العنوان: تنقيح
المسألة 4 (إذا انحصر ثوبه في النجس)
مسألة
4 :
إذا انحصر ثوبُه في نجِسٍ، فإن احتمل وجود ثوب طاهر ضمن الوقت أو وجود ماء وجب
عليه الصبر إلى أواخر وقت الفريضة بحيث يمكن له إيقاعُ كلّ الصلاة قطعاً ضمن الوقت، وذلك لعدم معلوميّة الإضطرار للصلاة في الثوب النجس طالما كان يحتمل إيجاده
للماء أو لثوب طاهر ضمن وقت الفريضة، ثم في أواخر وقت الفريضة يأتي بالصلاة
بالثوب المتنجّس .
وعلى أيّ
حال فإن صلّى ـ سواءً راعى وظيفته الشرعية بالتأخير إلى أواخر وقت الفريضة أو لم
يُراعِها ـ ثم وجد ماءً يمكن تطهير ثوبه به أو وجد ثوباً طاهراً وأمكن أعادة
الصلاة ضمن وقتها وجب عليه ذلك، وذلك لموثّقة عمّار الساباطي(247)، ولا
يجب قضاء الصلاة إن وجد ذلك بعد خروج وقت الفريضة .
وما ذكرناه
يصحّ حتى ولو أمكن له نزْعُ الثوبِ المتنجّس، فقد عرفت أنه يجوز أن يصلّي بالثوب
النجس وتصحّ صلاتُه، ولكنْ هل هو مخيّر بين أن يُصَلّيَ بالنجس أو يصلّيَ عارياً
في المكان الذي لا يوجد فيه ناظِرٌ محترَمٌ أم لا ؟ يحتمل التخيير، ولكنْ ـ مع
ذلك ـ الأحوطُ وجوباً أن لا يصلّي عارياً لصحيحة علي بن جعفر الناهية عن الصلاة
عارياً، وعلى أيّ حال سواء صلّى بالثوب النجس أو صلّى عارياً ـ بناءً على صحّة
ذلك ـ إن صادف أنه وَجَدَ ثوباً طاهراً أو ماءً يمكن تطهيرُ ثوبِه به فإنه ـ كما
قلنا قبل قليل ـ يجب عليه إعادةُ الصلاة، دون القضاء(248)
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(247)
وهي ما رواه في التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن
علي بن محمد(بن فضّال، كان فطحياً غير أنه ثقة في الحديث) عن عَمرو بن سعيد
(المدائني ثقة، قيل كان فطحياً) عن مصدق(بن صدقة قال الكشّي إنه فطحيّ من أجلّة
العلماء والفقهاء والعدول وكان ثقة) عن عمّار(بن موسى الساباطي كان فطحيّاً إلاّ
أنه ثقة في الرواية وله كتاب كبير جيد معتمد) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
إنه سُئل عن رجل ليس عليه إلا ثوبٌ ولا تحل الصلاة فيه، وليس يجد ماءً يغسله،
كيف يصنع ؟ قال : (
يتَيَمَّم ويصَلّي، فإذا أصاب ماءً
غسله وأعاد الصلاة )(
[1]) موثّقة
السند، ومع التصريح في خصوص المقام بوجوب الإعادة فإننا يجب أن نُفْتِي على أساس
ذلك، أي بحمل قوله (عليه السلام) (
أعاد الصلاة
) على ظاهر اللفظ وهو الوجوب، لكن يعيد صلاته من أجل أنه صلّى بنجاسة، لا من أجل
أنه تيمّم ـ وذلك لتصريح عشر روايات أكثرها صحيحة السند بعدم وجوب إعادة الصلاة
على مَن صَلّى بتيمّم ثم وَجَدَ ماءً ـ وفي خصوص ما لو ارتفع العذر ـ أي أصاب
ثوباً طاهراً أو وَجَد ماءً ـ ضمن وقت الفريضة ـ لا ما إذا ارتفع العذر بعد فوات
وقت الفريضة ـ وعليه فلا يصحّ الرجوع إلى عموم ( لا تُعاد الصلاةُ إلاّ من خمسة ..
