الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:حكم النظر إلى الأجنبية

مسألة 22: يستثنى من حرمة النظر واللمس في الأجنبي والأجنبية مقام المعالجة إذا لم يمكن بالمماثل كمعرفة النبض إذا لم تمكن بآلة نحو الدرجة وغيرها، والقصد والحجامة وجبر الكسر ونحو ذلك ومقام الضرورة، كما إذا توقف استنقاذه من الغرق أو الحرق على النظر واللمس، وإذا اقتضت الضرورة أو توقف العلاج على النظر دون اللمس أو العكس اقتصر على ما اضطر إليه، وفيما يضطر إليه اقتصر على مقدار الضرورة، فلا يجوز الآخر ولا التعدي.[1]

تمهید فی عنوان البحث لما فرغ السید الماتن من إيراد البحث في مسألة النظر واللمس من الأجنبي و الأجنبیة، والقول بعدم جوازهما، بدأ بذكر مستثنیاتها واستثنی منهما مقامین وانحصر البحث فیهما: الأول: مقام الضرورة. والثاني: مقام المعالجة.

ویحتمل أن یستفاد من عبارة الماتن مقاماً ثالثاً وهو مقام الاضطرار حیث ذکر فی ضمن المسألة (اقتصر على ما اضطرّ إليه، وفيما يضطر إليه اقتصر على مقدار الضرورة) ویحتمل أن یکون مراده مرادفاً للضرورة وليس مقاماً آخر في الاستثناء.

ولکن بعض الفقهاء الأعاظم كالسيد اليزدي في العروة ذكر أربعة موارد و زاد مقامین آخرین وهما مقام معارضة كل ما هو أهم في نظر الشارع ومقام الشهادة.و بعض آخر غیّر العنوان في البحث وجعل عنواناً آخر کالشهید الثاني في المسالك والعلامة الحلي في التذكرة ج2 ص573، حیث عنونا المستثنیات من الحرمة بعنوان مقام الحاجة وذكرا في ذیله أمثلة كثیرة کإرادة النكاح وإرادة الشراء الذي یحتاج إلى معرفة المشتري والبائع، ومقام الشهادة والمعالجة وغیرها.لأنه إذا أراد الفقيه أن يحصي موارد الاستثناء فموارده كثيرة جداً.

منها: المرض، فيجوز للطبيب أن ينظر إلى عورة الأجنبيّة فضلا عن سائر مواضع جسدها.

منها: ما تقدّم من جواز النظر إلى من يراد تزويجها أو شراؤها.

منها: أداء الشهادة على المرأة، وتحمّل الشهادة عليها.

منها: توقف إنقاذها من مهلكة أو مضرّة على النظر.

منها: النظر إلى فرج الزانِيَيْن، ليشهد عليهما بالزنا عند الحاكم.

منها : لو دعت الحاجة إلى شهادة الرجال بالولادة، فقد جوّز النظر حينئذ إلى فرج المرأة لتشهد بالولادة.

و منها: ما لو كانت المنظورة عجوزة قد يئست من النكاح لكبر سنّها، وليست مظنّة للشهوة.

و منها : ما لو كانت المنظورة غير بالغة و زائل في بعض العبادات:

منها : النظر إلى الثدي للشهادة على الرضاع.

منها: معارضة كل ما هو أهم في نظر الشارع مراعاته من مراعاة حرمة النظر أو اللمس.

فلذلك نحن نعتقد أن ما فعله الشهید والعلامة في عنوان البحث أولى وأجمل، لأنك لو تأملت في مواردها، یظهر لك أن کل المستثنیات من الحرمة هي من مصادیق الحاجة والضرورة ویندرج تحت قاعدة الأهم والمهم، ولا يحتاج إلى ذکر عناوین متعددة كي یوجب ترك بعض مصاديقهما وذكر بعض آخر.فالأولى في هذا المقام أن يجعل العنوان في مستثنيات حكم النظر واللمس (موارد تعارض الأهم والمهم) ثم يذكر الموارد.

 

الأقوال في المسالة:الظاهر أن المسالة إجماعیة لا مخالف فیها وإلیك نصوص بعض کلمات الفقهاء:قال المحقق في الشرائع:

و يجوز عند الضرورة كما إذا أراد الشهادة عليها ويقتصر الناظر منها على ما يضطر إلى الاطلاع عليه كالطبيب إذا احتاجت المرأة إليه للعلاج و لو إلى العورة دفعا للضرر[2]

قال الشهید الثاني:قد عرفت أن موضع المنع من نظر كل من الرجل والمرأة إلى الآخر مشروط بعدم الحاجة إليه ، أما معه فيجوز إجماعاً.

