بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: بعض أحكام القرآن الكريم

   مسألة 22 : يحرم كتابة القرآن بالحبر النجس، ولو كُتِبَ بحبرٍ نجسٍ جهلاً أو عمداً وجب إزالةُ النجاسة فوراً حتى ولو استلزم ذلك إزالةَ نفسِ الكلمات المباركة .

وذلك لوضوح قبح كتابة القرآن بالحبر النجس، ممّا يجعل المؤمنين يعتقدون بشدّة مبغوضيّة ذلك . ولك أن تستدلّ على ذلك بقرائن كثيرة تشكّل بمجموعها علّةً تامّةً لوضوح قبح ومبغوضيّة ذلك، ويكفي أنك تعلم أنه كتاب الله العزيز، وهو أقدس كتاب في الوجود كلّه ... وأن تقرأ بعض الأدلّة السابقة من قبيل قوله تعالى[ لا يَمَسُّهُ إلاّ المطهّرون ][1] وصحيحة إسحاق بن غالب ( .. فيقول الجبارتعالى: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لاُكْرِمَنَّ اليومَ مَن اَكْرَمَكَ، ولاُهِينَنَّ مَن أهانَكَ ) ورواية أبي الجارود ( .. قال رسول الله (ص): أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة، وكتابُه، وأهلُ بيتي، ثم اُمَّتي، ثم أسألُهُم ما فعلتم بكتاب الله تعالى وأهل بيتي )[2] .
   ولذلك يجب إزالةُ النجاسة عن الكلمات فوراً، وإن لم يمكن يجب وضعه في ماء معتصم وإزالةُ النجاسة ولو بإزالة كلّ الكلمات .

  مسألة 23 : يجوز إعطاء القرآن الكريم للكافر بهدف هدايته، أي مع احتمال هدايته، بل هو أمْرٌ مطلوب جداً .

لا شكّ أنّ إعطاء القرآن الكريم للكافر إن كان فيه احتمال إهانة أو هتك لا يجوز، لكنْ إن كان فيه احتمالُ هدايةٍ له فإنه جائز بلا شكّ، بل قد يكون مطلوباً جداً، وذلك [حتى يسمع كلام الله ][3] أقصد حتى يعلم كلام الله . أمّا احتمال مسّه فهو أمْرٌ وارد، لكن قد تغلب مصلحة تقريب الكافر إلى دين الله ـ رغم احتمال مسّه للقرآن الكريم ـ على مسّه، فنحن نستبعد مبغوضيّة أن نعطيه كتاب الله تعالى، مع احتمال هدايته، لأنّ هدف أنبياء الله ورسله وأوصيائهم هو هداية الناس إلى دين الله تعالى، خاصّةً وأنّ الكافر عندي طاهر ماديّاً، وإن كان نجساً معنوياً بلا شكّ . فإنّ إنقاذ الكافرين من النار أمر مرغوب جداً جداً، وترْكُهم يدخلون إلى النار أمْرٌ يرفضُه عقْلُ كلّ بشري في العالَم . فالمرفوض عند الله تبارك وتعالى هو إهانة كتابه أو هتكُه، وهذا غير معلوم فيما نحن فيه، هذا أوّلاً، وثانياً : إنّ في كتاب الله جلّ وعلا خطاباتٍ لكلّ الناس ومع كلّ الناس، فكثيراً ما يقول الله جلّ وعلا[يا أيها الناس] و [يا بني آدم]، وفيه خطابات مع أهل الكتاب كثيراً فيقول[يا أهل الكتاب]، وفيه خطابات مع الكفّار، فيقول[قل يا أيها الكافرون]، وهذه كلّها أدلّة واضحة على لزوم أن نعطي القرآن الكريم لكلّ الناس، الكافر منهم والكتابي، ليقرؤوا كتاب الله، فإنه لكلّ الناس قاطبةً، وأنت إنْ حرّمْتَ إعطاءَهم كتابَ الله أو الكتب الإسلامية التي فيها آيات وروايات وأسماءُ الله وأسماء الأنبياء والأوصياء .. فكيف يمكن هدايتهم ؟ وكيف يمكن أن يقرؤوا خطاباتِ الله معهم ويقرؤوا تعاليمَه ؟! أليس هذا تسبيباً لإكثار الكفّار وتشجيعاً لهم على البقاء على الكفر ؟!
   لذلك فأنا أرى جوازَ إعطاءِ وبيعِ القرآنِ الكريم للكافر مع احتمال هدايته، فنحن نريد إنقاذ الناس جميعاً من [نار اللهِ المُوْقَدَة التي تَطَّلِعُ على الأَفْئِدَة، إنها عليهِمْ مُؤْصَدَة، في عَمَدٍ مُمَدَّدَة][4]، لا بل إنّ إعطاءهم كتابَ الله وتفسيرَه وسائرَ الكتبِ الإسلامية مع احتمال هدايتهم أمر مطلوب جداً . يقول السيد الخوئي : (.. كيف وقد حُكِيَ أن أكثر اليهود والنصارى إنما أسلموا بمطالعة نهج البلاغة ! ومعه كيف يسوغ الحكم بحرمة إعطائها بيد الكافر أو بوجوب أخذه منه ؟!)[5](إنتهى) وهو على حقّ في ذلك .

