بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/12/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: فَصْلٌ فيما يُعفَى عنه في الصلاة
   وهو أمور :
الأول : دم الجروح والقروح في البدن ما لم تبرأ ولو خوفاً من الإلتهابات فيها(259)، وأيضاً معفو عن دم الجروح والقروح في الثوب ما لم ينقطع الدم حتى يمكن تطهير الثياب، قليلاً كان الدمُ أو كثيراً، لكن بشرط وجود ضرر أو حرج ومشقّة على الشخص من التطهير الدائم أو تبديل الثوب، فإن كان مما لا ضرر ولا مشقة في التطهير أو في تبديل الثوب على الشخص فلا شكّ في وجوب التطهير أو تبديل الثوب، ومع سيلان الدم لا يجب أن يغسل ثوبَه ولا أنْ يبدّله في اليوم أكثر من مرّة، تسهيلاً من المولى تعالى عليه، ويجب منعُ الجروح والقروح عن زيادة التنجيس فوق المقدار المتعارف، فيجب شَدُّهُ إذا كانت في موضع يُتعارف شدُّه، ويختصّ العفوُ بالمقدار المتعارف . إذن فهذه المسألة هي فرع من قاعدتَي رفع الحرج والضرر لا أكثر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(259) ورد في هذا المجال عدّة روايات[1]من قبيل ما رواه في يب أيضاً بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن ظريف بن ناصح(ثقة) عن أبان بن عثمان(ثقة، ناووسي على قول ضعيف، من أصحاب الإجماع) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله(ثقة) قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي ؟ فقال : ( دَعْهُ، فلا يَضُرُّك أن لا تغسله )[2] موثّقة السند . فكلمة (دَعْهُ ) تعني "لا تغسله" فإنك إن غسلته فسوف يلتهب الجرحُ، وهذه الرواية ونحوها هي إرشاد إلى قاعدة رفع الحرج والضرر لا أكثر .
من خلال هذه الرواية وما سيأتيك من روايات تعرف بأنّ دم الدماميل والجروح معفوّ عنها لكن بشرط أن يكون في تطهيرها حرج، فإن لم يقع الشخصُ في الحرج من تطهيرها، كأنْ يمكن له أن يطهّر بدنه أو ثوبه في أوقات الفرائض الثلاثة لوجب عليه التطهير، وذلك لما رواه في الكافي عن أحمد(بن محمد بن عيسى) عثمان بن عيسى[3]عن سماعة قال : سألته عن

الرجل به الجرح والقرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه ؟ قال : (يصلي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبَه كل ساعة ) موثّقة السند بلحاظ عثمان، وإنْ كنّا نشكّ في بقاء عثمان على الوقف، وهي صريحة في علّة عدم غسله في اليوم إلاّ مرّة واحدة وهي أنه ( لا يستطيع أن يَغسِلَ ثوبَه كل ساعة )، ممّا يعني أنه إنِ استطاع على تطهير ثوبه أو التبديل من دون حرج أو ضرر وجب عليه، تمسّكاً بقاعدة وجوب كون بدن المصلّي وثيابه طاهرين مهما أمكن . وواضح أنّ المنظورَ إليه هو الجرحُ السائلُ الذي لا ينقطع دمُه وذلك لقول الإمام (عليه السلام)  ( فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة ) وهذا واضح حتى بضميمة روايته التالية، كما أنّ مورد الرواية قلّةُ الثياب وقلة المياه، وبالتالي إن أراد التطهيرَ كما ينبغي فسيقع في الحرج، ففي هكذا حالة ولِرَفْعِ الحرج، من الطبيعي أن يقول له الإمامُ (عليه السلام)  ما قال .
  ـ وفي يب عن أحمد بن محمد عن موسى بن عمران(مجهول) عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : ( إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبَه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم) ضعيفة السند .
   وروى ابن إدريس الحلّي في مستطرفات السرائر من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن العلاء(بن رزين القلاّء) عن محمد بن مسلم قال : ( إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبُها ربطَها ولا حبْسَ دمِها يصلّي ولا يغسل ثوبَه في اليوم أكثر من مرّة )[4] وأنت تعلم أنّ ابن مسلم لا يروي هكذا روايات عن غير المعصومين (عليهم السلام)، وهي أيضاً كسابقتَيها توافق قاعدة رفع الحرج، لا أكثر، لأنها صريحة بسيلان الدم .
