بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/02/28

بسم الله الرحمن الرحیم

التاسع : قيل بنجاسة الخمر، والصحيح طهارتُه، إنما حرّم اللهُ شربَه ولم يحرّمِ الصلاةَ فيه1 .
1 قال السيّد الحكيم في مستمسكه في تعليقته على العروة في مسألة ( من النجاسات : الخمر، بل كل مسكر مائع بالأصالة ) قال : على المشهور شهرة عظيمة، بل عن جماعة الإجماع عليه صريحاً أو ظاهراً منهم السيدان والشيخ والمحقق، بل الظاهر أنه إجماع في جملة من الطبقات، إذ لم يُنقل الخلاف إلاّ عن جماعة من القدماء كالصدوق وأبيه في الرسالة، والجعفي وابن أبي عقيل العماني وجماعة من متأخري المتأخرين أولهم المقدس الأردبيلي وتبعه عليه جماعة ممّن تأخر عنه، وعن الحبل المتين أنه قال : ( أطبق علماء الخاصة والعامة على نجاسة الخمر إلاّ شِرذمة منّا ومنهم لم يعتدَّ الفريقان بمخالفتهم ... ) انتهى .
أمّا العامّة فالمشهور جداً عندهم نجاسةُ الخمر، إلاّ أن سلاطينهم وأمراءهم كانوا يشربون الخمر .
على أي حال لننظر إلى الروايات الواردة في المقام ـ بعد عدم وجود آية قرآنية تدلّ على نجاسة الخمر ـ فمن أهمّ روايات النجاسة ما يلي :
1 ـ محمد بن الحسن في تهذيبيه بإسناده ـ الصحيح ـ عن سعد(بن عبد الله) عن (شيخه)أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام ) ـ وأنا حاضر ـ إني أعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليّ، فأغسله قبل أن أصلي فيه ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام )  : ( صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه )[1] صحيحة السند، ببيان أن الإمام(عليه السلام ) أقرّه على ارتكازه بنجاسة الخمر .
ورواها في التهذيبين أيضاً بإسناده ـ الصحيح ـ عن علي بن مهزيار عن فضالة(بن أيوب) عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام )  عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري أو يشرب الخمر، فيردّه، أيصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ قال(عليه السلام ) : ( لا يصلي فيه حتى يغسله )[2] صحيحة السند .
2 ـ وفي التهذيب بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن(بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد عن مصدّق(بن صدقة) عن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام ) من قوله : ( .. ولا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل )[3] موثقة السند .
3 ـ ما رواه في الكافي عن (شيخه)محمد بن يحيى(العطار) عن (شيخه)أحمد بن محمد(بن عيسى) عن (الحسن)بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام ) عن آنية أهل الذمة والمجوس ؟ فقال : ( لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر )[4] صحيحة السند .
4 ـ روى في الكافي والتهذيب : محمد بن يعقوب بإسناده عن علي بن مهزيار وعن محمد بن يحيى عن (شيخه)أحمد بن محمد(بن عيسى) وعن علي بن محمد[5] عن سهل بن زياد عن علي بن مهزيار قال :  قرأت في كتاب عبد الله بن محمد[6] إلى أبي الحسن (عليه السلام ) : جعلتُ فداك، روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام ) في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا : ( لا بأس بأن يصلي فيه، إنما حُرِّم شربها )، ورُوي عن[7] زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام )  أنه قال : ( إذا أصاب ثوبَك خمرٌ أو نبيذ ـ يعني المسكر ـ فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلَّه، وإن صليت فيه فأعد صلاتك، فأعلمني ما آخذ به ؟ فوقّع(عليه السلام ) بخطّه وقرأته : ( خذ بقول أبي عبد الله (عليه السلام ) )  ضعيفة السند لجهالة عبد الله بن محمد .
