بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: كل مشكوك طاهرسواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية

مسألة 2 : كل مشكوك طاهرسواء كانت الشبهة لاحتمال كونه من الأعيان النجسة، أو لاحتمال تنجسه مع كونه من الأعيان الطاهرة . والقولُ بأنّ الدم المشكوكَ كونُه من القسم الطاهر أو النجس محكومٌ بالنجاسة ضعيفٌ. أمّا الرطوبةُ الخارجةُ بعد البول وقبل الإستبراء بالخرطات فإنها ـ مع الشك في ماهيّتها ـ محكومةٌ بالنجاسة ويجب عليه أن يعيد وضوءه، وكذا الرطوبة الخارجةُ بعد خروج المني وقبل الإستبراء بالبول فإنها ـ مع الشك في ماهيّتها ـ محكومةٌ بالنجاسة، ويجب على الشخص الذي خرج منه هكذا رطوبة أن يعيد غُسْلَه .

لا شكّ ولا خلاف في تشريع قاعدة الطهارة وفي ثبوتها وأنها من بديهيات الدين، بل نحن ندّعي أصالة الطهارة حتى تثبت النجاسةُ، فلا داعي لأنّ نذكر ما قاله السيد محسن الحكيم في مستمسكه من روايات قال : ( مِن قبيل موثق عمار المروي في أبواب النجاسات من ئل عن التهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام ) : ( كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك )[1]، وفي خبر حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام ): (ما اُبالي أبَولٌ أصابني أو ماءٌ إذا لم أعلم)[2]، هذا ومقتضى إطلاق الأول عدم الفرق بين الشبهة الموضوعية والحكمية، وبين النجاسة الذاتية والعرَضية، كما أشار إليه في المتن) (إنتهى) .

المهم هو أنه لا شكّ في جريان قاعدة الطهارة سواء في الشبهات الحكمية أو الشبهات الموضوعية، طبعاً إلاّ أن يحكم على هذه القاعدة حاكم أقوى منها من قبيل مجيء أمارة حجّة تفيد النجاسة أو أصل عملي حاكم كاستصحاب النجاسة .

وذلك لقاعدة الطهارة في الشبهات مصداقية، بعد عدم وجود عموم بنجاسة طبيعي الدم .
نعم، في الدم المرئيّ على فم الطائر الجارح يجب الحكم ـ على الأحوط وجوباً ـ بنجاسته، وذلك لكونه غالباً من دم الميتة التي يصطادها ويأكلها، فقد روى في الكافي عن أحمد بن ادريس ومحمد بن يحيى جميعاً عن محمد بن أحمد(بن يحيى) عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام )قال : سُئِل عمّا تشرب منه الحمامة ؟ فقال : (كُلُّ ما اُكِل لحمُه فتوضّأ من سؤره واشرب منه، إلاّ أن ترى في منقاره دماّ، فإنْ رأيتَ في منقاره دماً فلا توضّأ منه ولا تشرب )، وعن ماء شَرِبَ منه باز أو صقر أو عقاب ؟ فقال : ( كلّ شيء من الطير يُتوضّأ ممّا يَشرب منه، إلاّ أن ترى في منقاره دماً، فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه ولا تشرب )[3] موثّقة السند .

وذلك لأنّ الرطوبةَ الخارجةَ بعد البول وقبل الإستبراء بالخرطات يجب الحكم عليها بالنجاسة، وذلك للزوم استصحاب بقاء شيء من البول في المجرى، فيجب تطهير المحلّ وإعادة الوضوء . وكذلك الأمر بالنسبة إلى لزوم إعادة الوضوء، وذلك لقيام الإستصحاب مقام القطع الطريقي بلا شكّ، فيبني على أنه على يقين من وجود بول في المجرى .
   وكذلك الأمر تماماً في الرطوبة الخارجة بعد المنيّ وقبل الإستبراء بالبول فإنه أيضاً يجب الحكم عليها بالمنيّ، وذلك لنفس السبب، وهو لزوم استصحاب بقاء شيء من المنيّ في المجرى، وقيام الإستصحاب مقامَ القطع الطريقي، فيجب تطهير المحلّ وإعادةُ الغسل .

ذكرنا سابقاً المسألة 3 فلا نعيد
مسألة 4 : يُستحَبُّ رش الماء إذا أراد أن يصلّيَ في معابد اليهود والنصارى وبيوت المجوس، وإن كانت محكومة بالطهارة.