   وروى في البحار عن علي بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن الدمل يسيل منه القيح كيف يصنع ؟ قال : ( إن كان غليظاً أو فيه خلطٌ من دم فاغسله كل يوم مرتين غدوة وعشية، ولا ينقض ذلك الوضوء )[5].

   إذن فالمسألة ليست خروجاً عن القاعدة أصلاً، وإنما هي ضمن قاعدة رفع الحرج فقط لا غير، وح يجب الرجوع في موضع الشكّ إلى قاعدة وجوب كون بدن المصلّي وثوبِه طاهرَين، وإنك لا تجد في الروايات إطلاقاً يُرجع إليه .
   قال السيد محسن الحكيم : (بل المنسوب إلى الأكثر أو المشهور اعتبار قيدين في العفو : أحدهما إستمرار الدم بنحو لا تكون له فترة تسع الصلاة، وثانيهما المشقّة في التطهير)، وقال السيد الخوئي : (وفي كلمات جماعة منهم المحقّق اعتبار المشقّة والسيلان)[6] وهو كلام جيد لا محيص عنه .

   فإن قلتَ : لكن روى في يب عن أحمد بن محمد(بن عيسى بن عبد الله) عن أبيه(شيخ القميين ووجه الأشاعرة ط ضا و د) ومحمد بن خالد البرقي والعباس(بن معروف ثقة) جميعاً عن عبد الله بن المغيرة(ثقة فقيه) عن عبد الله بن مسكان(ثقة فقيه من أصحاب الإجماع) عن ليث المرادي(أبو بصير ليث بن البختري ثقة ثقة) قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل تكون به الدماميل والقروح فجِلْدُه وثيابُه مملوَّةٌ دماً وقيحاً وثيابُه بمنزلة جلده ؟ فقال : ( يصَلّي في ثيابه ولا يغسلها ولا شيء عليه )، أي أن محمد بن عيسى وابن خالد والعباس كلهم يروون عن ابن المغيرة، وهي صحيحة السند، وهي مطلقة من ناحيتَي السيلان وعدمه ولزوم المشقّة في التطهير وعدمها !
   قلتُ : ما ادّعاه السيدُ الخوئي[7] من الإطلاقَين المذكورين غير صحيح، فإنّ امتلاء بدن الشخص وثيابه بهذه الكثرة من الدم والقيح منصرف إلى وجود سيلان فعلي وبالتالي يوجد مشقّة واضحة من التطهير . دليلُنا : وضوحُ السيرة المتشرّعية على وجوب تطهير البدن والثوب إن لم يكن هناك مانع من التطهير كسيلان الدم، بمعنى أنّ كلّ مؤمن ـ حتى الطفل المميّز ـ يَعلم أنه إن لم تكن جروحُه سيّالة يجب عليه أن يطهّر نفسه وثيابه، ولذلك لا يمكن ـ في حال عدم وجود سيلان ـ أن يقولَ الإمامُ (عليه السلام) ( يصَلّي في ثيابه ولا يغسلها ولا شيء عليه) .

   يبقى الإشكال فيما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد(بن محمد بن عيسى) عن معاوية بن حكيم(ثقة جليل في أصحاب الرضا(عليه السلام)) عن المُعَلَّى بن عثمان(ثقة) عن أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر (عليه السلام)  وهو يصَلّي، فقال لي قائدي إنّ في ثوبه دماً، فلما انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً ! فقال لي : (إنّ بي دماميلَ ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ ) صحيحة السند .
   ـ وفي التهذيبين عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عن إسماعيل الجعفي قال : رأيت أبا جعفر (عليه السلام)يصَلّي والدم يسيل من ساقه .
   فكيف يقول (عليه السلام) ( ولستُ أغسل ثوبي حتى تبرأ ) ؟! مع أنّ الإمام في مقام التعليم، فلماذا لم يقل "ولست أغسل ثوبي كلّ ساعة، وإنما أغسله كلّ يوم مرّة أو اُبدلّه كلّ يوم مرّة" ؟! ولماذا لم يقل "حتى ينقطع الدم ليمكنَ التطهير" ؟! مع وضوح الفرق بين عدم السيلان وبين البرء، أليس عند الإمام إلاّ ثوبٌ واحد ؟! وبتعبيرٍ آخر : أليس من الواجب أن يقول الإمامُ (عليه السلام) "ولستُ أغسلُ ثوبي حتى ينقطعَ الدمُ" رجوعاً إلى قاعدة وجوب كون بدن المصلّي وثيابه طاهرين مهما أمكن ؟! ولكون هذه الرواية خلافَ قاعدة لزوم كون ثياب المصلّي طاهرة مهما أمكن، يجب الإعراض عنها وإرجاعُها إلى أهلها فهُمْ أفْهَمُ بها مِنّا .

