بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/25

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: هل المشاهد المشرّفة بحكم المساجد أم لا ؟

  مسألة 20 : المشاهد المشرَّفَةُ للمعصومين عليهم السلام ومقامات أولياء الله تعالى ـ كمقام السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)في قُم ـ والمشاهد المقدّسة في دِين الله ـ كالصفا والمروة ـ بحكم المساجد في حرمة التنجيس ووجوب إزالة النجاسة عنها على الأحوط وجوباً، وذلك لأنها صارت مراكز لعبادة الله جلّ وعلا، نعم يجوز دخول الجنب والحائض إليها، لكن ذلك لا يحسن لأنها كما قلنا صارت مراكز لعبادة الله سبحانه وتعالى(223) .

لا شكّ في حرمة إهانة المعصومين عليهم صلوات الله وسلامه، بل يجب تعظيمهم، فإنه من تعظيم شعائر الله، لأنهم خلفاء الله ومظاهر أسماء الله وصفاته ... وبالتالي يحرم إهانة أيّ شيء ينسب إليهم كتعمّد تنجيس مقاماتهم المباركة، يقول الله تعالى[ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ ][1].
   هذا المقدار هو القدر المتيقّن عند المتشرّعة المؤمنين، وليس محلّ الكلام فيه، إنما الكلام في وجوب تطهير النجاسات ووجوب إزالتها من مشاهدهم المشرّفة وحرمة دخول الجنب والحائض إليها فأقول :
1 ً ـ لا شكّ في جواز دخول الحائض والجنب إلى المشاهد المشرّفة بالعنوان الأوّلي، فإنّ عيالهم عليهم السلام كانوا يُجنبون ويَحضن، لكن حينما تحوّلت قبورهم إلى أماكن لعبادة الله سبحانه وتعالى صار لقبورهم عنوان آخر، وهو عنوان مراكز لعبادة الله وتبجيله وتعظيمه، حينئذ يصير صعباً على الفقيه أن يُفتي بجواز دخول الجنب والحائض إليها، إلاّ أن يحتاط في ذلك وجوباً أو استحباباً، إحتراماً لصاحب المقام الشريف الذي هو من أكمل خلفاء الله في الأرضين، ولا يبعد أن مقاماتهم الشريفة لا تنزل عن مقام مساجد الله تعالى، ولذلك لا شكّ في لزوم الإحتياط في ذلك أي في عدم الدخول إليها جنباً أو حائض . 
   ولا بأس ـ لإثبات بعض ما ذكرناه ـ مِن ذِكْرِ بعضِ الروايات :
ـ فقد روى سعيد بن هبة الله الراوندي(الشيخ الإمام الفقيه الثقة) في الخرائج والجرائح عن الحسين بن أبي العلا (روى هو واخوته عن أبي عبد الله وكان الحسين أوجههم، وله كتاب يُعَدّ في الأصول، بل له كتب، روى عنه ابن أبي عمير وصفوان وروى عنه في الفقيه مباشرةً، إذن هو موثّق عندي) قال : دخل على أبى عبد الله (عليه السلام)رجلٌ من أهل خراسان فقال : إن فلان ابن فلان بعث معي بجارية وأمرني أن أدفعها إليك، قال : ( لا حاجةَ لي فيها، إنّا أهلُ بيتٍ لا يَدْخُلُ الدَنَسُ بيوتَنا )، قال : لقد أخْبَرَني أنها ربيبةُ حِجْرِه، قال : ( لا خَيْرَ فيها، فإنها قد اُفْسِدَتْ )، قال : لا عِلْمَ لي بهذا، قال : ( اَعلمُ أنه كذا )[2] مرسلة السند، لكن الراوندي رواها من كتابه على حسب الظاهر ممّا يجعلنا نظنّ بصدورها حقّاً .
ـ وفي الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد بن القاسم عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام)  قال : ( يا حسين، بيوتُنا مهبَطُ الملائكة ومنزل الوحي )، وضرب بيده إلى مساور في البيت فقال : ( يا حسين، مساورُ ـ واللهِ ـ طالما اتكت عليها الملائكةُ، وربما التقطنا من زغبها )[3] مصحّحة السند عندي .
   ورواها محمد بن الحسن بن فروخ في بصائر الدرجات قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد البرقي عن محمد بن القسم عن الحسين أبى العلا عن أبي عبد الله عليه السلام ... وذَكَرَ الحديث .
   يقوى جداً أنّ محمد بن القاسم هذا هو ابن الفضيل الذي هو من طبقة الإمام الرضا (عليه السلام)، فإنّ ابن الفضيل (الثقة) له كتاب يرويه عنه أبو عبد الله البرقي (أي محمد بن خالد البرقي) . وقد يُقال لـ محمد بن القاسم بن الفضيل : محمد بن الفضيل، إختصاراً .
   على أساس هذه الرواية السالفة الذكر يصير من الصعب حقّاً أن يُفتيَ الفقيهُ بجواز دخول الجنب والحائض إلى مقاماتهم الشريفة، ولا بدّ له من الإحتياط الوجوبي بلزوم تطهيرها أيضاً . نعم، لا يمكن الإفتاء بضرس قاطع بوجوب تطهيرها، ولكن مع ذلك ينبغي الإحتياط في ذلك لصيرورتها مراكز يعبد الله فيها ...



[1]  حج/سوره22، آیه32.
[2]  وسائل الشيعة الحر العاملي، ج14، ص573، ابواب نکاح العبید و الاماء، ب63، ح1، ط الاسلامية.
[3]  الكافي الكليني، ج2، ص311، ب أنّ الأئمّة تدخل الملائكة بيوتهم، ح2.