الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :حكم النظر إلى الأجنبية :

الطائفة الثانية: وهي الأخبار المشتملة علی وصف النظر بأنّه سهمٌ النظر من سهام إبليس، وإنّه زنا العينين، وكيفية الاستدلال بها من جهتين:

الجهة الأولى: إذا کان النظر بمثابة الزنا، وإنه سهمٌ من سهام إبليس، فإنه لا شک في مبغوضيته.

الجهة الثانية: من جهة إطلاق الأخبار وشمولها لجميع الموارد حتی الوجه والکفين، وإذا کان النظر إلی الوجه والکفين من المرأة الأجنبية مبغوضاً لدى الشارع، فهو حرامٌ ويجب الاجتناب عنه، ومن جملة هذه الطائفة من الأخبار :

مرسلة ابن أبي نجران، محمد بن يعقوب (عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ×. وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّه× قَالَا: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ يُصِيبُ حَظّاً مِنَ الزِّنَا فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا الْفَمِ الْقُبْلَةُ، وَزِنَا الْيَدَيْنِ اللَّمْسُ صَدَّقَ الْفَرْجُ ذَلِكَ أَمْ كَذَّبَ).[1]

مرسلة داود بن أبی یزید العطار . (وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْعَطَّارِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : إِيَّاكُمْ وَالنَّظَرَ فَإِنَّهُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا وَصَفَتِ الثِّيَابُ). [2]

وخبر عقبة محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن هشام بن سالم عن عقبة قال: قال ابوعبد الله×: النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيْسَ مَسْمُوْمٌ، مَنْ تَرَکَهَا ِللهِ لاَ لِغَيْرِهِ أَعْقَبَهُ اللهُ أمْنَاً وإيْمَانَاً يَجِدُ طَعْمَهُ). [3] قلنا فيها:

أولاً : بِضعف سند أکثرها وإن کُنّا نعترف بأنّ هذه الطائفة غير منحصرة في ما ذکرنا، لکنّ في أكثرها ضعفٌ من حيث السند، ولا يستبعد أن يقول أحدٌ بتظافرها.

ثانياً : وهذه الطائفة من الأخبار أجنبية عما نحن فيه، لأنّ النظر الوارد فيها ليس فيه تشبيه بأنه من سهام إبليس، بخلاف النظرة الشهوية التي جاء في الأخبار أنها سهمٌ من سهام إبليس.

الخامس: الأخبار الدالة على أنّ النظر إلى الأجنبية سهمٌ من سهام إبليس وأنّه «زنا العين»، وما شاكل ذلك. لكن الظاهر أنّ هذه الطائفة ممّا لا يصح الاستدلال به على حرمة النظر المجرد، فالتعبير بأنّها «سهمٌ من سِهام إبليس» لا ينسجم إلّا مع كون الناظر في مقام الريبة، فإنه في هذه الحالة قد لا يتمكن الإنسان من السيطرة على نفسه فيقع في الزنا، وقد يتمكن مِن كفّ نفسه ومنعها عن النظرة الحرام فينجو من ذلك، وحينئذٍ يصحّ تمثيلها بالسهم الذي قد يصيب الهدف وقد يخطئه. وأمّا إذا لم يكن في مقام الريبة فإنه لا يسوغ تشبيه نظره بالسهم.

وكذا الحال فيما يصطلح عليه بزنا العين، فإنّه ومع غض النظر عن سنده فهو ظاهرٌ في أنّ الناظر في مقام التلذّذ لا مطلقاً، ويظهر ذلك من قوله×: «فإنّ لكل عضوٍ زنا وزنا العين النظر)، فإنّ من الواضح أنّ زنا العين هو النظر بتلذذ كما هو الحال في زنا سائر الأعضاء لا النظر المجرّد.ولنا إيراد على كلام السيد الخوئي، وهو إننا لو سلمنا بما قاله وأورده علی تلك الطائفة من الأخبار وعدم صلاحيتها للاستدلال علی حرمة النظر إلی الوجه والکفين من الأجنبية، ولكنّنا لا نسلم بتشبيهه النظر مطلقاً على أنه سهمٌ من سهام إبليس، لأنّ النظر قد يصيب وقد لايصيب، وهو النظر اللاّشهوي الذي ليس به ريبة والنظر الشهوي الذي قد يؤدي غالباً إلى الوقوع في الزنا، وعموماً فإنّ ما استظهرناه من الأخبار غير ما استظهره السيد الخوئي؛ وذلك لعدم كون الخبر في مقام بيان إصابة النظر وعدم إصابته، وإنّما وجه الشبه في سرعة إصابة النظر هي في إيقاع الناظر في الزنا وعدم إيقاعه. ويؤيده ما قلناه في سائر الروايات التي في هذا الباب من وسائل الشيعة، باب(104)، الناهية عن إعادة النظر ثانياً وثالثاً وأزيد، لأن التشبيه يحکي لنا أن النظر سريع اللحاق بالزنا ، فليراقب أن لا تعيده حتی لا تقع فيه، لأنه إن کنت لا تقع فيه بالنظره الأولى، يمکن ان تقع بالنظرة الثانية.و لکن أساس ما قيل في الإيراد علی الاستدلال حق لا يرد عليه شيء.

[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج20، ص191، أبواب أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، باب104، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج20، ص89، أبواب أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، باب36، ح9، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج20، ص192، أبواب أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، باب104، ح5، ط آل البيت.