   وكذلك الإشكال فيما رواه في يب عن محمد بن علي بن محبوب عن علي بن خالد عن أحمد بن الحسن(بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة(فطحي ثقة) عن عمار(بن موسى الساباطي فطحي ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة ؟ قال : ( يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض، ولا يقطع الصلاة )، وعلي بن خالد كان زيدياً ثم قال بالإمامة وحَسُنَ اعتقادُه لأمرٍ شاهَدَهُ من كرامات أبي جعفر الثاني(عليه السلام)، قاله المفيد في إرشاده (جامع الرواة)، فالمظنون جداً وثاقة هذا السند .
   فإنه لا يستطيع فقيه أن يُفتيَ على إطلاقها، وذلك لأنه يخرج من الدُمَّلة[8]عادةً أو غالباً الدمُ، وغالباً يكون الدم كثيراً، ويستبعد مع خروج الدم الكثيرِ ما ذُكِرَ في الرواية، وإنما المعروف والمرتكز في أذهان الفقهاء الرجوعُ إلى أكثر الروايات التي تشترط الطهارةَ، وعليه فالأحوط أن يقطع الصلاةَ ويعالج الدم والدملةَ ويربط الموضع ثم يصلّي . على أنه إن كانت دُمَّلَة واحدة صغيرة ويمكن الصبر عليها قليلاً لينقطع الدم وجب ذلك احتياطاً، فيطهّرها ح ويصلّي ضمن وقت الصلاة، على أنه لماذا لا يطهّر يده إن خرج دم ؟! ولذلك لا يمكن للفقيه أن يفتي على أساس هذه الرواية .

   وبناءً على ما قرأتَ وفهمتَ تعرفُ من مجموع الروايات أنه إن أمكن غسلُ موضع النجاسة وجب ذلك، وإن لم يمكن ـ لوقوع الشخص في الحرج أو لحصول التهابات مثلاً ـ لم يجب عليه التطهير، وكلّ ما ورد في الروايات السابقة اُمورٌ واضحةٌ في ارتكاز المتشرّعة وناشئةٌ من قاعدَتَي رفع الضرر والحرج، ولا نرى في الروايات نحوَ امتنان فوق قاعدتَي الضرر والحرج، وإنما هي إلاّ إرشاد إلى حكم العقل بعدم لزوم غسل الثوب لكلّ صلاة لوقوع الشخص في الحرج، ولذلك يكفي أن يبدّلَ ثوبَه كلّ يوم مرّة واحدة فقط، وأمّا إن استطاع ـ من دون حرج ـ أن يغسل ثوبه أكثر من مرّة وجب ذلك .
   وأخيراً لا بأس بالقول بأنه ورد في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال قال : ( دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس، وإن كان دمَ غيرِك قليلاً أو كثيراً فاغسله )[9] وبما أنّ هذه الرواية مرسلة السند جداً فلا بأس بالعمل بها من باب الإحتياط الإستحبابي .
     *   *   *   *   *
مسألة 1 : كما يُعفَى عن دم الجروح كذا يُعفَى عن القيح المتنجس الخارج معه(260)، وعن الدواءِ المتنجس الموضوع عليه، والعرقِ المتصل به، وعن الرطوبة الخارجية كما لو وقع ماء على الجروح أو القروح، كلّ هذا معفوٌّ عنه إذا كانت إزالتُها وتطهيرها توقع في الحرج أو الضرر، وإلاّ فلا عفوَ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(260) كما رأيتَ في صحيحة ليث المرادي حيث قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل تكون به الدماميل والقروح فجِلْدُه وثيابُه مملوَّةٌ دماً وقيحاً وثيابُه بمنزلة جلده ؟ فقال : ( يصَلّي في ثيابه ولا يغسلها ولا شيء عليه )، وموثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله السابقة حيث قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي ؟ فقال : ( دَعْهُ، فلا يضرك أن لا تغسله )، لا بل الدماميل هي منشأ القيح، فهذا شيء واضح ليس بحاجة إلى رواية .
