بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :  هل يجوز حمل غير مأكول اللحم في الصلاة كشعر القطّة
  وهل يجوز حمل غير مأكول اللحم في الصلاة حتى ولو كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة، كما لو كان واقعاً على لباس المصلّي كشعر القطّة، حيّةً كانت أو ميّته ؟

   الجواب : نعم، لا شكّ في جواز الصلاة في شعر الهرّة ونحوها، سواءً كانت حيّةً أو مَيتة،
 وذهب السيد الگلپايگاني إلى عدم جواز حمْلِ شيءٍ ممّا لا يؤكل لحمه حتى وإن كان طاهراً .
   دليلُنا : ما رواه في التهذيبين بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى(الأشعري) عن محمد بن عبد الجبار قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله : هل يصلَّى في قلنسوة عليها وبرُ ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب ؟ فكتب : ( لا تحل الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيّاً حَلَّتِ الصلاة فيه إن شاء الله )[1] صحيحة السند، والمراد بـ الوبر الذكيّ هو الطاهر، وهو الذي ليس معه شيء ممّا تحلّه الحياة، وكما لو لم يكن من شعر الكلب مثلاً، وإنما فسّرنا الكلمة بهذا النحو لما هو معلوم من ذكاة كلّ الوبر والشعر حتى ولو كان من المَيتة، لاحِظْ ما رواه حريز في صحيحته قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام)  لزرارة ومحمد بن مسلم : ( اللبن واللِباء[2] والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر، وكل شيء ينفصل من الشاة والدابّة فهو ذكِيٌّ، وإن أخذتَه منه بعد أن يموت فاغسله وصَلِّ فيه )[3] .
   ومثلُها ما رواه في التهذيبين بإسناده الصحيح عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال : سألته عن الإنفحة تخرج من الجدي الميت ؟ قال : ( لا بأس به )، قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت ؟ قال : ( لا بأس به )، قلت : والصوف والشعر والعظام وعظام الفيل والجلد والبيض تخرج من الدجاجة ؟ فقال : ( كل هذا ذكِيّ لا بأس به )[4] صحيحة السند .
   ومثلُها ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن (الحسن بن علي)بن فضّال عن (عبد الله)بن بكير عن الحسين بن زرارة(يروي عنه صفوان بسند صحيح) قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)  وأبي يسأله عن السن من المَيتة وعن اللبن من المَيتة والبيضة من المَيتة وإنْفَحَة المَيتة، فقال : ( كل هذا ذكِيّ )، قال فقلت : فشعرُ الخنزير يُعمل به حبلاً ويُستقى به من البئر التي يُشرب منها ويتوضأ منها ؟ فقال : ( لا بأس به )، وزاد فيه علي بنُ عقبة(ثقة ثقة، يروي عنه كتابه الحسنُ بن علي بن فضّال) وعلي بنُ الحسن بن رباط(ثقة معوّل عليه، يروي عنه الحسنُ بن علي بن فضال) قال : ( والشعر والصوف كلُّه ذكِيٌّ )[5] موثّقة السند .
   وكذا ما رواه في الفقيه : قال الصادق (عليه السلام) : (عشرة أشياء من المَيتة ذكية : القرن والحافر والعظم والسن والإنفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبَيض )[6] .
    المهمّ هو أنّ المراد من صحيحة محمد بن عبد الجبار هو جواز الصلاة بقلنسوة عليها وبَرُ ما لا يؤكل لحمه، أو قُلْ : سَقَطَ عليها ذلك، أو سقط عليها شعر قطّة حيّة أو مَيتة .

   وأمّا ما رواه في التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عمر بن علي بن عمر بن يزيد(له كتاب، مجهول) عن إبراهيم بن محمد الهمداني(ثقة، وكيل الناحية، حجّ أربعين حجّة، ط : رضا  وجواد) قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة ؟ فكتب : ( لا تجوز الصلاة فيه ) فهي ضعيفة السند[7] .
   على أنّ الأصل البراءة أيضاً .

   هذا ولكن بسبب رواية إبراهيم بن محمد الهمداني السالفة الذكر لا يتجرّأ الفقيهُ إلاّ أن يحتاط في المسألة إستحباباً .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج3، ص273، أبواب النجاسات، ب14، ح3، ط الاسلامية.
[2] اللبا هو أوّل اللبن.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص365، أبواب ما لا يحرم الإنتفاع به من المَيتة، ب33، ح3، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص366، أبواب ما لا يحرم الإنتفاع به من المَيتة، ب33، ح10، ط الاسلامية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص365، أبواب ما لا يحرم الإنتفاع به من المَيتة، ب33، ح4، ط الاسلامية.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص366، أبواب ما لا يحرم الإنتفاع به من المَيتة، ب33، ح9، ط الاسلامية.
[7] إلاّ أن تقول بأنها مرويّة عن محمد بن أحمد بن يحيى، وإنّ عدم استثناء محمد بن الحسن بن الوليد وتلميذه الشيخ الصدوق توفّي 381 هـ وأبي العباس أحمد بن علي بن العبّاس بن نوح السيرافي الثقة توفّي 450 هـ روايةَ عمر بن علي بن عمر من كتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى هو نوعُ شهادةٍ على وثاقة عمر بن علي بن عمر
   والجواب : إنّ عدم الإستثناء لا يدلّ على وثاقة عمر بن علي بن عمر، كما لا يدلّ على التوثيق العام بضرس قاطع، وذلك لاحتمال أن يكون محمد بن الحسن بن الوليد قائلاً بحجيّة كلّ مَن كان على ظاهر العدالة والوثاقة ـ ولو بقرينة قول ابن نوح عن محمد بن عيسى بن عبيد "فإنه كان على ظاهر العدالة والثقة" ـ أو أن يكون نظر محمد بن الحسن بن الوليد إلى الخلل في اتّصال الأسانيد، لا إلى تضعيف الرواة المذكورين أو توثيقهم، وذلك بدليل وثاقة بعض من استثناه من قبيل محمد بن عيسى بن عبيد ومحمد بن علي بن ابراهيم الهمداني فقد كان وكيل الناحية، وجعفر بن محمد بن مالك الذي وثّقه الشيخ في الرجال ووثّقه المامقاني وإنْ ضعّفه النجاشي وتوقّف فيه العلاّمة .
   كما لا يدلّ عدمُ استثناء القميين على صحّة متن الرواية التي يرويها محمد بن أحمد بن يحيى، فقد يكون المراد من هذا الإستثناء وضوح إرسالها أو وضوح ضعفها السندي، أمّا غيرها فقد يوجد لها وجه أو فيها شكّ عنده، ولكن مع ذلك فلم يظهر لنا وضوح حجيّة متون سائر روايات محمد بن أحمد بن يحيى في نظر ابن الوليد، على أنّ ذلك قد يكون في نظره حجّة وعند غيره بعض المتون غير حجّة، فنظرُه غيرُ ملزِمٍ لنا لعدم كونه ملاصقاً زماناً لجميع أصحاب الروايات.