وقد تقدم من مواضع الحاجة النظر إلى من يريد نكاحها أو شراءها ، ومنها إرادة الشهادة عليها تحمَّلا أو أداء، وللمعاملة ليعرفها إذا احتاج إليها، وللفصد والحجامة وما شكلهما من الطبيب ونحوه حيث يحتاج إلى شيء منه، ويختص الجواز في الجميع بما تندفع به الحاجة ، ففي مثل الشهادة يكفي نظر الوجه، واستثناؤه حينئذ من المنع على تقدير القول به مطلقا ، أو مع افتقاره إلى التكرار ، أو بغير كراهة ، أو مع الحاجة إلى الزيادة عليه لو فرض . وفي مثل الطبيب لا يختص بعضو معين ، بل بمحل الحاجة ولو إلى العورة . وكما يجوز النظر يجوز اللمس هنا حيث يتوقف عليه . ولو أمكن الطبيب استثابة امرأة أو محرم أو الزوج - قي موضع العورة - في لمس المحل ووضع الدواء وجب تقديمه على مباشرة الطبيب. والأقوى اشتراط عدم إمكان المماثل المساوي له في المعرفة أو فيما تندفع به الحاجة . ولا يشترط في جوازه خوف فساد المحل ، ولا خوف شدة الضنى ، بل المشقة بترك العلاج ، أو بطوء البرء[3]

 

وقال العلامة الحلي:

القسم الثاني أن يكون هناك حاجة إلى النظر فيجوز إجماعا كمن يريد نكاح امرأة فإنه يجوز له النظر إلى وجهها وكفيها على منا تقدم وكذا لمن يريد شراء جارية فإنه يجوز له النظر إليها والى جسدها من فوق الثياب ومكشوفة للحاجة إلى التطلع إليها لئلا يكون فيه عيب فيحتاج إلى الاطلاع عليه وكذا إذا عامل امرأة ببيع أو غيره أو يتحمل شهادة عليها جاز له النظر إلى وجهها ليعرفها عند الحاجة ولا ينظر إلى غير الوجه لزوال الضرورة به وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة كلفت الكشف عن وجهها عند الأداء وكذا يجوز النظر واللمس للمفصد والحجامة ولمعالجة العلة ويجوز للطبيب النظر إلى فرج المرأة للمعالجة مع الحاجة ولا يشترط في جواز نظره خوف فوات العضو بل المشقة بترك العلاج خلافاً لبعض الشافعية ولا خوف شدة الضناء خلافا لبعضهم وينبغي أن يكون ذلك بحضور محرم وهل يشترط عدم امرأة يعالج وفي جواز نظر المرأة إلى الرجل لأن لا يكون هناك رجل يعالج نظر. [4]

قال صاحب الجواهر:

إذ لا ريب في أنه يجوز عند الضرورة نظر كل من الرجل والمرأة إلى الآخر ولمسه، بل وغيرهما مما تقتضي الضرورة به.[5]

 

فتلخص مما ذکرناه من أقوال أصحابنا الإمامیة أن المسألة کما قلناه آنفا إجماعية لا مخالف فيها في البین، حتى أن العامة أيضاُ موافقون في أصل المسالة وصرحوا بذلك في فتاواهم .

قال ابن قدامة فی المغنی: ( فصل ) فيمن يباح له النظر من الأجانب، يباح للطيب النظر إلى ما تدعوا إليه الحاجة من بدنها من العورة وغيرها فإنه موضع حاجة .......وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة على عينها ، قال أحمد لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها وان عامل امرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها ليعلمها بعينها فيرجع عليها بالدرك.

وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ولعله كرهه لمن يخاف الفتنة أو يستغني عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهوة فلا بأس به.[6]

وظهر لکل من تأمل في الأقوال المذكورة أن المسألة وإن كان لها جهات عديدة مشتملة علی فروع متنوعة، لكن الاتفاق في جمیع مواردها مشهودة بین الفریقین، بما أن لجمیعها ملاكاً و معیاراً واحداً وهو الحاجة والضرورة وإن الفریقین متفق علی ذلك ، ومن هذه الجهة یرسلونها إرسال المسلمات کما عن ابن قدامة.

[1] تحرير الوسيلة - ط النجف، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص243.
[2] شرائع الاسلام- ط استقلال، المحقق الحلي، ج2، ص495.
[3] مسالك الأفهام إلی تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج7، ص50.
[4] تذكرة الفقهاء - ط القديمة، العلامة الحلي، ج2، ص573.
[5] جواهر الكلام، النجفي، الشيخ محمد حسن، ج29، ص87.
[6] المغني، لابن قدامه، ج7، ص459.