بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: عرق الجنب من الحرام طاهر

الحادي عشر : قيل بنجاسة عرق الجنب من الحرام، والصحيح طهارتُه.
قال السيد الخوانساري في جامع المدارك في قضية نجاسة عرق الجنب من الحرام : "عن الصدوقين والإسكافي والشيخين والقاضي القول بنجاسته، وربما نسب إلى المشهور بين المتقدمين، وعن الحِلّي والفاضلين ـ أي المحقّق والعلاّمة ـ وجمهور من المتأخرين القول بطهارته" (إنتهى) .
   أقول : لا بدّ من ذكر روايات المسألة ـ كما هي عادتنا ـ ثم ننظر ماذا تفيدنا فنقول : يوجد طائفتان في هذا الموضوع :
الطائفةُ الاُولى :
1 ـ روى الشهيد الأوّل الشيخ محمد بن مكي في (الذكرى) قال : (والشيخ نقل في الخلاف الإجماع على نجاسة عرق الحرام، وفي المبسوط : نسبه إلى رواية الأصحاب وقوّى الكراهية، ولعله لما رواه محمد بن همّام[1]بإسناده إلى إدريس بن يزداد الكفرتوتي (مهمل) أنه كان يقول بالوقف، فدخل سُرَّ مَن رأى في عهد أبي الحسن (عليه السلام) وأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب، أيُصَلّى فيه ؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره (عليه السلام) حرَّكَهُ أبو الحسن(الهادي) (عليه السلام) بمقرعة وقال مبتدئاً : ( إنْ كان من حلال فصَلِّ فيه، واِنْ كان من حرام فلا تُصَلِّ فيه )[2] )(إنتهى) .
   أقول : قد يُمنع من الصلاة فيه كما يُمنع من الصلاة في فضلات وأجزاء ما لا يؤكل لحمه، لكن هذا ليس دليلاً على النجاسة .
2 ـ وفي الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن (عليه السلام)ـ في حديث ـ أنه قال : ( لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا، ويغتسل فيه ولد الزنا، والناصب لنا أهل البيت وهو شرُّهُم ) مرسلة السند، وهي لا تفيد نجاسة عرق الجنب من الحرام .
3 ـ وفي الكافي عن الحسين بن سعيد ومحمد بن يحيى عن علي بن محمد بن سعد(مهمل) عن محمد بن سالم(بن أبي سلمة ضعّفوه) عن موسى بن عبد الله بن موسى(مهمل) عن محمد بن علي بن جعفر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)  ـ في حديث ـ فقال : ( .. كذبوا، يَغتسل فيه ـ أي في الماء الذي اغتسل فيه ـ الجنبُ من الحرام والزاني والناصبُ الذي هو شرهما وكلُّ مَن خَلَقَ اللهُ ثم يكون فيه شفاءٌ من العَين ؟! )[3] ضعيفة السند، وهي لا تدلّ على النجاسة .
4 ـ وعن ابن شهرآشوب في المناقب نقلاً من كتاب (المعتمد في الأصول) قال علي بن مهزيار أنه سأل ـ في حديث ـ الإمام الهادي (عليه السلام) عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقال : ( إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، وإن كان جنابته من حلال فلا بأس ) مرسلة السند .
5 ـ وقال في البحار بعد نقل هذا الخبر : وجدت في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء أصحابنا ( أظنه مجموع الدعوات لمحمد بن هارون بن موسى التلعكبري ) رواه عن أبي الفتح غازي بن محمد الطرائفي عن علي بن عبد الله الميمون عن محمد بن علي بن معمر عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي عنه (عليه السلام)  مثله وقال : ( إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال، وإن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام ) ضعيفة السند .
ـ وقال الشيخ الصدوق في المقنع : (واِنْ عرقت في ثوبك وأنت جنب حتى يبتل ثوبك فانضحه بشيء من ماء وصَلِّ فيه . وقال والدي رحمه الله في رسالته إلَيّ : إن عرِقْتَ في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من حلال، فحلال الصلاة فيه، واِن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه)(إنتهى)، وهي ليست رواية، ولكننا ذكرناها لأنهم كانوا يفتون بالروايات .
والطائفةُ الثانية :
1 ـ روى في التهذيبين بإسناده عن سعد بن عبد الله عن المنبه بن عبد الله(صحيح الحديث) عن الحسين بن علوان الكلبي[4] عن عمرو بن خالد(ط ق ظم)[5] عن زيد بن علي(جليل القدر عظيم المنزلة قُتِلَ في سبيل الله سنة 121 هـ) عن أبيه عن جَدّه عن عليّ (عليهم السلام) قال : سألت رسول الله (ص) عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما ؟ فقال : ( إنّ الحيضَ والجنابةَ حيث جعلهما اللهُ عز وجل، ليس في العَرَق، فلا يغسلان ثوبَهما )[6] موثّقة السند، وهي تفيدنا عدم لزوم الإجتناب عن عرق الجنب من الحرام .
2 ـ وروى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن (الحسن بن علي)ابن فضال(ثقة) عن (عبد الله)ابن بكير(فطحي إلاّ أنه ثقة) عن حمزة بن حمران[7] عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (لا يجنب الثوبُ الرجلَ، ولا يجنب الرجلُ الثوبَ ) مصحّحة السند من جهتين : الاُولى من جهة أنها من روايات الكافي التي لم يكذّب أحد رواة سندها، والثانية من جهة البناء على وثاقة حمزة، ويمكن البناء على صحّة المتن من جهة أنها من مرويّات أحد أصحاب الإجماع وهو ابن بكير .

