الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/02/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :حكم النظر إلى الأجنبية :

الاستدلال بالأخبار: ويشمل هذا الدليل طوائف من الأخبار والروايات ونذکر هنا بعضاً منها مع بيان كيفة الاستدلال بکل منها وكذلك بيان بعض الإيرادات التي تقع عليها إن شاء الله.

الطائفة الأولى: إنّ الأخبار الدالة علی جواز النظر إلی المرأة لمن يريد تزويجها کثيرة لکنّ أکثرها لا يختص بما نحن فيه أي الوجه والکفين بل هي تدل علی مطلق النظر من الوجه والشعر والرأس و غيرها، أمّا في بعضها فيختص بجواز النظر إلی وجهها، فإنها من حيث اشتمالها علی إرادة التزويج، فبمفهومها تدلّ علی عدم جواز النظر إلی الوجه من المرأة الأجنبية التي لا يريد أن يتزوجها، ونذکُر هنا بعضاً منها.

الرواية الأولى: صحيحة هشام وحمّاد وحفص(مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَحَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ وَحَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ كُلِّهِمْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهَا وَمَعَاصِمِهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا).[1]

ونحن نقول في الاستدلال بالرواية:

أولاً: إن النظر الذي صُرِّح بجوازه في الحديث ينصرف إلی النظر مع التّلذذ والشهوة، لوقوعه ممّن يريد تزويجها، ولا شک أنّ مَن نظر إلی امرأة يريد تزويجها، فإنّ نظره غالبا ما يقترنٌ بالشهوةٍ والتلذُّذ، حتى تصوّره، وإن لم يكن في بداية نظره بهذا القصد وبهذه النية، ولكن يحصل له التّلذذ أثناء النظر، فبذلك تصبح الرواية أجنبية عمّا نحن فيه لأنّا بصدد بيان حکم النظر إلی الوجه والكفين من المرأة من دون التلذّذ والريبة، أمّا الدليل فيشمل النظر مع التلذُّذ والريبة، وهما لا يجتمعان في مورد واحد حتى يصح الاستدلال به، مضافٌ إلى أن المِعْصم قد ذُكر في الرواية دون الكفّ، ولكن من جهةٍ فإنّ النظر إلى المعصم يستلزم النظر إلى الكفّ، وأنه لا إشكال في البين من هذه الجهة؛ والمعاصم جمعُ معصمٍ وهو موضع السُّوار من الساعد، والسُّوار حلقةٌ كالطوق تلبسها المرأة في زندها أو معصمها الذي هو فوق الزند؛ ولذا استدلّ بها القائلون باختصاص جواز النظر إلى الوجه والكفين بحمل المعاصم على الكفين، ولکن قد يَعجب الإنسان أحياناً حين يطالع بعض كلمات الفقهاء من حيث اشتمالها علی تناقضٍ واضح، کالسيد الخوئي الذي وقع التعارض الفاحش في کلامه في كتابَي الصلاة والنكاح في الإيراد علی هذا الخبر، حيث عدَّ ما قلناه هنا من حمل النظر فيها إلی النظر المقترن مع التّلذذ ووصفه بالبعيدِ جدّاً، وإليك نصّ کلامه في کتاب النكاح: وحملُ النظر في هذه الروايات علی المقترن بالتلذُّذ لا يدلّ بمفهومه علی عدم جواز النظر المجرد إذا لم يکن قاصداً تزويجها بعيدٌ جدّاً، ولا موجب له. ولکن في کتاب الصلاة صرّح بأنّ نفس الإيراد واردٌ على الاستدلال، حيث قال في الرواية: إنها أجنبية عمّا نحن فيه، لأنّ النظرة المحكوم فيها بالجواز هو النظر عن شهوةٍ وتلذُّذ علی ما يقتضيه طبع النظر بقصد الزواج، فإنّ الناظر حينئذ يفکر في أمور .......فيتأمل في محاسنها وجمالها نظرَ شهوة وتهيُّج کي تحصل له الرغبة في التزويج، فمفهومها المنع عن مثل هذه النظرة لو لم يکن لهذه الغاية، وأين ذلک من النظر الساذج الخالي عن الشهوة والريبة الذي هو محلُّ الکلام.