إستفاضت الروايات في جواز الصلاة في البِيَع والكنائس وبيوت المجوس،
1 ـ فقد روى في يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن العيص بن القاسم(ثقة) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام ) عن البيع والكنائس يُصَلَّى فيها ؟ قال : (نعم )، وسألته : هل يصلح بعضها(نَقْضُها ـ خ) مسجداً ؟ فقال : (نعم ) صحيحة السند .
2 ـ وفي الكافي عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام ) عن الصلاة في البيع والكنائس فقال : (رُشَّ وصَلِّ )، قال : وسألتُه عن بيوت المجوس فقال : (رُشَّها وصَلِّ )، ورواها في يب أيضاً بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر(بن سويد ثقة) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال : سألته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس ؟ فقال : (رُشَّ وصَلِّ ) صحيحة السند . ولم أفهم السرّ في الأمرِ برشها، فهل هو إزالةُ التقذّر النفساني ؟ أم هو للتطهير، فإن كان للتطهير فلِمَ لَمْ يَقُلْ إغسِلْها، فإنّ الرشّ ـ بالإبريق مثلاً ـ ينشرُ النجاسةَ ولا يزيلها ؟! أم هو لإزالة الغبار التي تكون عادةً على الأرض في معابدهم لأنهم لا يصلّون على الأرض ؟ أظنّ قوياً الأخير .
3 ـ وفي الكافي عن عليّ بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد(بن عثمان) عن (عبيد الله بن عليّ)الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام )قال : سألتُه عن الصلاة في البيعة فقال : (إذا استقبلت القبلة فلا بأس به )، ورواها في الفقيه بإسناده عن الحلبي قال : سئل أبو عبد الله (عليه السلام ) عن الصلاة في بيوت المجوس وهي تُرَشُّ بالماء ؟ قال : (لا بأس به ) صحيحة السند .
4 ـ وفي يب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة(بن أيوب ثقة) عن حمّاد الناب(بن عثمان ثقة) عن حكم بن الحكم قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام ) يقول وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس فقال : ( صَلِّ فيها، قد رأيتها، ما أنظفَها ! )، قلت : أيُصَلَّى فيها وإن كانوا يُصَلُّون فيها ؟ فقال : (نعم، أما تقرأ القرآن [ قل كل يعمل على شاكلته، فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً] ؟! صَلِّ إلى القبلة وغَرِّبْهُم )، وفي الفقيه : قال صالح بن الحكم : سئل الصادق (عليه السلام )  عن الصلاة في البِيَع .. وذَكَرَ مثلَه إلاّ أنه تَرَكَ قولَه ( قد رأيتُها ما أنظفَها )، وقال في آخره ( وصَلِّ إلى القبلة ودَعْهُم )، ورواها في المستدرك عن محمد بن مسعود العياشي في تفسيره عن حماد عن صالح بن الحكم نحوه وفيه (صَلّ إلى القبلة ودَعْهُم ) .
5 ـ وفي يب بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن شعيب بن يعقوب(ثقة عين) عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام ) عن الصلاة في بيوت المجوس فقال : (رُشَّ وصَلِّ ) صحيحة السند .
6 ـ وروى عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن السندي بن محمد البزّاز عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام ) قال : (لا بأس بالصلاة في البيعة والكنيسةِ الفريضةَ والتطوعَ، والمسجدُ أفضل )[4] [5].
   على أيّ حال، لك أن تجري استصحاب الطهارة وقاعدتها وأصالتها .

مسألة 5 : في الشك في الطهارة والنجاسة لا يجب الفحص، بل يُبنَى على الطهارة إذا لم يكن مسبوقاً بالنجاسة، حتى ولو أمكن حصول العلم بالحال في الحال.

لا شكّ في صحّة ما في المتن، فقد روى في التهذيب بإسناده عن الحسين(بن سعيد) عن حمّاد(بن عيسى) عن حريز عن زرارة قال : قلت أصاب ثوبي دمُ رُعافٍ أو غيره أو شيءٌ من منيّ، فعلَّمْتُ أثرَه إلى أن أصيب له الماء، فأصبتُ وحضرتِ الصلاةُ ونسيت أن بثوبي شيئاً وصَلَّيْتُ، ثم إني ذكرت بعد ذلك ؟ قال : ( تعيد الصلاة وتغسله ) ... قلت : فهل علَيَّ إن شككتُ في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال : (لا، ولكنك إنما تريد أن تُذهِبَ الشكَّ الذي وقع في نفسك) . أقول : هذه الرواية متصلة بأبي جعفر (عليهم السلام )  في كتاب علل الشرائع للصدوق طاب ثراه، فهي بالتالي صحيحة السند .
   ولك أيضاً أن تستدلّ ببراءة الذمّة من وجوب الفحص .
   أمّا إذا كانت حالته السابقة النجاسة فإنّ عليه أن يستصحب النجاسةَ بلا شكّ ولا خلاف.




[1]رواها في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة عن عمّار الساباطي، وهي موثقة السند ..
[2] رواها في الفقيه مرسلةً، ورواها في التهذيبين بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر(.أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله) عن أبيه(شيخ القميين ووجه الأشاعرة) عن حفص بن غياث(قال الشيخ في الفهرست له كتاب معتمد، وقال في العدّة "عملت الطائفةُ بما رواه فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافُه") عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام )، فهي بالتالي مصحّحة السند .
 [3]  وسائل الشيعة الشيخ الحر العاملي، ج 1، ص166، أبواب الأسآر من كتاب الطهارة، ب4، ح2، ط الاسلاميه.
[4] وسائل الشيعة الشيخ الحر العاملي، ج3، ص438، أبواب مكان المصلّي، ب13، ح6، ط الاسلاميه.
[5] وسائل الشيعة الشيخ الحر العاملي، ج3، ص439، أبواب مكان المصلّي،  ب14، ح6، ط الاسلاميه.