  * فهل تعتمد على روايات الطائفة الاُولى أم على إطلاق روايات الطائفة الثانية ؟
   الجواب : لا شكّ أنّ مَن قال بنجاسته اعتمد على روايات الطائفة الاُولى من قبيل ( إنْ كان من حلال فصَلِّ فيه، واِنْ كان من حرام فلا تُصَلِّ فيه ) وهي روايات ضعيفة ولا تدلّ على النجاسة، ولا يوجد أيّ دليل يدلّ على النجاسة .
   ولكن مع كلّ ذلك ولاستفاضة الروايات في حرمة الصلاة في عرق الجنب من الحرام يجب الإحتياط في ذلك، ويصعب التمسّك بإطلاق روايات الطائفة الثانية، فإنه يبعد الإشتباه في نقل كلّ هذه الروايات أو الكذب فيها، ولكن مع ذلك لا يمكن القول بنجاسته، والظنّ الأقوى أنّ الصلاة فيه هو نحو كراهية شديدة واشمئزاز لا يناسبان الصلاة وعبادة الله جلّ وعلا .
   إذن لا بدّ من القول بطهارة عرق الجنب من الحرام سواء خرج حين الجماع أو بعده، من الرجل أو المرأة، وسواء كان من زنا أو من غيره كوطء البهيمة أو الإستمناء أو نحوها مما حرمته ذاتية، بل الأقوى ذلك في وطء الحائض والجماع في يوم الصوم الواجب المعين، أو في الظهار قبل التكفير .   
مسألة 1 : المجنب من حرام إذا تيَمَّمَ لعدم التمكن من الغسل فالظاهر لزوم عدم الصلاة في عرقه.
 تمسّكاً بإطلاقات الروايات السابقة .
مسألة 2 : الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام فالأحوط وجوباً عدم الصلاة في عرقه . كما أنّ الأحوط أمره بالغسل، إذ يصح منه قبل البلوغ على الأقوى.
لا شكّ أنّ الصبيّ المميّز يدرك أن ما يرتكبه هو حرام شديد الحرمة، فلا بدّ أن تشملَه الرواياتُ السابقة، لا سيّما أنّ مانعية الصلاة فيه هي من الأحكام الوضعية كالصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمُه .
   ثم إنّ الأحوط أمره بالغسل، إذ يصح منه قبل البلوغ على الأقوى تمسّكاً بإطلاقات غسل الجنابة، وهذا الحكم الوضعي لا ينافي رفع القلم عنه تكليفاً .



[1] الظاهر أنه البغدادي، وهو جليل القدر ثقة، كان في زمان الغيبة الصغرى ..
[2] ضعيفة السند ..
[3] وسائل الشيعة، ج1، ص158، أبواب الماء المضاف، ب11، ط الاسلاميه .
[4] ثقة، روى عن الصادق، وأخوه الحسن أخصّ بنا واَولى، وقال ابنُ عقدة إن الحسن كان اَوثق من أخيه . وفي الكشّي ـ بعد عدّ جماعة ـ : هؤلاء من رجال العامّة إلاّ أنّ لهم ميلاً ومحبّة شديدة، وقد قيل إنّ الكلبي كان مستوراً ولم يكن مخالفاً ..
[5] أي هو من طبقة الإمامين الصادق والكاظم عليهم السلام. هو من رجال العامّة، إلاّ أنّ له ميلاً ومحبّة شديدة، وهو من رؤساء الزيدية، قال الكشّي "وذَكَرَ ابن فضّال أنه ثقة" .أقول : لم أعرف من هو ابن فضّال هذا، إذ هو مردّد بين الحسن بن علي بن فضّالتوفِّيَ 224 هـ وولدِه عليّتوفّي 260 هـ، ولكيهما كتابٌ في الرجال، ولا يهمّنا شخصه بعد وثاقة كليهما، إذ كلاهما فقيهان ثقتان لا شكّ فيهما .
[6] وسائل الشيعة، ج2، ص1038، أبواب النجاسات، ب27، ح9 وغيره،. ط الاسلامية
[7] ابن أعيَن الكوفي، له كتاب روى عنه صفوان بن يحيى، وبالتالي يمكن توثيقه من هذا الباب ..