بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: بعض أحكام المساجد

  مسألة 17 : إذا عُلِم إجمالاً بنجاسة أحد المسجدَين أو أحدِ المكانَين من مسجد وجب تطهيرهما، ولا يكفي تطهير أحدهما، حتى ولو خرج أحد المكانين عن محلّ الإبتلاء، كما لو سرقوا إحدى السجّادتين ـ المتنجّسه أحداهما ـ من المسجد، فإنه يجب تطهير السجّادة الباقية.

لتنجّز العلم الإجمالي حينئذ، حتى ولو كان أحد المكانَين خارجاً عن محلّ الإبتلاء، لما أكّدنا عليه في بحث الاُصول من أنّ علّة تنجيز العلم الإجمالي هو الواقع المشكوك كما ذهب إليه المحقّقون من العلماء كالشيخ الأعظم الأنصاري والمحقّق العراقًي وغيرهما ـ وليس العِلم بالجامع الذي هو شبهة في مقابل بديهة ـ فإذا خرجت بعض أطراف العلم الإجمالي من تحت الإبتلاء أو طُهّر أحدُ المكانَين فإنه يجب تطهير المكان الآخر عقلاً بلا شكّ، وذلك لبقاء العلم الإجمالي نظرياً، وهو المناط في التنجيز، فالعقل يقول "إمّا هذا المكان الذي طهّرناه هو النجس وإمّا ذاك المكان" فيحكم العقل بوضوح بلزوم تطهير المكان الآخر .
   ورغم وضوح المسألة ترى السيد السبزواري يقول في مهذّب أحكامه "نعم، لو عُلِم إجمالاً إمّا بنجاسة مسجد أو محلّ آخر يشترط حينئذٍ كونهما محلّ الإبتلاء" يقصد أنه إنْ كان المحلّ الآخر خارجاً عن محلّ الإبتلاء، فإنه لا يجب تطهير المحلّ الموجود أمامنا الذي هو أحد طرفَي العلم الإجمالي !!
   أقول : وهذا من الأخطاء التي شاعت عند بعض الناس أخيراً، وشبهةٌ في مقابِل بديهة، فأنت إذا طهّرتَ أحدَ المكانين يبقى عندنا ـ عقلاً ـ شكّ في نجاسة المكان الآخر، وليس هو شكّاً بدْوياً أصلاً، وإنما هو علمٌ بنجاسة أحد المكانين، وقد طهّرنا أحدهما فقط، دون الآخر، فيجب تطهيره عقلاً، ولو من باب أنّ الإشتغال اليقيني يستدعي عقلاً الفراغَ اليقيني، ولك أن تسألَ كلّ متشرّعةِ العالَم عن مسألتنا، ومثّلْ لهم بإناءَين وطهّرْ لهم أحدَهما، واعرُضْ عليهم شرْبَ الآخَرِ فإنهم لن يشربوا الإناءَ الآخر أصلاً وأبداً مهما تذرّعْتَ لهم بجريان الاُصول المؤمّنة ـ كاستصحاب الطهارة وأصالة الطهارة وقاعدتها وأصالة الحلّيّة وقاعدتها ـ من دون معارِض .

   مسألة 18 : لا فرق بين كون المسجد عامّاً أو خاصّاً، وأمّا المكانُ الذي يُعِدُّهُ الشخصُ للصلاة في داره أو يُعِدّونه مصلّى عامّ ـ لا مسجداً ـ فلا يلحقه الحكم.

يقول ( لا فرق بين كون المسجد عامّاً ـ أي المسجد الجامع ـ أو خاصّاً ـ أي مسجد الحيّأو المسجد الذي يبنونه على طرقات المسافرين ليؤدّوا صلاتَهم فيه ـ ) وذلك لإطلاق الآيات والروايات، أو الأصحّ أن نقول لكون كليهما بيوتَ اللهِ جلّ وعلا، ولذلك لم يكن ينبغي تقسيم المساجد إلى عامّ وخاصّ، وذلك لعدم وجود وجه في التفرقة بينهما من ناحية حرمة تنجيسها ووجوب تطهيرها، ولعدم كون المسجد الخاصّ لطائفة دون طائفة، أو للشيعة دون السنّة أو للحزب الفلاني دون ذاك، أو للطائفة الفلانية دون تلك .
   وأمّا المكانُ الذي يُعِدَّهُ الشخصُ للصلاة في داره أو يُعِدّوه في البلاد الإسلامية مصلّى ـ كما يصنعون في الكثير من المؤسّسات ومطارات العالم الإسلامي والمطاعم والإستراحات ـ فلا يلحقه الحكم قطعاً، لأنه مصلّى، وهو مملوك لصاحبه، وليس مسجداً، أي أنه ليس بيت الله، وورد في ذلك عدّة روايات لا داعي لِذِكْرِها[1] وهي تفيد جواز نقل مكانها بل جعلها كنيفاً . فلا داعي ـ بعد وضوح الأمر ـ للشكّ والرجوع إلى البراءة، وينبغي أن يكون هذا الحكم إجماعياً .