 مسألة 24 : يحرم وضع القرآن على العين النجسة(227)، كما أنه يجب رفعها عنه إذا وضعت عليه وإن كانت يابسة.

لأنّ ذلك من أعظم مصاديق الهتك والإهانة، نعوذ بالله، ونستجير به . المهمّ هو أنّ الهتك والإهانة اُمور عرفية، ومصاديقها واضحة عند العقلاء، ومع الشكّ في بعض المصاديق يجوز التمسّك بالبراءة بالإجماع، ولكن مع الظنّ بالإهانة أو الهتك يكون الأحوط وجوباً التجنّب عن ذلك، ولا نجري أصالةَ البراءةِ أو قاعدتَها، ولو من باب الورع والتعظيم لكتاب الله جلّ وعلا .

مسألة 25: يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية(228)، بل عن تربة الرسول وسائر الأئمة صلوات الله عليهم المأخوذة من قبورهم بقصد التبرّك، ويحرم تنجيسها، ولا فرق في التربة الحسينية بين المأخوذة من القبر الشريف أو من الخارج إذا وضعت عليه بقصد التبرك والإستشفاء، وكذا السبحة والتربة المأخوذة بقصد التبَرُّك لأجل الصلاة.

لا شكّ في مطلوبية تعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى، ومن شعائر الله التُّرْبَةُ الحسينيةُ التي جَعَلَ اللهُ فيها الشفاءَ، ولا يجوز هتكها أو إهانتها هي وكلّ ما يَمُتُّ إلى قبور الأنبياء وأوصيائهم بِصِلَةٍ، وهذا ما يشعر به كلّ مؤمن متديّن في العالَم . قال السيد محسن الحكيم في مستمسكه نقلاً عن التنقيح : (انه ورد متواتراً وجوب تعظيمها، وترْكُ الإزالةِ منافٍ للتعظيم . هذا ولكن الذي عثرنا عليه من النصوص مما تضمن الأمر بتعظيمها والنهي عن الإستخفاف بها ظاهرٌ ـ بقرينة السياق والمقام ـ في اعتبار ذلك في الإنتفاع بها في الإستشفاء وغيره، من فوائدها الجليلة، وليس فيها دلالةٌ على أن ذلك من أحكامها مطلقاً . نعم لا مجال للإشكال في حرمة إهانتها ومبغوضية هتْكِها فيكون حكمها حكم المشاهد الشريفة، لا المصحف)[6](إنتهى) .
   أقول : قد تتكسّر التُرَب الحسينية في البيوت، ونريد أن نرميها، فيحسن في هكذا حالة أن تُرمَى في مكانٍ لا هتْكَ لها فيه، كأنْ تُرمَى مثلاً على الأراضي الترابية الطاهرة، لا في المزابل ونحوها، فإنها وإن اُلغيت من وظيفة السجود عليها، إلاّ أننا ينبغي أن نبقى نحترمها، لصلتها مع الإمام الحسين (عليه السلام) ولو بأدنى درجات الصلة، وكذا الكلام تماماً في الترب المأخوذة من قبور الأنبياء وأوصيائهم (عليهم السلام) .
   وقد تتكسّر التُرَبُ في المساجد، وهي وقْفٌ، ولا يجوز رميُها بالعنوان الأوّلي، ويريد الناس أن يرموها، وح يمكن لبعض الناس أن يشتروا سجدات سالمة ويستبدلوا ـ بحسب القيمة ـ المكسّر بالسالم، فيأخذون حينئذ المكسّر ويرمونه .



[1] واقعه/سوره56، آیه79.
[2]  وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج4، ص827، ابواب قراءة القرآن، ب2، ح1 و 2، ط الاسلامية.
[3] يقول الله تعالى[ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ .حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ 6]التوبة .
[4] الهُمَزَة / من 6 ـ 9 .
[5]  التنقيح في شرح العروة الوثقى، ج3، ص294.
[6] مستمسك العروة  السيد محسن الحكيم، ج1، ص518..