الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/01/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : حكم النظر إلى الأجنبيّة:

الفرع الثانی من المسألة 18: لقد قلنا في المسألة 18 ثلاثة فروع الفرع الأول نظر الأجنبي إلى جسد الأجنبيّة ماعدا الوجه والكفين فوصلنا بالأدلة إلى أنّه حرام.

و أما الفرع الثاني فهو : حکم نظر الرجل إلى الوجه والکفین من الأجنبیة مع التلذذ والریبة.

ولا ريب في أن حکم هذا الفرع من المسألة هو نفس الحكم في النظر إلى المماثل والمحارم مع التلذذ، أي إن النظر إلى الأجنبية والمحارم والمماثل إذا كان مع التلذذ والريبة فحكمه واحد، بعبارة أخرى إن النظر إلى المخالف والموافق والمحرم والأجنبیة مع التلذذ والريبة کلها حرام.

لان الريبة و التلذذ هما ملاكان في حرمة النظر إلى الوجه في جمیع الموارد ولا اختصاص بمورد النظر إلى الأجنبیة فقط، و لا نجد فیه مخالفاً.

قال الشیخ المفید فی المقنعة:

و لا یحل له النظر إلى وجه امرأة لیست له بمحرم لیتلذذ بذلك دون أن یراها للعقد علیها ولا یجوز له أيضاً النظر إلى أمة لا یملكها ليتلذذ برؤیتها من غیر عزم علی ذلك لابتیاعها.

ولا بأس بالنظر إلي وجوه نساء أهل الكتاب و شعورهن لأنهن بمنزله الإماء و لا یجوز النظر إلى ذلك منهن لریبة[1]

وقال الشیخ الطوسي في النهایة:

والنظر إلى نساء أهل الكتاب وشعورهن لا بأس به لأنهن بمنزلة الإماء إذا لم یکن النظر لریبة أو تلذذ فأما إذا كان کذلك فلا یجوز النظر إليهن علی حال.[2]

و أضاف المحقق علی ما ذکره الشیخ الطوسي في النهایة:

و یجوز أن ینظر الرجل إلى مثله ما خلا عورته... ما لم یکن النظر لریبة وتلذذ و کذا المرأة.[3]

تحقیق في معنی الریبة والتلذذ

السؤال الذي یخطر ببال الإنسان عند مواجهته لهذه المسألة هو عن معنی الريبة والمقصود من التلذذ، أي لأحد أن یسأل بأنه ما هو المراد من لفظ الريبة والتلذذ في النظر؟ وكيف تتحقق؟

وفي جواب هذا السؤال نقول: إن الریبة في اللغة لها معان كثيرة لا نحتاج إلى التعرض لها وبيانها فیما نحن فیه، لکن الفقهاء استفادوا مما كان في مصادر اللغة وما ورد في مصادر الاستنباط من الكتاب والسنة ما حاصله:

قال السید الحكیم في المستمسك: إن الریبة مفسرة فی کلامهم (أي الفقهاء) بأحد الأمور التالية:

1 - خوف الوقوع في الحرام.

2 - ما یخطر في البال عند النظر من المیل إلى الوقوع في الحرام من المنظور إليه من تقبیل و نحوه.

3 - خوف الافتتان.

و یظهر من كلماتهم حرمة النظر في جمیع ذلك، وإن العمدة فیه الإجماع وارتكاز المتشرعة، وکذا النظر مع التلذذ[4] .

یظهر مما ذکره السید الحكیم تبعاً لبعض الفقهاء إن الریبة حالة خاصة تحصل للإنسان بمواجهة النظر، قد یحصل له الخوف من الوقوع إلى الحرام مرة وقد یحصل في باله المیل إلى الحرام ثانیا وقد یحصل له خوف الافتتان.

مقامان من البحث

إن الفقهاء قالوا في جمیع الموارد الثلاثة المتقدمة بحرمة النظر ولکن بدقة وتأمل یظهر للمتأمل أن هنا مقامان من البحث:

الأول: قصد الريبة في النظر.

الثاني: حصول الريبة من دون القصد .

و لا ریب في أن لکل من المقامین دخلاً في استنباط الحكم فیما نحن فیه، وقد أشار بعض الفحول من العلماء المدققین إلى هذین المقامین من البحث و أحب أن أقدم لكم نصوص کلامهم.

و لم أعثر إلى الآن على من تعرض لهذه البحث ولعل أول من دقق النظر في المسألة وبدأ بالبحث عنها بالتفصيل هو الشیخ الأعظم الأنصاري في رسالة النكاح حیث قال: إن النظر إذا كان بقصد التلذذ حرام إجماعاً کما ادعاه غیر واحد... أما إذا لم یقصد به التلذذ ولکن علم بحصول اللذة بالنظر، أو لم یعلم به ولکن تلذذ في أثناء النظر، فهل یجب الكف أم لا؟


[1] المقنعة الشيخ مفيد، ص521.
[2] النهاية ص484.
[3] شرائع الإسلام، ج2، ص495.
[4] مستمسك العروة الو ثقى، ج14ص29.