الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:حكم النظر إلى الأجنبية:

الأدلة في المقامهناك نوعان من الأدلة يمكن الاستدلال بهما: الدليل العقلي والدليل النقلي.أما الدليل العقلي فهو قاعدة الأهم والمهم وأما الدليل النقلي فهو الروايات والأخبار.قاعدة الأهم والمهم:بما أن جميع موارد الاستثناء من حرمة النظر واللمس، لها ملاك واحد ، وهو الحاجة إلى النظر واللمس بشکل أهم، فقاعدة الأهم و المهم تقتضي ذلك بحکم العقل استقلالا، ويصح الاستدلال به على ذلك.اعلم أن القاعدة من القواعد العقلية التي يحكم بها العقل محضا، أي إن العقل يحكم بأن هذا أهم من ذاك، وتقديمه علی ذلك بلا مانع يمنعه، بل يجب تقديمه عليه.و بما أنها قاعدة عقلية ، دل عليها صريح العقل وعليها بناء العقلاء. ثم اعلم أن جميع الموارد التي يشملها الدليل كالمعالجة والشهادة والبيع و غيرها من مصاديق الأهم والمهم.أي إذا دار الأمر مثلا بين الاجتناب عن اللمس ونظر الحرام إلى الأجنبي، و بين استنقاذ المخالف عرياناً أو مستلزماً للنظر واللمس، فالعقل يحكم بأن الأول مهم والثاني أهم و يجب تقديم الأهم.ولو دار الأمر بين أن نجتنب اللمس والنظر الحرام و بين معالجه المرض بواسطة المخالف الأجنبي والأجنبية إذا لم تمکن المعالجة بالمماثل أو بواسطة المماثل، فالعقل يحكم لنا بأن الأول مهم والثاني أهم يجب تقديمه.وکذا إذا دار الأمر بين الاجتناب عن النظر إلى الأجنبية و بين النظر لمريد النكاح، وکذا إذا دار الأمر بين الاجتناب عن النظر إلی الأجنبي والأجنبية و بين النظر لمريد البيع حين البيع لمعرفة المشتري إذا اقتضت الضرورة العرفية.وکذا إذا دار الأمر بين اجتناب غيبة المسلم والمؤمن وبين المشورة لأمر مهم يستلزم المعرفة التفصيلية بمورده.وکذا إذا دار الأمر بين الاجتناب عن الكذب الحرام و بين ارتكاب الكذب لإصلاح ذات البين.و هکذا ساير الموارد التي كانت بين الأهم والمهم في نظر العرف، کل يحكم العقل بامتثال الأهم وترك المهم.ولا ريب في حکم العقل علی کبری هذه القضية العقلية، وهذا الحكم مما لا ينکره عاقل بل يشهد بصحتها، وإذا اشتبه الأمر ووقع الشك من أحد في هذه القضية، فالشك في تشخيص صغری أنها الجزئية.وهذه قاعدة عقلية قطعية مسلّمة مؤيدة بالكتاب والسنة، و هی أقوی دليل علی ذلك.و أما من الدليل النقلي فهناك طوائف من الأخبار:

الطائفة الأولی: الأخبار المطلقة الرافعة بإطلاقها للتکليف عن المضطر في مقام الاضطرار

1 - وبالإسناد عن سماعة قال : سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينتزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة : أربعين يوما أو أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام إلا إيماء وهو على حاله؟

فقال : لا بأس بذلك ، وليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه. [1]

لا ريب في أن المراد من الإسناد ، إسناد الشيخ إلی سماعة بن مهران.و فيه نكتتان:

الأولی: لم يرد في الخبر ذکر المعصوم، بل أورده مضمراً، ولکن يمکن أن يقال أن سماعة رواه عن الصادق ×لأن الصدوق رواه عن سماعه عن الصادق وهو يؤيد أن هذا أيضا منه ، و بهذا يستظهر اعتباره سنده.

الثانية: دلالتها علی المطلوب أيضا واضحة، لأنه ذکر الكبرى الكلية في ذيل الخبر بعنوان التعليل وهو يثبت المدعی.

2 - محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا فيسجد عليه ؟

فقال : لا إلا أن يكون مضطرا ليس عنده غيرها وليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه [2] .

سنده معتبر ، و إن قيل فيه ضعف، لأن فضالة مشترك بين جماعة، و لکن يمکن أن يدفع عنه الاعتراض ، ويحكم بأن فضالة هو فضالة بن أيوب الأزدي بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه.ودلالته علی المدعی أی الكبرى الكلية واضحة و صريحة فيه.

3 - وعن سماعة عن أبي عبد الله قال : إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره واضطر إليه، وقال : ليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه.[3]

دلالته علی المطلوب واضحة، وسنده أيضا كسابقه.

4 - زيد النرسي في أصله : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ، أنه قال في حديث : " وما حرم الله حراماً فأحله إلا للمضطر، ولا أحل الله حلالاً قط ثم حرمه [4]

فتحصل مما سبق أننا إذا تأملنا في أخبار هذه الطائفة أي الأخبار الدالة علی العموم، ظهر لنا أنها فوق خبر الواحد وإذا بلغ الخبر حد الاستفاضة لا بحث لنا في سنده ، بل نزلناه منزله المعتبر ودلالتها أيضا تامة لا يرد عليها شيء، فعلى هذا دلالة هذه الطائفة علی المطلوب تامة.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص483، أبواب أبواب القيام، باب1، ح7، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص690، أبواب كتاب الايمان، باب12، ح18، ط الإسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج4، ص137، أبواب القيام، ب1، ط الإسلامية.
[4] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج12، ص259.