بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: خبر الثقة حجّة في الموضوعات

مسألة 4 : يُعتبَرُ في حجيّة البيّنة ذِكْرُ مستندِ الشهادة، نعم لو ذكرا مستندها وعلم عدم صحته لم يُحكَمْ بالنجاسة .
قد تدّعى السيرةُ على حجيّة الشهادة مطلقاً، وأنه لا يُعتبَرُ في حجيّة البيّنة ذِكْرُ مستندِ الشهادة .
   هذا وقال العلاّمةُ في التذكرة ( لا تقبل إلاّ بالسبب، لجواز أن يعتقد أنّ سؤر المسوخ نجس )، ومثله عن أبي العبّاس[1] والصيمري[2] .
   قال السيد الحكيم في مستمسكه بأنّ ( احتمال الخطأ في المستند ملغى بأصالة عدم الخطأ المعوّل عليها عند العقلاء في مقام العمل بالخبر كما يشهد به استقرار سيرة العقلاء والمتشرّعة على عدم الفحص والسؤال عن مستند الخبر، بيّنةً كان أو خبر واحد، وموضوعاً كان المخبر به أو حكماً )[3].
   أقول : العقلاء والمتشرّعة لا يعملون إلاّ بما هو مطمأنّ به، أمّا لو التفتوا إلى احتمال أن يكون مستند البيّنة هو بعض الأحكام الخلافية ـ كنجاسة الخمر والعصير العنبي والسبيرتو والكافر وو ـ فلا يمكن ح أن يَعتمد المجتهدُ أو المقلّدون على إخبار البيّنة، وليس ذلك لتكذيبهم للبيّنة، إنما هو من باب التشكيك بالكبرى، أي التشكيك بصحّة الحكم الكلّي المعتمد عليه في إخبارهم بالنجاسة، فلعلهما اعتمدوا على بعض الاُمور الخلافية، ولا يعني كلامُنا هذا، التشكيكَ في حجيّة البيّنة، وذلك لأننا نأخذ بالبيّنة بمدلولها المطابقي الحسّي الصغروي، وهو الملاقاة للبول مثلاً برطوبة مسرية، ولا يمكن للمجتهد أن يأخذ برأيهم الفقهي المخالف لرأيه، ومثله ما لو اختلف المقلّدون في الأحكام .
   على أنه لا يوجد في العالَم أصْلٌ إسمُه أصالة عدم الإختلاف في الأحكام، ولذلك لا يمكن الإعتماد على هكذا أصل غير موجود أصلاً، ولا يوجد سيرة مطلقة كما ادّعى السيد الحكيم رحمه الله تعالى .
   نعم هناك اُمور يندر الإختلاف فيها أو لا يوجد فيها اختلاف كالقول بنجاسة الدم والكلب والخنزير، فهنا لا بدّ من الأخذ بقول البيّنة .  
   على هذا الأساس لا بدّ من القول بعدم حجيّة البيّنة إن احتمل اعتمادهما في الإخبار بالنجاسة على اُمور خلافية، أو أن يذكرا منشأ قولهما بالنجاسة، فإن رأينا رأيهما قلنا بالنجاسة وإلاّ فلا . ولا مانع أيضاً من إجراء أصالة الطهارة وقاعدتها أو استصحاب الطهارة .
   مسألة 5 : إذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجِبها كفى في الحكم بالنجاسة، وإن لم يكن موجِباً عندهما أو عند أحدهما، فلو قالا : إن هذا الثوب لاقى عرق المجنب من حرام أو ماء الغسالة كفى عند من يقول بنجاستهما، وإن لم يكن مذهبهما النجاسة.
ما ذُكِر في المتن واضح الدليل من دليل المسألة السابقة فلا نعيد .

   مسألة 6 : ذكرنا سابقاً أنّ خبر الثقة حجّة في الموضوعات، فلو أخبرا بنجاسة إناء مثلاً واختلفا في مستند النجاسة، فقال احدهما إنه لاقى بولاً، وقال الآخر إنه لاقى الدم، فلا شكّ في لزوم الحكم بنجاسة الإناء، وذلك لاحتمال وقوع نجاستين، وعليه فيجب تطهير الإناء على أساس الأشدّ نجاسةً . هذا ولكن قد يقع في شهادتهما تكاذب، كما لو قال أحدهما كان هذا الإناء في الساعة الفلانية في المكان الفلاني وأصابته نجاسة الدم، فأجابه الآخر، لا بل كان في تلك الساعة أمامي ولم تصبه أيّ نجاسة، ففي هذه الحالة لا يمكن الأخذ بشهادة الأوّل.