) وذلك للزوم تقديم الخاصّ على العامّ، على أنّ موثّقة عمّار الساباطي مطابقةٌ
للقاعدة الأوليّة أيضاً .
ثم المفروض
أنه حينما عمل على طبق وظيفته الشرعية وأتى بالصلاة بأجزائها وشرائطها فلا ينبغي ح
القولُ بوجوب قضائها بعدما يرتفع العذر، وذلك لعدم الوجه لذلك وأيضاً لحديث
"لا تُعاد" .
قال السيد
محسن الحكيم(
[2])
: ( كما أن إعراض المشهور عن موثّق عمّار لا
يوجب سقوطه عن الحجية، لامكان كونه لبنائهم على تعارض النصوص في الباب، ووجوب
ترجيح غيره عليه . نعم لا يظهر منه كون الإعادة لأجل الصلاة في النجاسة، أو لأجل
التيمم الذي قد اُمِرَ في جملة من النصوص بالإعادة من أجله، المحمولة على الإستحباب، حسبما يأتي في محله، فلعل ذلك موجب لحمله على الإستحباب لذلك، بقرينة خُلُوّ
النصوص عن الأمر بالإعادة، فتأمّل .
ثم إنّ عدم وجوب الإعادة مبنيٌّ على مشروعية البِدار لذوي الأعذار كما يقتضيه
إطلاق دليل البدلية، لصدق عدم القدرة مع عدم القدرة عليها في أول الوقت، وإن علم
بالقدرة على بعض الأفراد في أثناء الوقت أو آخره، إذ القدرة في الأثناء لا تنافي
العجز أول الوقت . نعم في ثبوت الإطلاق لخصوص المقام تأملٌ، لظهور كونها مسوقة
مساق جعل البدل في ظرف عدم القدرة في قبال سقوطه، لا في مقام جعل البدلية بلحاظ جميع
الأزمنة، وحينئذ يجوز البدار منوطاً بعدم القدرة في تمام الوقت واقعاً، فإذا
انكشف ثبوت القدرة في أثناء الوقت انكشف فساد البدل من أوّل الأمر، ولعله يأتي
توضيح ذلك إن شاء الله)(إنتهى) .
(248) لا
شكّ في استفاضة الروايات الصحيحة في أنه يصلّي بالثوب النجس، وهو مقتضى العقل
أيضاً، لأنّ تفويت شرط الساتر اَولى من تفويت نفس الساتر، على أنه ليس من اللائق
بنظر نفس المصلّي العاري أن يصلّي أمام ربّه وملائكتِه عارياً ولو لم يكن يوجد معه
أحد، حتى ولو كانت الملائكة أرواحاً مجرّدة لا شهوة له .. المهم هو أنّ المتديّنَ
يَستقبِحُ ذلك جداً في كلّ حالات صلاته، حتى مع ستر عورتَيه بيدَيه، فمثلاً :
عند السجود إمّا أن يضع يدَيهِ على عورتَيه ولا يضعهما على الأرض، فيختل شرط
أساسي في السجود، وإمّا أن لا يستر عورتَيه، وهو عين القبيح، هذا إن لم يكن
المصلّي شابّاً شبقاً سريع التأثّر، وإلاّ فالقبح أفظع، إضافةً إلى أنّ الصلاة
عارياً إن كانت عن جلوس فقد ألغى شرط القيام في الصلاة وهو ركن، وألغى شرط الركوع
... ونقل السيد الحكيم ترجيحَ القول بالصلاة في النجس عن البيان والمدارك، ونقل
تقويته عن المعالم وكشف اللثام للأخبار التالية :
1 ـ في
التهذيبين بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أبي جعفر(أحمد بن محمد
بن عيسى) عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان(من أصحاب الإجماع(
[3]))
عن
عبد الرحمن بن أبي عبد الله(ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يجنب في ثوب وليس معه غيره
ولا يقدر على غسله ؟ قال : (
يصَلّي فيه ) صحيحة
السند .
