بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/14

بسم الله الرحمن الرحیم

   مسألة 1 : ناسي الحكم تكليفاً ـ أي أنه لا تجوز الصلاة في النجاسة عمداً ـ أو وضْعاً ـ أي لا تصحّ الصلاة في النجاسة عمداً ـ لا يعيد في الوقت وخارجه، إذا كان معذوراً في نسيانه ـ كما هو الغالب أو الدائم ـ ، أمّا إن لم يكن معذوراً ـ كما في حالة الإهمال في التذكّر والإلتفات وهي حالة نادرة جداً ـ فإنه يجب عليه الإعادة

لا شكّ في أنّ الذي يكون في مقام الإمتثال لا يكون ـ عادةً ـ مهمِلاً أو مقصّراً في الإلتفات إلى تحصيل شرائط الصلاة، وذلك لأنه بصدد الصلاة فعلاً، وإلاّ لما صلّى من الأصل، وعليه ففي حالة كون نسيانه عن عذر فإنه لا يعيد صلاته لشمول حديث "لا تُعاد" وحديث الرفع له ـ وذلك لأنهما في سياق المنّ والتفضّل على العباد ـ وللبراءة .
   وأمّا إن كان نسيانه عن تقصير ـ وهو حالة نادرة جداً ـ فإنّ حديث "لا تُعاد" لا يشمله، وذلك لأنّ حديث "لا تُعاد" منصرف إلى تصحيح صلاة المعذور فقط ـ لا المقصّر ـ لأنه ـ كما قلنا ـ واردٌ مورد المنّ والتفضّل، ومثله حديث الرفع أيضاً فإنه أيضاً واردٌ مورد المنّ على العباد، وهو لا يناسب التقصير، وأيضاً إضافةً إلى أصالة اشتراط الطهارة في الصلاة الشامل للناسي المقصّر أيضاً .

   مسألة 2 : لو غسل ثوبه النجس واعتقد طهارته ثم صَلَّى فيه وبعد ذلك تبَيَّنَ له بقاءُ نجاسته فلا يجب عليه الإعادة أو القضاء، لأنه من باب الجهل بالموضوع، وبطريق اَولى لو شك في نجاسته ثم تبيَّنَ بعد الصلاة أنه كان نجساً فإنه لا يعيد صلاته، إلاّ إذا كانت حالته السابقة النجاسة فإنه يجب عليه أن يستصحب النجاسة، وكذا لو علم بنجاسته فأخبره الثقةُ بتطهيره ثم تبيَّن الخلاف فإنه يصدق عليه أنه جاهل بالنجاسة، فلا يعيد صلاته .
   وكذا لو رأى في بدنه أو ثوبه دماً وقطع بأنه دم بَقّ، أو دم القروح المعفُوّ عنه، أو أنّه أقل من الدرهم أو نحو ذلك، ثم تبيَّن أنه مما لا يجوز الصلاة فيه، وكذا لو شك في شيءٍ من ذلك ثم تبين أنه مما لا يجوز، فجميع  هذه  من الجهل بالنجاسة الذي  لا يجب فيها الإعادة ولا القضاء  .

لا شكّ في كونه من أفراد الجاهل الذي استفاضت فيه الروايات بصحّة صلاته، وقد ذكرناها قبل قليل، ومن الروايات الرواية التالية أيضاً .
أيضاً لصدق أنه كان جاهلاً بالنجاسة جهلاً شرعياً، فبَنَى على الطهارة لجهله، بل ورد ذلك في الرواية السابقة التي رويناها عن التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حَمّاد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة قال : قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً ثم صليت فرأيت فيه ؟ قال : ( تغسله ولا تعيد الصلاة )، قلت : لِمَ ذاك ؟ قال : (لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً )[1] ورواها الصدوق في العلل عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)مثله، صحيحة السند.
وذلك لحجيّة خبر الثقة في الموضوعات، لآية النبأ وغيرها، ولا يلتفت إلى ما رواه في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمّار عن ميسر(بن عبد العزيز) قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : آمر الجارية فتغسل ثوبي مِنَ المنيّ فلا تبالغ في غسله، فاُصَلّي فيه فإذا هو يابس ؟! قال (عليه السلام): ( اَعِدْ صلاتَك، أما إنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء )[2] صحيحة السند، وذلك للعلم ببطلانها، فإنّ السيرة المتشرّعية جارية على العمل على أساس الإعتماد على تطهير الخدم في بيوتنا، ولأصالة الصحّة في عمل الغير الثابتة شرعاً، ولك أن تقول بأنه لا يعيد الصلاة لأنه شرعاً جاهل بالنجاسة . هذا ورغم وضوح الأمرِ عَمِلَ السيدُ الخوئي رحمه الله بهذه الصحيحة، فقال بأنه لو انكشف الخلاف فعليه أن يعيد صلاته، بدليل هذه الصحيحة !!
وذلك لأنه جاهل بالنجاسة شرعاً، ولك أن تستفيد أيضاً من صحيحة زرارة السابقة، وذلك بوحدة العلّة والمناط في دم القروح وفيما لو اعتقد أنه أقلّ من الدرهم  .. وذلك  لأنه كان على يقين من طهارته، بمعنى أنه تجوز الصلاة الآن، فصلّى ..



[1] وسائل الشيعة – الاسلامية – الحر العاملي : ج 2  ب 41 من أبواب النجاسات  ح 1  ص 1061. .
[2] وسائل الشيعة – الاسلامية – الحر العاملي : ج  2  ب  18 من ابواب النجاسات   ح  1  ص 1024..