العنوان: بقية
الكلام في العلم الإجمالي بالنجاسة
ـ وقد يميّز
بين ما لو كان العِلم الإجمالي منجّزاً أوّلاً، ثم طرأ عارض اَخرَج أحَدَ الطرفين
عن التنجيز، فهنا قد يقال بلزوم البقاء على تنجيز كلا الطرفين . مثال هذه الحالة
: ما إذا عَلِمَ إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين، ثم طُهّر أحدُهما، فإننا يجب أن
نجتنب الطرف الآخر، ولو لاستصحاب بقائه على التنجّز . وهذا الكلام صحيح بلا ريب .
أمّا إذا
كان أحد الطرفين قد خرج عن أطراف العلم الإجمالي ولو بتطهير أحد الطرفين، ثم ـ بَعد ذلك ـ
عَلِمَ الشخصُ بنجاسة أحد الطرفين منذ ساعة، فهنا قد يقال بأنّ العلم الإجمالي لا
يكون منجّزاً لأنه يكون بمثابة الشبهة البدوية . مثالُ هذه الحالة : ما إذا
طَهّرتَ أحد الإناءين أوّلاً لسببٍ ما، ولو لعادتك على تطهير الإناء قبل تعبئته
ماءً، ثم جاء شخص لا يعرف بتطهيرك لأحد الإناءين الآن ـ ولنفْرِضْهُ إناء رقم (واحد) ـ
فأخبرك بأنّ أحدهما كان نجساً منذ ساعة، فأخبرتَه أنت فقلتَ : لكنّي قد طهّرتُ
هذا الإناء ـ رقم
واحد
ـ الآن ! فالسؤال : هل يجوز شرب الإناء رقم (باء) بذريعة أنّ هذا العلم الإجمالي
لم يكن منجّزاً عليه من الأصل، أي أنّ الحالة هي بمثابة الشبهة البدويّة، أو لا
يجوز شربُه ؟
لا شكّ في
لزوم الإجتناب عن الطرف رقم (باء) عقلاً، وذلك لأنه حين عَلِمَ زيدٌ بنجاسة
أحدهما منذ ساعة، فإنه تنجّز عليه العلم الإجمالي عقلاً بمقدار الإناء الذي لم
يطهّره ـ أي
رقم باء
ـ وإلاّ فهل تحتمل أنت أن يكون إناء (باء) منجّزاً على المخبِر، ولا يكون منجّزاً
على زيد ؟!
ولا بأس
هنا بذِكْرِ بعض ما يهمّنا من كلام سيّدنا الشهيد(
[1]) قال
: " 10 ـ الإضطرار إلى بعض الأطراف :
إذا وقع
الإضطرار إلى اقتحام بعض أطراف العلم الإجمالي فهنا حالتان :
الحالة الأولى
ـ الإضطرار إلى طرف معين من أطراف العلم .
الحالة
الثانية ـ الإضطرار إلى ارتكاب أحد الأطراف لا بعينه .
اَمّا الحالة
الأولى،
فتارةً يكون الإضطرار مقارناً أو قبل حصول سبب التكليف، كما
إذا اضطُرَّ إلى شرب الماء ثم علم بوقوع قطرة نجَسٍ اِمّا فيه أو في الثوب، وهنا
لا يَتَشَكَّلُ عِلمٌ إجمالي بالتكليف أصلاً(
[2])،
لزوال الركن الأول من أركانه، لأنَ عدم الإضطرار جزء الموضوع للتكليف، وحيث إن
المكلف يحتمل اَنّ النجس المعلوم هو المضطَرّ إليه بالذات فلا علم له بالتكليف
الفعلي، فتجري الاُصول المؤمّنة بدون معارض .
واُخرى
يكون الإضطرار بعد حصول سبب التكليف، وهنا يتَشَكَّلُ العِلْمُ الإجمالي بالتكليف
لا محالة فالركن الأول محفوظ .
ولكن هنا
تارةً
يُفترض حصولُ الإضطرار بعد حصول العلم الإجمالي، كما إذا علم بوقوع قطرة دم في
الثوب أو الماء ثم اضطُرَّ إلى شرب الماء،
واُخرى يفترض حصول الإضطرار
مقارناً مع العلم الإجمالي أو قبله سواء كان المعلوم بالإجمال ـ وهو التكليف الفعلي
بفعلية سببه
ـ متقدماً عليهما أم مقارناً .
ففي
الصورة الاُولى قد يُتَوهم الإنحلال بدعوى اَنّ الإضطرار إلى أحد طرفيه معيَّناً
بعد حصول العلم الإجمالي لا يُبقِي علماً إجمالياً بتكليف فعلي بقاء، لأن الطرف
المضطر إليه لو كان هو مورد التكليف لارتفع بالإضطرار لا محالة، فلا يَبقَى علم
بتكليف فعلي بل يشك فيه، والميزانُ في التنجيز في كل آنٍ بقاءً العلمُ فيه .
والجواب :
ما ذكره المحقق الخراسانيّ في حاشيته على الكفاية وأوضحه المحقق العراقي من
كفاية العلم الإجمالي المردد بين الطويل والقصير حيث يعلم المكلف بتكليف فعلي في
هذا الطرف قبل حدوث الإضطرار أو في الطرف الآخر حتى الآن وهو علم حاصل من زمان
التكليف القصير وإلى الآن .
نعم هذا
العلم الإجمالي في بعض صوره يكون من العلم الإجمالي بالتدريجيات، كما إذا كان
التكليف في الطرف غير المضطرّ إليه ـ أعني الطويل ـ اِنحلالياً
في كل آن وغير فعلي من أول الأمر .
واَمّا
في الصورة الثانية، فالصحيح عدم منجزية العلم الإجمالي لانثلام الركن الثالث
لأن التكليف على تقدير انطباقه على مورد الإضطرار قد انتهى أمدُه ولا أثر لجريان
البراءة عنه فعلاً، فلم يحصل علم إجمالي بالتكليف من أول الأمر، فتجري البراءة
في الطرف الآخر بلا معارض(
[3]).
وقد نقل مقرر
بحث المحقق النائيني+اَنّه كان يبني في الدورة السابقة على
المنجزية ثم عدل إلى عدم التنجيز ...
وهكذا يتضح
اَنّه في مورد الإضطرار إلى طرف بعينه لا بد من التفصيل بين ما إذا كان حصول
الإضطرار بعد حصول العلم بالتكليف فيبقى العلم الإجمالي منجزاً وما إذا كان طروه
مقارناً مع العلم أو قبله فيسقط عن المنجزية) (إنتهى) .