   وأمّا العفو عن الدواء المتنجّس الموضوع عليها فلتعارف وضع الدواء على الجروح والقروح في كلّ زمان ومكان، فيجب أن يكون معفوّاً عنه قطعاً، لاحِظْ ما رواه الشيخ في تهذيبيه بإسناده ـ الصحيح ـ عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن (الحسن)بن محبوب عن علي بن الحسن بن رباط عن عبد الأعلى مولى آل سام قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عثرتُ فانقطع ظفري، فجعلتُ على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال (عليه السلام)  : ( يُعرف هذا واشباهه من كتاب الله عزّ وجل، قال الله تعالى[ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ] اِمسحْ عليه )[10] معتبرة السند، إذن كان عندهم أدويةٌ لمعالجة الجروح، وهذا أمر بديهي، وقال الله تعالى[وعلّم آدمَ الاسماءَ كلّها] في تفسير العيّاشي(محمد بن مسعود ثقة عين ط أواخر القرن الثالث الهجري) عن الفضل أبي العبّاس(الفضل بن عبد الملك ثقة عين) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله[ وعلم آدم الأسماء كلها ] ماذا علّمه ؟ قال : ( الأرضين والجبال والشعاب والأودية ) ثم نظر إلى بساط تحته فقال : ( وهذا البساط ممّا علّمه)[11]، أي علّمه حقائقَها وفوائدها ومضارّها، ومثلُها عن داوود بن سرحان العطّار، وهذا أمر بديهي بمقتضى رحمة الله وعطفه وحنانه على عباده، فمن الرحمة الإلهية أن يعلّم آدمُ وسائرُ الأنبياءِ الناسَ فوائدَ ومضارّ النباتات والحيوانات، وإلاّ لوقع الناس في الحرج والضرر، والبخلُ ليس من شيم الباري تعالى.
   وأمّا العفو عن العرق المتّصل بها فلأنّ العرقَ أمْرٌ متعارَفٌ في أمكنتهم الحارّة حيث صدرت الروايات وهي الحجاز والعراق وبالأخصّ في أيام الصيف الحارّة، وخاصةً وأنّا نقول بأنه لا عفو ـ بنحو الإستقلال ـ عن دم الجروح والقروح، إنْ هي إلا فرع من فروع قاعدتي رفع الحرج والضرر .
   وأمّا الرطوبة الخارجية إذا وصلت إليه وتعدّت النجاسةُ إلى الأطراف فالعفو عنها مشكل، لأنّ مقتضى عموم المنع عن النجاسة عدم العفو، ولم يتبيّنِ العفوُ عن الرطوبات الخارجية في الروايات، إلاّ أن تدخل في الحرج أو الضرر التي ندّعي أنها هي الميزان في مسألتنا هذه .
   ولو أمكن للحقيقة أن تتكلّم فإنها تقول لا عفو في الجروح والقروح، إلاّ بمقدار الحرج أو الضرر، وهذا ليس شيئاً إضافياً في الشرع .
     *   *   *   *   *
مسألة 2 : إذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها ولا عفو(261)، كما أنه كذلك إذا كان الجرح مما لا يتعدى فتلوثت أطرافه بالمسح عليها بيده أو بالخرقة الملوثتين على خلاف المتعارف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(261) هذا أمر بديهي عند المتشرّعة، إذ لا وجه للعفو عن يد المعالِج، فيُرجع فيها إلى قاعدة لزوم أن يكون طاهراً للصلاة .
   كما أنه لا عفوَ إذا كان الجرح مما لا يَتعدّى عادةً فتلوثت أطرافه بالمسح عليها بيده أو بالخرقة الملوثتين على خلاف المتعارف، والخلاصةُ هي أنه طالما لم يمكن التطهير للضرر أو الحرج فلا ضرر في الصلاة بالنجاسة، وطالما يمكن التطهير فإنه واجب .
   ولو تُرِكَ الأمْرُ لنا لما ذكرنا هذه الفروع لأنها فروع لقاعدة رفع الضرر والحرج فقط .
     *   *   *   *   *
مسألة 3 : يُعفَى عن دم البواسير، خارجة كانت أو داخلة، إذا كان في التطهير منها حرجٌ أو ضرر، وإلا وجب التطهير، وكذا كل قرح أو جرح باطني خرج دمُه إلى الظاهر(262).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(262) هذان الفرعان أيضاً من فروع قاعدتَي الحرج والضرر، فإن كان في التطهير منها ضرر أو حرج لم يجب التطهير، وإلاّ وجب . ولا شكّ أنّ الروايات السابقة إرشاد إلى قاعدَتي رفع الحرج والضرر، وهي غير مقيّدة للجروح والقروح بالخارجية، بل لا وجه للتقييد بالجروح الظاهرية .