5 ـ وروى أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الإحتجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام ) ـ في حديث ـ أن زنديقاً قال له : لِمَ حَرَّمَ اللهُ الخمْرَ ولا لَذَّةَ أفضل منها ؟ قال : ( حَرَّمَها لأنها أم الخبائث ورأس كل شرّ، يأتي على شاربها ساعةٌ يُسلَبُ لُبُّه فلا يَعرف ربَّه .. )[8]  [9]وهي مرسلة السند جداً، وهي غير واضحة في النجاسة .
6 ـ وفي الكافي : محمد بن الحسن(بن فرّوخ الصفّار القمّي ثقة عظيم القدر) عن بعض أصحابنا عن إبراهيم بن خالد(العطّار له كتاب، مجهول الوثاقة، لكن يروي عنه عبيد الله بن أحمد بن نهيك العالم الكبير الثقة) عن عبد الله بن وضاح(ثقة) عن أبي بصير(يحيى بن القاسم) عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث النبيذ ـ قال : ( ما يَبِلُّ المِيلَ يُنَجّسُ حُبّاً من ماء ) يقولها ثلاثاً[10]والحُبّ هي الخابية، أي الجَرَّة الكبيرة، وهي مرسلة السند .

* ومن أهم روايات الطهارة ما يلي :
1 ـ روى في التهذيب بإسناده ـ الصحيح ـ عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله البرقي(محمد بن خالد) عن محمد بن أبي عمير عن الحسين (الحسن ـ خ) بن أبي سارة قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)  : إنْ أصاب ثوبي شيءٌ من الخمر أصلّي فيه قبل أن أغسله ؟ قال : ( لا بأس، إن الثوب لا يسكر )، لا بأس بسندها لكون الراوي عن ابن أبي سارة هو محمد بن أبي عمير الذي شهد الطوسي بأنه لا يروي إلاّ عن ثقة .
ورواها في التهذيب أيضاً بإسناده السابق عن (عبد الله)بن بكير عن صالح بن سيّابة عن الحسين (الحسن ـ خ) بن أبي سارة قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)  : إنّا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون، فيمرّ ساقيهم فيصبّ على ثوبي الخمر ؟ فقال : ( لا بأس به، إلاّ أن تشتهيَ أن تغسله لأثرهموثقة السند بناءً على تصحيح روايات أصحاب الإجماع، وعبد الله بن بكير منهم .
2 ـ وفي التهذيب أيضاً بإسناده ـ الصحيح ـ عن سعد(بن عبد الله) عن (شيخه)أحمد بن محمد(بن عيسى) عن الحسن بن علي بن فضّال عن عبد الله بن بكير قال : سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) ـ وأنا عنده ـ عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب ؟  قال : ( لا بأس ) موثقة السند لكون عبد الله بن بكير فطحياً .
3 ـ محمد بن علي بن الحسين في الفقيه قال : سُئل أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهم السلام) فقيل لهما : إنّا نشتري ثياباً يصيبها الخمر وودك[11] الخنزير عند حاكتها، أنصلّي فيها قبل أن نغسلها ؟ فقالا : ( نعم، لا بأس، إنما حرّم الله أكله وشربه، ولم يحرّم لبسه ومسّه والصلاة فيه ) معتبرة السند، إذ فرقٌ بين قوله أحياناً ( روي ) وقوله أحياناً أخرى ( قال الصادق (عليه السلام)  )، ولا سيما أنه قال في مقدمة كتابه إنه أخذ رواياته من الكتب التي إليها المرجع وعليها المعول، وأنه إنما يذكر الروايات التي يفتي بها وما هي حجة بينه وبين ربّه، كل هذا يؤكد أن هكذا روايات هي من الوضوح سنداً بحيث لا تحتاج إلى ذكر السند وإلاّ لما جزم وقال : ( قال الصادق )، وخبر الثقة حجّة فيما يُحتمَل أن يكون مستنداً إلى الحسّ، وهكذا روايات مظنونة الإستناد إلى الحسّ .
* ثم بعد كتابة هذه الكلمات السابقة وجدتُ سندَ الشيخ الصدوق لهذه الرواية في العلل وهو : أبي رحمه الله عن سعد(بن عبد الله) عن محمد بن الحسين(بن أبي الخطاب) وعلي بن اسماعيل ويعقوب بن يزيد كلهم عن حماد بن عيسى عن حريز عن بكير(بن أعين) عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعن أبي الصباح(الكناني) وأبي سعيد والحسن النبّال عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله، وهو سند صحيح جداً .
