما ينقل . وعن ثالث الإقتصار عليهما فحسب، إلى غير ذلك مما يمكن أن يقف عليه المتتبِّعُ من الأقوال . واستُدِلّ للمشهور برواية أبي بكر الحضرمي لأن عمومها أو إطلاقها يشمل الجميع . نعم خرجنا عن عمومها أو إطلاقها في المنقول بالإجماع والضرورة وإطلاق ما دلّ على لزوم غسل المتنجسات بالماء فيبقى غير المنقول مشمولاً لهما . ودلالة الرواية وإن كانت ظاهرة كما ذكر إلاّ أنها غير قابلة للإستدلال بها لضعف سندها بعثمان وأبي بكر الحضرمي كما مر . والصحيح أن يستدل عليه بصحيحة زرارة وموثقة عمار المتقدمتين لاشتمال الأولى على ( المكان ) والثانية على ( الموضع ) وهما أعم من الأرض فتشملان الألواح وغيرها من الأشياء المفروشة على الأرض إذا كان بمقدار يتيسر فيه الصلاة، إذ يصدق على مثله الموضع والمكان فإذا قلنا بمطهرية الشمس لغير الأرض من الألواح أو الأخشاب المفروشة على الأرض وهما مما لا ينقل تعدينا إلى غير المفروضة منهما كالمثبتة في البناء أو المنصوبة على الجدار كالأبواب بعدم القول بالفصل . فإذا قد اعتمدنا في القول بمطهرية الشمس لغير الأرض في غير المنقول على اطلاق الصحيحة والموثقة بنحو الموجبة الجزئية كما أنا اعتمدنا فيها على الاجماع وعدم القول بالفصل بنحو الموجبة الكلية فتحصل أن مطهرية الشمس وإن كانت غير مختصة بالأرض إلا أنها لا تعم المنقولات كما مر . نعم استثنوا عنها الحصر والبواري ويقع الكلام عليهما بعد التعليقة الآتية فانتظر) (إنتهى)[7] .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1042، أبواب النجاسات، ب29، ح1، ط الاسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1042، أبواب النجاسات، ب29، ح4، ط الاسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1043، أبواب النجاسات، ب29، ح5، ط الاسلامية أبو بكر الحضرمي هو عبد الله بن محمد، جرت له مناظرة جيدة مع زيد، ويقال أبو بكر الحضرمي لـ محمد بن شريح الحضرمي أيضاً.
[4] فقه الرضا، مؤسسة اهل البيت (ع)، ج1، ص303.
[5] المقنعة، الشيخ المفيد، ج1، ص71.
[6] الخلاف، الشيخ الطوسي، ج1، ص218.
[7] التنقيح، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج4، ص132.