   والبواسير قروح باطنية في أطراف المقعدة أي في باطنها، وقد تنفجر فيخرج الدم، وفي مقابلها النواسير التي هي قروح خارجية، قد تكون حوالي المقعدة وقد تكون في أي مكان من البدن، وتسمّى بتعبيرنا اللبناني بالخَرّاج، وهي تُخرِج قيحاً، وقد تحصل من دق إبرة مثلاً فيحصل ناسور، أي خرّاج، فيحصل قيح .
     *   *   *   *   *
مسألة 4 : لا يُعفَى عن دم الرعاف ولا يكون من الجروح، إلاّ في حال الحرج، فيعفى عنه بمقدار الحرج(263).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(263) هذه المسألة أيضاً من فروع قاعدة رفع الحرج، فإن استطاع أن يصبر ولو إلى أواخر وقت الفريضة برجاء أن ينقطع الدم وجب عليه ذلك، وإن لم يمكن ـ كما لو كان في ضيق الوقت ـ وجب عليه أن يضع شيئاً في أنفه ويصلّي، ولا تسقط الصلاة بحال . المهم هو أننا لم نقل بالعفو عن دم الجروح والقروح التي وردت فيها روايات فكيف نقول بالعفو عن دم الرعاف الذي لم يرد في العفو عنه رواية واحدة ؟!
   قال في المستمسك تعليقاً على ما في المتن : ( للأخبار الكثيرة الآمرة بالتطهير منه إذا حدث في أثناء الصلاة، وبقطعها إن لم يمكن التطهير، ولصحيح زرارة الطويل وغيره، مضافاً إلى قصور نصوص العفو عن شموله) (إنتهى)[12]. أقول : راجع ئل 4 ب 2 من أبواب قواطع الصلاة تجد حوالي ست روايات تفيد أنه إن رعف الرجل في صلاته فإن استطاع أن يطهر ما تنجّس ـ من دون أن ينفتل عن القبلة أو يتكلّم ـ فَعَلَ، وإلا قَطَعَ صلاتَه وصبر إلى أن يقدر على تطهير أنفه . إذن يجب في دم الرعاف إتّباع قاعدة الحرج أيضاً، فإن استطاع أن يصبر إلى أواخر وقت الفريضة برجاء انقطاع الدم وجب عليه ذلك، وإن لم يمكن ذلك وجب عليه أن يضع قطنة ونحوَها في أنفه ويصلّي، ولا تسقط الصلاة بحال .


[1]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1028، أبواب النجاسات، ب22، ح2، ط اسلامیة.
[2]تهذيب الاحكام، للشيخ الطوسي، ج1، ص259، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ب12، ح38.
[3]ثقة واقفي بل شيخ الواقفة ووجهها وأحد الوكلاء المستبدّين بمال موسى بن جعفر (عليهم السلام)، قيل فسخط عليه الرضا (عليه السلام)ثم تاب عثمان وبعث المال إليه وأقام يعبد ربّه عزّ وجلّ حتى مات، ونقل الكشّي قولاً بأنّ عثمان بن عيسى ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم وأقرّوا لهم بالفقه.
[4]مستطرفات السرائر، ابن ادریس الحلی، ج1، ص558.
[5]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1028، أبواب النجاسات، ب20، ح1، ط اسلامیة.
[6]التنقيح في شرح العروة الوثقي، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ج3، ص421.
[7]التنقيح في شرح العروة الوثقي، السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ج3، ص421.
[8]بضمّ الدال وتشديد الميم.
[9]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1028، أبواب النجاسات، ب22، ح2، ط اسلامیة.
[10]وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص327، من أبواب الوضوء، ب39، ح5، ط اسلامیة
   ملاحظة رجالية : قد يُستشكل في وثاقة عبد الأعلى مولى آل سام، ولكنه ثقة لوجوه : منها : ان الشيخ المفيد وثّقه، ومنها : أنه يروي عنه في الفقيه مباشرة بسند صحيح، وقد قال الصدوق في أوّل فقيهه اِنّه اخذ رواياته من الكتب التي اليها المرجع وعليها المعوّل، فعلى الأقل يجب اَن يكون صاحب الكتاب ثقة وإلا فكيف يكون كتابه الروائي مرجعاً للشيعة ؟! ومنها : انه يروي عنه محمد بن ابي عمير بسند صحيح وقد شهد الطوسي أنّ ابن ابي عمير وأضرابه لا يروون الا عمّن يوثق به، وهناك قرائن أخرى تفيد وثاقته أيضاً.
[11]تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج1، ص152.
[12]مستمسك العروة، السید محسن الطباطایی الحکیم، ج1، ص561.