ففي كلامي السيد الخوئي في كتابيه تناقض واضح . ونحن معه فيما قاله في كتاب الصلاة، إلاّ أنه يقول بأن النظر مقترنٌ بقصد التلذذ والشهوة، ونحن نقول باحتمال عدم القصد بنظره التلذذ والشهوة، وإنما قد يحصل التلذذ للناظر أثناء النظر.

ثانيا: لو سُلِّم بدلالة الرواية علی المنع من النظر إلی الوجه والکفين من دون التلذذ والريبة، فسيبقی الإيراد على حاله، وهو تعارضها مع ما ظهر من کتاب الله عزّ وجل، راجع آية الإبداء: {...وَلاَ يُبدِيْن زينتهنّ..} والتي تدلّ علی جواز إبداء ما يظهر من الزينة. ولا ريب في أنّ الوجه والکفين من مصاديق الزينة الظاهرة، والخبر المذكور يدل علی المنع، وكما هو واضحٌ فإن مخالفة الخبر للكتاب العزيز تسقطه عن الحجية، لأنَّا مأمورون بأخذ ما وافق الكتاب وطرح ما يخالفه؛ فإن قلت: إن الآية تدل علی عدم وجوب التستر فقط، ولا تدلّ علی جواز النظر فکيف استدللتم به؟ قلتُ: إن الآية تدل علی جواز الإبداء لا علی عدم وجوب التستر، وواضحٌ أن جواز الإبداء ملازمٌ لجواز النظر فثبت المطلوب.

الرواية الثانية: خبر الحسن بن السّري...وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ السَّرِيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ المرأة يَتَأَمَّلُهَا وَيَنْظُرُ إِلَى خَلْفِهَا وَإِلَى وَجْهِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إِلَى المرأة إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا يَنْظُرُ إِلَى خَلْقِهَا وَ إِلَى وَجْهِهَا. [2]

وکيفية الاستدلال بالخبر هي علی ما مضی في الخبر السابق من الأخذ بالمفهوم، وفيه ضعفٌ، وذلك لأنه:

أولاً: في سَنده ضعف من جهة الحسن ابن السَّري، فهو لم تثبت وثاقته في كتب الرجال إلاّ لدى القليل کما في الخلاصة وابن داوود، ولکن لا يفيد توثيقهما من دون ورود توثيقه عن النجاشي وغيره، لاستناد توثيقهما إلى توثيق النجاشي وحيث لم يرد له توثيقٌ في رجال النجاشي فإنّ الأمر غير معلوم.

ثانيا: إن التعبير بلفظ >يَتأمَّلها< في الرواية الشريفة حاکٍ عن النظر الشهوي، لأنّه لا يكاد ينفکّ عن التّلذذ والريبة، وهو خارجٌ عمَّا نحن فيه.

ولأَحَدِهِم أنْ يقول: إذا كان النظر الشهوي جائزاً لمن يريد التزويج بالمرأة الأجنبية فبطريق أولى يجوز له النظر غير الشهوي من دون تلذذ! وهو ممنوعٌ لأجل أنّ الاستدلال بالخبر من جهة المفهوم لا من جهة منطوق الرواية، فمفهوم الرواية عدم جواز النظر الشهوي لمن لا يريد النكاح بالمرأة المنظور إليها. وكذلك جواز النظر غير الشهوي إلى المرأة التي يريد الرجل نكاحها بطريق أولى. وبالتالي فإن الاستدلال بالرواية على النظر إلى الأجنبية من دون تلذّذ وريبة غير ممكن أصلاً لخروجها عمّا نحن فيه.

[1] الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص365، ط اسلامية.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج20، ص88، أبواب أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، باب36، ح3، ط آل البيت.