بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

مسألة 14 : إذا صلّى ثم شك في أنه اغتسل للجنابة أم لا فإنه يبني على صحة صلاته1، ولكن يجب عليه الغُسل للأعمال للآتية . ولو كان الشك في أثناء الصلاة بطلت، لكن الأحوط إتمامها ثم الإعادة.

أمّا بناؤه على صحّة عمله السابق فلقاعدة الفراغ المثبتة لصحّة الصلاة، وهي لا تثبت لوازم صحّة الصلاة وهو الغسل، وذلك لأنّ قاعدة الفراغ أصلٌ وليست أمارة تثبت اللوازم، نعم هي أصل محرِز لأنّ فيها جنبة كاشفيّة، المهم هو أنّ قاعدة الفراغ قاصرةٌ عن إثبات الغسل أيضاً، وبذلك افترقت قاعدة الفراغ عن قاعدة التجاوز بناء على كونهما قاعدتين، كما هو التحقيق، فإن مجرى الأولى الشك في صحة الموجود المعلوم الوجود، ومجرى قاعدة التجاوز هو الشك في أصل الوجود، وشرط الأولى حصول الفراغ البنائي، وشرطُ الثانية الدخولُ في أمر مرتب على المشكوك شرعاً . ووجه الفرق بينهما فيما نحن فيه : أن قاعدة الفراغ إنما تضمن دليلها صحة الموجود لا غير، والثانية تضمن دليلها ثبوت المشكوك بلحاظ جميع الآثار المترتبة عليه .
وهنا قال السيد محسن الحكيم ومَن بَعدَه ـ كالسيد الخوئي والسيد السيستاني ـ ما يلي ـ واللفظُ للسيد الحكيم ـ قال : "ثم إن ما ذَكَرَ المصنفُ في وجوب الغُسل مقتصِراً عليه يختص بما إذا لم يُحدِث بالأصغر بعد الصلاة، وإلا كان عليه الوضوء مع الغسل وإعادة الصلاة الاُولى ـ كالظهر مثلاً ـ لأنه لو اغتسل ثانيةً وصلّى العصرَ بلا وضوء فإنه يعلم ببطلان إحدى الصلاتين، لأنه إن كان قد اغتسل للظهر فإنه يحتاج في صلاة العصر ـ بَعد الحدث الأصغر ـ إلى الوضوء، فلو صلَّى بدونه بطلت العصر، وإن كان لم يغتسل للظهر فصلاته الأولى باطلة، وإن شئت قلت : إذا أحدث بالأصغر فإنه يعلم بأنه إمّا يجب عليه إعادة الصلاة السابقة أو الوضوء للصلاة اللاحقة، فيجب الجمع بينهما"(إنتهى) .
أقول : ما ذَكَرَه من لزوم إعادة صلاة الظهر خطأ واضح، وذلك لعدم منجّزيّة العلم الإجمالي المذكور بلحاظ صلاة الظهر بعدما صحّحها الشارعُ المقدّس بقاعدة الفراغ، وليس كلّ علم إجمالي منجّزاً للتكليف .

* ولو شَكّ أثناءَ الصلاة في أنه اغتسل ـ فيما إذا كان جنباً ـ أو لا وجب عليه تركُ الصلاة والإغتسال . وأمّا لو شكّ أثناء الصلاة في أنه توضّأ أو لا فالأحوطُ التوضّي ـ إن لم يقع في المنافي كالفصل البعيد بين الأجزاء ـ ثم متابعة الصلاة ثم إعادتها، وذلك لعدم وضوح جريان قاعدتَي التجاوز أو الفراغ في الأجزاء السابقة للصلاة، فإنه يحتمل جريانُ قاعدتَي الفراغ والتجاوز ويحتمل العدم، فبناءً على جريانهما يقوم فيتوضّأ ويتابع صلاته، وبناءً على عدم جريانهما تبطل صلاته .
ببيان أوضح : بما أنّ الشرط في الصلاة هو الطهارة المقارنة للأجزاء الحاصلة من الغسل أو الوضوء، فلم يثبت وجه للصحة لا بقاعدة التجاوز ولا بقاعدة الفراغ، وإن كان يحتمل ذلك، اَمّا قاعدة التجاوز فلأنه قد يصدق التجاوز بالنسبة إلى ما مضى من العمل، واَمّا قاعدة الفراغ فأيضاً يحتمل البناء على صحّة ما عمله .
ولا شكّ أن الأقوى هو البناء على صحّة الأعمال السابقة والتوضّي وإكمال الصلاة وذلك لما صرّحت به الروايات من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( إذا شكّ الرجل بعدما صلّى فلم يدرِ أثلاثاً صلّى أم أربعاً وكان يقينُه حين انصرف أنه كان قد أتمّ لم يُعِد الصلاةَ، وكان حين انصرف أقربَ إلى الحقّ منه بعد ذلك ) ورواية بُكَير بن أعيَن قال قلت له : الرجل يشكّ بعدما يتوضّأ ؟ قال : ( هو حين يتوضّأ أذكرُ منه حين يشكّ ) وقريب منهما صحيحة الفضيل بن يسار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)  : أستتمّ قائماً فلا أدري ركعتُ أم لا، قال : ( بلى قد ركعتَ، فامضِ في صلاتك، فإنما ذلك من الشيطان )[1]  [2]  [3]   [4] .
ومع ذلك الأحوط وجوباً هو الإتمام ـ للظنّ بجريان قاعدتَي الفراغ والتجاوز، فيقوم ويتوضّأ ثم يتابع صلاته من حيث انتهى ـ ثم الإعادة، وذلك لاحتمال عدم جريانهما .