كنّا قد ذكرنا سابقاً أدلّتَنا على حجيّة خبر الثقة في الموضوعات من قبيل آية النبأ وروايات حجيّة خبر الثقة في الأحكام، فإنّ خبر الثقة في الواقع هو موضوع حتى لو نَقَلَ حديثاً عن معصوم أو عن غير معصوم، ومن قبيل الروايات التي تعطي الحجيّة لأذان الثقة وللمخبر عن الموكّل، وفي مسألة ثبوت الوصيّة بخبر الثقة .. وذكرنا أيضاً أنّ موثّقة مسعدة بن صدقة واردة في مقام الدعاوى، لاحِظْ نصّ الرواية : روى في الكافي عن علي بن إبراهيم (عن أبيه ـ يب) عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : ( كل شيء هو لك حلالٌ حتى تعلم أنه حرام بعينه فَتَدَعَهُ مِن قِبَلِ نفسِك، وذلك مثلُ الثوبِ يكونُ عليك قد اشتريتَه وهو سرقةٌ، والمملوكِ عندك لعلَّهُ حُرٌّ قد باع نفسَه، أو خُدِعَ فبِيعَ قَهْراً، أو امرأةٍ تحتَك وهي أختُك أو رضيعتُك، والأشياءُ كلُّها على هذا حتى يستبين لك غيرُ ذلك، أو تقومَ به البيّنةُ )[4] .فإنّ البائع حينما يبيعك هو يخبرك عملياً أنّ الثوب له شرعاً، فإذا أخبرك ثقة أنه سرقه فهو يدّعي عليه إذن وعلى الأقلّ أمامك، فإنّ قبل الشارع بهذه التهمة من دون تحقيق فسيختلّ سوق المسلمين، لوقوع اشتباهات عند الثقات أحياناً، فكان ينبغي ـ حتى على مستوى العقلاء ـ أن يتحقّق المشتري عن مدى صحّة ادّعاء هذا الثقة، فعليه أن يسأل عادلين، فإنه يبعد اشتباهما، وكذا تماماً سائرُ الأمثلة الواردة في الرواية . وراجع إن شئت حاشيتَنا المطوّلة في ذلك على الحلقة الثالثة /أواخر بحث حجيّة خبر الثقة . وقد ذهب إلى مقالتنا بحجيّة خبر الثقة في الموضوعات العلاّمة الحلّي في التذكرة والمحقّق البحراني في الحدائق والسيد الخوئي والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد محمد الفيروزآبادي وغيرهم .
مسألة 7 : الشهادة بالإجمال كافيةٌ أيضاً، ومثلُه ما لو قال الثقةُ : أحَدُ هذين نَجِسٌ، فيجب الإجتناب عنهما . وكذا لو شهد أحدهما بالإجمال والآخر بالتعيين كما إذا قال أحدهما : أحد هذين نجس، وقال الآخر : هذا الإناءُ المعيّن هو النجس، أو ( هذا الإناءُ نجس، ولكن لا أدري إن كانت النجاسة التي اَخبَرَ عنها فلانٌ أنها هي نفس النجاسة التي أعرفها أو أنها نجاسة اُخرى )، ففي كلتا الحالتين ينحلّ العلم الإجمالي، وتجري قاعدةُ الطهارة في الإناء الآخر .

كأن قال الثقة هذا نجس أو أحد هذين نجس، واستبعدنا الخلاف الفقهي في منشأ حكمه بالنجاسة .
أمّا لو شهد أحدهما بالإجمال والآخر بالتعيين كما إذا قال أحدهما : أحد هذين نجس، وقال الآخر : هذا الإناءُ المعيّن هو النجس، أو "هذا الإناءُ نجس، ولكن لا أدري إن كانت النجاسة التي اَخبَرَ عنها فلانٌ أنها هي نفس النجاسة التي أعرفها أو أنها نجاسة اُخرى" ففي كلتا الحالتين ينحلّ العلم الإجمالي، وتجري قاعدةُ الطهارة في الإناء الآخر، وذلك للشكّ في أصل وجود نجاسة في الإناء الأخر، فيكون الشكّ في الإناء الآخر من باب الشكّ البدوي تماماً، وأستبعِدُ وجودَ خلافٍ في هتين الحالتين .



[1] هو جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد، صاحب المهذّب وعدّة الداعي، كنيته أبو العبّاس، وله كتاب الموجز والمقتصر، وله إجازة من الشيخ المقداد، والشيخ علي بن هلال الجزائري والشيخ زين الدين علي بن محمد الطائي، رحمة الله عليهم أجمعين ..
[2] هو الفقيه مفلح بن حسين الصيمري، له إجازة من ابن فهد الحلّي، وشَرَحَ .موجَزَه وسمّاه كشف الإلتباس، وشرَحَ الشرائعَ وسمّاه غاية المرام .
[3] مستمسك العروة السيد محسن الحكيم، ج1، ص454، ح3.
[4] وسائل الشيعة الحر العاملي، ج12، ص60، أبواب ما يكتسب به، ب4، ح4، ط الاسلامية.