   مسألة 19 : الأحوط إن لم يكن الأقوى وجوبُ إعلام الغَيرِ إذا لم يتمكن الشخصُ من الإزالة، خاصةً إذا كان بقاءُ النجاسة يوجب الهتْكَلمقام المسجديّة.

وذلك لأنه بيت الله، وليس ثوباً من ثياب شخص آخر لا يجب أن نخبره بنجاسته، فلا ينبغي أن يُرجَعَ في الأمر إلى البراءة، ويكفي أن تلاحِظَ الآيات والروايات فقط : يقول الله تعالى[وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ][2] وأنا أدّعي أنها تريد أن تقول ـ واللهُ العالِم ـ بأنّ الله تعالى يريد أن يكون بيتُه طاهراً، ولا يرضى أن يكون متنجّساً، وليس النظر إلى الحكم التكليفي فقط، ويقولتعالى[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ..][3] ومثلهما صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال ـ بعد حديث طويل ـ : ( .. فأوحى الله تعالى إلى نبيه أنْ طَهِّرْ مسجدَك)[4] والحديث النبوي الشريف( جَنِّبُوا مساجِدَكُم النجاسةَ)[5] وهو صريح في مطلوبية الطهارة ـ كحكم وضعي ـ وليس النظر إلى إفادة وجوب التطهير ـ كحكم تكليفي فقط ـ، فكيف نجيز لأنفسنا أن نسكت ولا نخبر خادمَ المسجد مثلاً عن حصول نجاسة في بيت الله بذريعة جريان البراءة عن احتمال وجوب الإخبار ؟! بل عقول المتشرّعة توجب الإخبار بأدنى نجاسة حتى على حائط من حيطان المسجد الذي لا تصله يد إنسان مع فرض ترتّب التطهير على الإخبار، وترفض ترْك بيتِ الله متنجّساً بذريعة أصالة البراءة عن احتمال وجوب الإخبار .
   المهم هو أنّ لك أنْ تدّعي ـ من خلال الآيات السابقة والروايات ـ أن الله تعالى يأبَى ويرفضُ أن يكون بيتُه ومسجدُه المعَدّ لعبادته متنجّساً مع القدرة على التطهير، كعِلْمِنا بعدم رضاه بقتل المؤمنين وظلم الناس والحيوانات ... لاحِظْ مثلاً الحديثَ النبوي الشريف  ( جَنِّبُوا مساجِدَكُم النجاسةَ ) فإنها تفيد أن طبيعي الطهارة مطلوبة، وليس النظر إلى الحكم التكليفي بالتطهير، وبينهما فرق واضح، فالأوّل يعني أنّ غرض المولى هو كون المساجد طاهرة، فيجب تحقيق هذه الإرادة الإلهية ولو بالتسبيب ـ أي بالإخبار ـ .
   بل حتى مع احتمال أن يترتّب على إخباره التطهيرُ يجب الإخبار قطعاً بالنجاسة لتحصيل غرض المولى سبحانه وتعالى، فإنه كما تجب إطاعة المولى تعالى بتكاليفه يجب أيضاً إطاعته بأغراضه التي لا يرضى بتفويتها .
   نعم، لو فرضنا عدم الجدوى من الإخبار قطعاً ـ ككون الحاضرين في المسجد مسافرين كلّهم ولا يمكن لهم التطهير، وذلك لأنّ القطار مثلاً سيذهب ويتركُهم، أو أنّ المخبَرين غيرُ مبالين بالدِين ـ فلا يجب ح الإخبار قطعاً، لا للبراءة، وإنما لعدم الجدوى من إخبارهم .



[1] راجعها إن شئت في وسائل الشيعة الحرالعاملي، ج3، ص488، ب10 من أبواب أحكام المساجد، ط الاسلامية.
[2] حج/سوره22، آیه26.
[3] توبه/سوره9، آیه28.
[4] وسائل الشيعة الحرالعاملي، ج1، ص484، ب15 من أبواب الجنابة، ح1، ط الاسلامية .
[5] وسائل الشيعة الحرالعاملي، ج3، ص504، ب24 من أبواب أحكام المساجد، ح2، ط الاسلامية.