تابع للأبحاث السابقة

ـ وقال السيد محسن الحكيم في مستمسكه : (حَكَى الشهرةَ المذكورةَ جماعةٌ، بل عن كنز العرفان (دعوى الإجماع على النجاسة بعد غليانه واشتداده، وأما بعد غليانه وقبل اشتداده فحرامٌ، اِجماعاً مِنّا، وأمّا النجاسة فعند بعضنا : أنه نجس، وعند آخرين : أنه طاهر)، وفي مجمع البحرين (هو نجس حرام، نُقِل عليه الإجماع)، وعن أطعمة التنقيح الإتفاق على أنه بحكم المسكر .
وكيف كان فمستند النجاسة إمّا الإجماعات المذكورة، أو ما دلَّ على نجاسة المسكر ـ بناء على أنه منه ـ كما عن العلامة الطباطبائي بحر العلوم(صاحب كتاب الرجال المعروف) وغيره ـ أو الأخبار الدالّة على أن الخمر من خمسة أو ستة ـ وعَدَّ منها العصيرَ من الكرم ـ بضميمة ما دل على نجاسة الخمر، أو الأخبار المتضمنة لنزاع آدم ونوح عليهما السلام مع إبليس لعنه الله تعالى ـ كما عن التنقيح[5]الإستدلالُ بها على النجاسة ـ وقد تضمنت هذه أن الثُلث لآدم ونوح عليهما السلام، والثلثين لإبليس لعنه الله، أو مصححة معاوية بن عمار المروية في التهذيب قال : سألت أبا عبد الله: عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبُخْتَجْ ويقول : قد طبخ على الثلث، وأنا أعرف أنه يشربه على النصف، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف ؟ فقال (عليه السلام) : (خمر، لا تشربه .. )[6][7].
لكن الجميع لا يخلو من اِشكال، أمّا الإجماعات، فهي معارَضة بما عن الذكرى، فإنه ـ بعدما حكى القول بالنجاسة عن ابن حمزة والمحقق، وحَكَى توقف العلامة في النهاية ـ قال: (ولم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة) وفي مفتاح الكرامة فإنه ـ بعدما حكى عن المختلف نسبة النجاسة إلى أكثر علمائنا كالمفيد والشيخ والسيد وأبي الصلاح وسلار وابن إدريس ـ قال : (ولعله ظفر به في كتبهم ولم نظفر به) ـ وهذا إشارة واضحة إلى التشكيك في صحّة نقل كتاب المختلف ـ وفي مستند الشيعة للنراقي قال : "الذي يظهر لي أن المشهور بين الطبقة الثالثة ـ يعني طبقة متأخري المتأخرين ـ الطهارة، وبين الثانية ـ أي المتأخرين ـ النجاسة، وأما الاُولى ـ يعني القدماء ـ فالمصرِّح منهم بالنجاسة إما قليل أو معدوم"(إنتهى) . وسلاّر هو الشيخ الفقيه أبو يعلى سلاّر (أو سالار) بن عبد العزيز الديلمي .
ـ وقال السيد الخوئي في التنقيح : (العصير على ثلاثة أقسام : العنبي والتمري والزبيبي، أما العصير العنبي ففي نجاسته بالغليان قبل أن يذهب ثلثاه قولان معروفان في الأعصار المتأخرة : أحدهما أنه ملحق بالخمر من حيث نجاسته وحرمته، وذهاب الثلثين مطهر ومحلل له، وثانيهما أنه ملحق بالخمر من حيث حرمته فحسب، فذهابُ ثلثيه محلِّلٌ فقط)(إنتهى) .



[1] وسائل الشيعة، ج4، ص936، أبواب الخلل، ب27، ح1، ط الاسلاميه .
[2] وسائل الشيعة، ج4، ص936، أبواب الخلل، ب27، ح2.، ط الاسلاميه
[3] وسائل الشيعة، ج4، ص936، أبواب الخلل، ب27، ح3.، ط الاسلاميه
[4] لعلّك تذكر بأنّ قاعدة الفراغ ناظرةٌ إلى الشكّ في صحّة العمل، وقاعدةُ التجاوز ناظرةٌ إلى الشكّ في أصل الوجود، وهاتان القاعدتان هما  أصول عملية محرزة .
[5] هو كتاب التنقيح الرائع لمختصر الشرائع للفقيه المتبحر والأصولي المتكلم جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلي المعروف بـ الفاضل المقداد السيوري الحلي  المتوفّى سنة 826 هـ ق الذي هو شرح لكتاب مختصر شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي المعروف بـ المختصر النافع وهو أيضاً للمحقّق الحلّي المتوفّى سنة 676 هـ رحمهما الله تعالى ..
[6] وسائل الشيعة، ج17، ص234، ب7 من أبواب الأشربة المحرّمة، ح4،. ط الاسلاميه
[7] وهذا سندها : الكافي : محمد بن يحيى عن أحمد بن محمدبن عيسى عن محمد بن إسماعيلبن بزيع عن يونس بن يعقوبثقة عن معاوية بن عمّار . لكنهم رووها في الكافي وفي بعض نسخ التهذيب من دون كلمة خمر، وهو سند صحيح، وتكملةُ الرواية : قلت : فرَجُلٌ من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث، ولا يستحله على النصف، يخبرنا أن عنده بُخْتَجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقيَ ثلثُه، يُشرب منه ؟ قال : . نعم، ولا نشكّ أنّ جواز الأخذ بقوله منشؤه خبر ذي اليد وإن كان عامّيّاً، أمّا ذاك الذي نهى الإمامُ عليه السلام عن شربه، وبالتالي لم يصدّقه، فالظاهر أنّ شربه له قبل ذهاب الثلثين أمارة أنه لا يهتمّ بدين الله، فلا يبعد أنه يكذب .