2 ـ وفي
التهذيبين أيضاً بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي(بن
فضّال) عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة(فطحي ثقة) عن عمار بن موسى الساباطي(فطحي
ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال إنه سُئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب ولا
تحل الصلاة فيه، وليس يجد ماءً يغسله، كيف يصنع ؟ قال : (
يتَيَمَّم ويصَلّي، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة )(
[4]) موثّقة
السند .
3 ـ صحيحة علي
بن جعفر الآتية بعد بضعة أسطر في الفقيه .
4 ـ صحيحة
الحلبي
الآتية ـ في كتاب الفقيه ـ ورواها في التهذيبين أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد
عن القاسم بن محمد(الجوهري)(
[5])
عن أبان بن عثمان
عن محمد الحلبي أيضاً قال : سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيرُه ؟ قال : (
يصَلّي فيه إذا اضطُرَّ إليه )(
[6])
صحيحة السند . وكلمة (
إذا اضطُرَّ إليه )
واسعة، تشمل ما لو لم يوجد عنده ثوب طاهر، وما لو وُجِد ناظرٌ محترم، أو خِيف
من قدوم اُناس، وتشمل أيضاً حالاتِ البرد والعجلة .. لكن مع ذلك، القدرُ
المتيقّنُ من قوله (عليه السلام) (
إذا اضطُرَّ إليه
) ليس هو حالات البرد والخوف من الناظر المحترم، وإنما هو عدم وجود ثوب آخر طاهر، وهذا هو المنصرف إليه، وذلك لأنه لو كان يوجد برد أو خيف من الناظر المحترم
لذَكَرَ ذلك الراوي في الرواية لأهميّة ذلك، والسائلُ لم يفرض شيئاً من الضرورات
.
وروى هذه
الروايات في الفقيه هكذا قال : ( 752 ـ وسأل محمدُ بنُ علي الحلبي أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله ؟ قال : (
يصلي فيه ) . 753 ـ وسأله عليه السلام
عبدُ الرحمن
بنُ أبي عبد الله عن الرجل يُجنِبُ في ثوب وليس معه غيرُه ولا يقدر على غسله ؟
قال : (
يصَلّي فيه ) . 754 ـ وفي خبر آخر قال :
(
يصَلّي فيه، فإذا وجد الماء غسله وأعاد الصلاة
) . 755 ـ وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام عن رجل عريان وحضرت
الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كله دم، يصَلّي فيه أو يصلي عرياناً ؟ قال : (
إن وجد ماءً غسله، وإن لم يجد ماء صَلَّى فيه ولا يُصَلِّ
عرياناً ) (إنتهى ما عن الفقيه) . وروى الروايةَ الأخيرة في يب بإسناده الصحيح
عن علي بن جعفر(
[7]) صحيحة
السند .
هذا ويحتمل
أن تجوز الصلاة عرياناً فيما لو لم يوجد ناظر محترم، وذلك :
ـ لما رواه في
التهذيبين بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عبد الحميد(مجهول عندي) عن
سيف بن عميرة(ثقة واقفي) عن منصور بن حازم
عن محمد بن علي الحلبي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في رجل أصابته جنابةٌ وهو بالفلاة وليس عليه إلا ثوب
واحد وأصاب ثوبَه مَنِيٌّ ؟ قال : (
يتيَمَّم ويطرح
ثوبه ويجلس مجتمعاً فيُصَلّي، ويومئُ إيماءً )(
[8])
ضعيفة السند علمياً، لكنها مظنونة الصحّة .