4 ـ وروى عبد الله بن جعفر الحِمْيَري القمّي(من أعلام القرن الثالث الهجري) في قرب الإسناد عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلّي فيه ؟ قال : ( صلِّ فيه، إلاّ أن تَقذَّره فتغسل منه موضع الأثر، إنّ الله تعالى إنما حرّم شربها ) صحيحة السند .
5 ـ وفي التهذيبين بإسناده عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين(بن أبي الخطاب) عن أيوب بن نوح عن صفوان(بن يحيى) عن حمّاد بن عثمان(بن عمرو بن خالد الملقب بالناب) عن الحسين بن موسى الحنّاط (الخيّاط ـ خ) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)  عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجّه مِن فِيه فيصيب ثوبي ؟ فقال : ( لا بأس ) صحيحة على مبنيين : الأول على أساس تصحيح روايات أصحاب الإجماع وحمّاد منهم، والثاني على أساس وثاقة من يروي عنه أحد الأجلاء الثلاثة والحسين بن موسى هذا يروي عنه البزنطي بسند صحيح وابن أبي عمير .
6 ـ وفي التهذيب والكافي : محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن يحيى(شيخ الكليني) عن (شيخه)أحمد بن محمد(بن عيسى) جميعاً عن (عبد الله بن محمد)الحجّال عن ثعلبة(بن ميمون) عن حفص الأعور قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)  : الدَنّ تكون فيه الخمر ثم يجفّف، يجعل فيه الخل ؟ قال : ( نعم )[12]، وحفص الأعور مجهول، إلاّ أن الرواية تصحّح بناءً على تصحيح روايات الكافي، ولم ينبّه (عليه السلام) على لزوم تطهيره .
ورغم مراجعتي في الروايات لم أجد رواية صحيحة واحدة تصرِّح بنجاسة الخمر، إنما فيها الأمر بغسل الثوب منه، مما يعيّن علينا الجمعَ بين الطائفتين باستحباب الغسل، ولا سيما بعد تصريح موثقة ابن أبي سارة السابقة ( إلاّ أن تشتهيَ أن تغسله لأثره ) ومثلُها صحيحةُ علي بن رئاب السابقة ( صلِّ فيه، إلاّ أن تَقذَّره فتغسل منه موضع الأثر، إنّ الله تعالى إنما حرّم شربَها )، ولا تصل النوبة إلى الترجيح بمخالفة العامّة . لا، بل هناك روايات من الطائفة الاُولى يصعب الإستدلال بها على نجاسة الخمر .



[1] وسائل الشيعه، ج2، ص1095، أبواب النجاسات، ب74، ح1 .
[2] وسائل الشيعه، ج2، ص1095، أبواب النجاسات، ب74، ح2.
[3] وسائل الشيعه، ج17، ص302، أبواب الأشربة المحرمة، ب35، ح2.
[4] وسائل الشيعه، ج16، ص385، أبواب النجاسات، ب73، ح2.
[5] بن بندار، ظاهراً لأنّ الكليني يروي عنه كثيراً .
[6] مردّد بين القليل من الثقاة والكثير من المجاهيل .
[7] في هامش نسخة مخطوطة (غير) بدل (عن) .
[8] وسائل الشيعه،ج17، ص 253، أبواب الأشربة المحرّمة، ب12، ح11..
[9] ورواها في الإحتجاج تحت عنوان (فيما احتجّ الصادق عليه السلام على.
 الزنديق) ص 79 .
[10] وسائل الشيعه، ج2، ص1056، أبواب النجاسات، ب38، ح6.
[11] أي شحمه ( مجمع البحرين 5 : 297.) .
[12] تجد كل هذه الروايات في جامع أحاديث الشيعة، ج2، ص1057، أبواب النجاسات ب 7، وفي ئل أكثرها في بابي 38 و 39 من أبواب النجاسات .