بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/01/22

بسم الله الرحمن الرحیم


هنا ينبغي إثارةُ البحث في نجاسة طبيعي الدم كأصلٍ في المقام بحيث يُرجَعُ إليه في مواضع الشكّ فنقول :
قد يُستدَلّ على نجاسة طبيعي الدم بما رواه في التهذيب باسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن(بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد(الساباطي) عن مصدّق بن صدقة(المدائني) عن عمّار(بن موسى) الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عمّا تشرب منه الحمامةُ فقال : ( كلّ ما اُكِل لحمُه فتوضّأ من سؤره واشرب ) . وسُئِل عن ماءٍ شَرِبَ منه بازٌ أو صقرٌ أو عقاب فقال : ( كلّ شيء من الطير يُتوضّأ ممّا يَشرب منه إلاّ أن تَرى في منقاره دماً، فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه ولا تشرب )[1] موثّقة السند، وذلك ببيان أنها تفيد أصالةَ نجاسة الدم حتى يثبت تخصيصٌ يُخرِجُ بعضَ أفرادِه عن هذا العموم، أو قلْ : إنها تفيد أصالةَ نجاسة الدم لعدم استفصال الإمام (عليه السلام) عن نوع الدم، على أنه لا وجه للنهي عن التوضّي منه وعدم الشرب إلاّ نجاسة الدم، بل قد يُدّعَى أصالةُ نجاسة الدم عند المتشرّعة وفي مرتكزاتهم، إذ تلاحِظ من الأسئلة في الروايات أنهم كانوا يسألون الأئمة (عليهم السلام) عن (الدم) يقع في البئر أو يكون على لباس المصلّي ونحو ذلك، ولا يقيّدون السؤال بنوع خاص من الدم، ممّا يعني أنّ أصالة نجاسة مطلق الدم كان أمراً مرتكزاً بوضوح بحيث لا يحتاج إلى تقييد بنوع خاص منه، ثم وردت بعض التخصيصات في بعض أفراد الدم وهي دم غير ذي النفس السائلة كدم السمك والبراغيث .

   أقول : هذا التقريب غريب من جهات :
   أوّلاً : إنّ الدمَ الذي يكون على منقار الباز ونحوِه من الجوارح يكون عادةً من دم المَيتة أو من الدم المسفوح ـ أي ليس فقط من الدم الطاهر المتبقّي في الذبيحة ـ فإنّ الجوارح من الطير لا تذكّي الحمامَ والأرنبَ والدجاجَ إذا اصطادتها، فتأكلها ميتةً حتماً، ويندر أن يأكل الصقر أو البازُ السمكَ ويكون الدم على منقاره من دم السمك ! أو يكون على منقاره من الدم المتخلّف في الذبيحة ـ الذي هو طاهر ـ فمن الطبيعي ومن الاُمور العقلائية جداً أن يقول الإمام (عليه السلام) ( إن رأيتَ في منقار الباز ونحوِه دماً فلا تتوضّأ منه ولا تشرب ) وذلك لأنّ هذا الدم غالباً أو دائماً هو دم ميتة، ولا دخل لهذا الكلام بقاعدة أصالة النجاسة في الدم .
   ثانياً : إنّ الدم نوعان نجس وطاهر تكويناً، إذن يوجد علمٌ إجمالي في المقام، ولا معنى للقول بأصالة النجاسة في الدم، فإنّ الأصالات لا تجري إلاّ في موارد الشكّ البدْوي ـ لا الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي ـ كالشكّ في طهارة ذرق الجوارح من الطير فنقول بأصالة الطهارة حتى تثبت النجاسة، وكالشكّ في نجاسة الجُبن الموجود في الأسواق، فنُجري أصالة الطهارة فيه، وهكذا .
   ثالثاً : ليس الإمام (عليه السلام) هنا في مقام إفادة أصالة النجاسة في الدم، وإنما هو في مقام القول بأنك إن رأيتَ في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه ولا تشرب، وإن لم ترَ فتوضّأ منه واشرب، فلا يمكن التمسّكُ بإطلاق كلمة (دم) في قوله (عليه السلام) ( فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه ولا تشرب ) للقول بأصالة النجاسة في الدم، فإنّ الإمام ليس في مقام البيان من هذه الناحية .
   رابعاً : لا يصحّ القول بنجاسة الدم ـ بنحو مطلق ـ واقعاً، وذلك لوجود منشأ للحكم بالطهارة والنجاسة وهو نوع الدم تكويناً، كما لا يصحّ أن يقال الأصل في الإنسان أن يكون رجلاً أو أبيض أو عامّياً ـ لا هاشمياً ـ ..
  * ولذلك يجب الرجوع إلى أصالة الطهارة في الدم المشكوك كونه نجساً، ولا يوجد أيّ معارِض لهذا الأصل، أي لا يوجد عندنا آية أو رواية تقول الدم ـ بنحوٍ مطلق ـ نجس، ولا يوجد إجماع على أصالة نجاسته .





[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج2، ص1100، أبواب النجاسات، باب82، ح2، ط الإسلامية. .