ـ وفي الكافي عن
جماعة عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن عن عن
زرعة(بن محمد الحضرمي ثقة واقفي) عن سَماعة(بن مِهْران ثقة) قال
: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده
ماء، كيف يصنع ؟ قال : (
يتيمم ويصَلّي عرياناً قاعداً، يومئُ إيماءً )(
[9]) موثّقة
السند . وبما أنّ رواية الحلبي السابقة لم يقل فيها سألته ونحو ذلك، وبما أنّ
الروايتين نصّ واحد، فالظاهر أنهما رواية واحدة .
لكنْ
لوجودِ نهيٍ في صحيحة علي بن جعفر السابقة يجب الإحتياط وتركُ الصلاة عارياً
بذريعة التمسّك برواية سماعة . وبتعبير آخر : لا يَجمع الفقيهُ بين الطائفة
المشهورة وهذه الرواية الشاذّة بالتخيير، وإنما يحتاط، ولو لأجل صحيحة ابن جعفر، وقد نَقَلَ السيد محسن الحكيم(
[10]) ( القولَ
بالتخيير عن المعتبر والمنتهى والمختلف والدروس والذكرى وجامع المقاصد وغيرها
جمعاً بين النصوص بالحمل عليها) (إنتهى) ونحن لا يمكن لنا أن نأخذ بالتخيير
المذكور وذلك لتصريح صحيحة علي بن جعفر برفض التخيير .
كما ولا
يجمع الفقيه بين الطائفتين بحمل الطائفة المشهورة على الإضطرار ـ كالبرد ووجود
ناظر محترم ـ وروايةَ سماعة على غير حالات الضرورة ـ كما فيما لو لم يوجد ناظر
محترم ولم يكن بردٌ ـ بذريعة وجود أمارة على هذا الجمع، وهي صحيحة محمد الحلبي السابقة
قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول
وليس معه ثوب غيرُه ؟ قال : (
يصَلّي فيه إذا اضطُرَّ
إليه ) وذلك لكون روايات الطائفة الاُولى السابقة أربعة وهي في مقام
البيان، ولو كانت مقيّدة بالإضطرار كالبرد لوَجَبَ ذِكْرُ ذلك في السؤال لأنّ هذا
الفرْضَ ركنٌ في السؤال حينئذٍ، إذن المراد مِن (
إذا
اضطُرَّ إليه ) إن لم يوجد ثوبٌ طاهرٌ غيرُ النجس، فهو إذن مجرّدُ تأكيدٍ
لفرْضِ عدم وجود ثوب غير النجس، ولا سيّما وأنّ عليّ بن جعفر سأل أخاه موسى بن
جعفر (عليهم السلام) ـ في الرواية السابقة ـ عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب
ثوباً نصفه دم أو كله دم، يصَلّي فيه أو يصلي عرياناً ؟ ـ وهذا السؤال مطلقٌ
شامِلٌ لما إذا كان الجوّ معتدلاً غيرَ باردٍ ولا يوجد ناظر محترم، بل هي صريحة
في إمكان الصلاة عرياناً لفرْضِ هذا الإمكان في السؤال ـ قال : (
إن وَجَد ماءً غسله، وإن لم يجد ماءً صَلَّى فيه ولا يُصَلِّ
عرياناً ) وهي صريحةٌ فيما نقول .
ورغم وضوح
وجوب الصلاة بالثوب المتنجّس يقول السيد الخوئي بأنّ في المسألة أقوالاً (أشهرها
وجوب الصلاة عارياً، ودونه القول بالتخيير بينها وبين الصلاة في الثوب المتنجس،
ودونهما القول بوجوب الصلاة في الثوب المتنجس خاصّة . ومنشأ اختلاف الأقوال هو
اختلاف الأخبار الواردة في المسألة، فقد ورد في جملة من الأخبار الصحاح الأمرُ
بالصلاة في الثوب المتنجس، وهي وإن لم تبلغ من الكثرة مرتبةَ التواتر إلا أن دعوى
القطع بصدور بعضها عنهم (عليهم
السلام) غير بعيدة) (إنتهى) .