الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم النظر إلى الأجنبيّة

 

واستدل بعض الفقهاء المعاصرين كالشيخ المظا هري وهو زعيم الحوزه العلمیة بأصفهان على حرمة جواز النظر إلى جسد الأجنبية عدا الوجه والكفين بالآية الشريفة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لِيَسْتَأْذِنُكُمْ الذَيْنَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالّذِيْنَ لَمْ يَبْلُغُوْا الحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَةَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ..[1]

 

کیفیة الاستدلال بالآية:

إن الملازمة الموجودة بین الاستئذان حین الدخول إلی بیوت المحارم والوالدين وعدم جواز النظر إلی أجسادهم تحکم بأن الأجنبي أحق أن لا ینظر إلی الأجنبیة.

علی أن الاستئذان لا خصوصیة له، بل هو مقدمة لحفظ النظر عن أجساد المدخول عليهم، لأن المدخول عليهم في الأوقات المذکورة یضعون ثیابهم ویستریحون بلباس أقل مما یلبسون فی الخارج، فالنظر إلی الأجنبیة لا یجوز بطریق الأولویة قطعاً.

فعلى هذا إن الاستدلال بالآية يتشكل من الأمرين:

1 - وجود الملازمة بين الاستئذان وعدم جواز النظر.

2 – المنع من النظر إلى الوالدين والمحارم يدل بالأولوية على منع النظر إلى الأجنبية.

هذا تمام الاستدلال بالآية الشريفة.

و لكن يرد عليه إیرادات وإشكالات عديدة غیر قابلة للردّ، لأن الاستدلال بالآیة لا یناسب المقام ولا یلائم الأصول الفقهیة المسلّم بها.

 

الإيراد الأول: لا نسلم أن الاستئذان المأمور به في الآیة هو أمر مولوي تکلیفي، لأن المأمورین بالاستئذان هم الأطفال الذین لم یبلغوا الحلم، والمعلوم المسلّم به انهم لیسوا مکلفین بتکلیف حتی نقول بحرمة عملهم.

وهل من لا یکون بالغاً شرعاً ويفعل فعلاً حراما یکون عاصیاً مستحقاً للعقاب؟ لا نعلم فقیهاً أفتی بذلك.

إن قلت: إن هذه وإن کانت قاعدة فقهیة مسلَّم بها، لکن یمکن أن تخصص في موارد خاصة ومنها ما نحن فیه؟

قلت: نعم لسنا منکرین لما تقول، لکن تخصیص هذه القاعدة صعب جداً و یجتاج إلی دلیل متقن معلوم، وهذا التخصیص قد وقع في الأحکام الوضعیة، وأما في الأحکام التکلیفیة فلا یثبت لنا هذا.

أي إن الطفل غیر البالغ إذا أحدث في مال الغیر فهو له ضامن بلا شك لکن أداءه منوط ببلوغه، وهذا حکم وضعي ولکن لا یقول أحد بأنه مکلف بحکم شرعي، لأن الأحکام کلها منوطة بالبلوغ.

و كذلك بالنسبة إلى أداء الحقوق الشرعية كالخمس في أموال الطفل غير البالغ.

 

الإيراد الثاني: إن دخول الأطفال الذین لم یبلغوا الحلم منوط بالاستئذان، ولکن إذا كانوا متحدين في الجنس ذکورا وإناثاً مع المدخول عليهم، فهل یسقط الاستئذان أم لا؟ أي اذا کان الداخل والمدخول متحدين في الجنس فهل ینبغي الاستئذان أم یسقط؟

إن الآیة تشمل بإطلاقها المورد ویحکم بأنه لا یسقط، والحال أن نظر الرجل إلی جسد مثله ما دون العورة أو ما بین السرة والرکبة لايكون حراماً عند جمیع الفقهاء وذلك نظر المرأة إلی جسد المرأة.

 

الإيراد الثالث: وثالثاً: لو سلمنا أن الآیة في مقام بیان الحکم التکلیفي للأطفال وغیر البالغین، وحرمة دخولهم بغیر استئذان في الأوقات الثلاثة، أي قبل صلاة الفجر وعند الظهیرة وبعد صلاة العشاء، فهل في الآية ما يدل على وجوب تستر المدخول عليهم بجميع البدن أم لا؟

أي لو استأذن الأطفال للدخول وأراد المدخول عليهم أن يأذنوا لهم بالدخول، فهل یجب علیهم التستر أم یکفي الاستئذان من الداخلین فقط؟

لا ریب أن ما یستفاد من الآیة هو الاستئذان فقط، ولاشيء أزید منه.

إلا أننا نجد المستدل أراد أن یفتي بها علی حرمة النظر ووجوب التستر ! و الآیة قاصرة عن إثبات ما یدعیه.

 

الإيراد الرابع: لو سلّمنا أن المستفاد من الآیة هو وجوب تستر المدخول عليهم بعد استئذان الداخلین، فهل الآیة تخصّ الحکم بالأطفال الذین لم یبلغوا الحلم، ولكن إذا كانوا بالغین وأرادوا أن یدخلوا فهل یسقط الاستئذان أم یجب علی کل أحد ولا فرق بین البالغین وغیر البالغین؟

و من الواضح أن لا فرق بین البالغ وغیر البالغ، والاستئذان لازم علی کل أحد یرید الدخول علی والدیه حین الأوقات الثلاثة کما صُرِّح به في الآیة اللاحقة.

والذی صرح به في ذیل الآیة أنه بعد هذه الأوقات لا جناح علیهن، یعنی لا یجب الاستئذان، والحال لا یختص الحکم أي التستر بهذه الأوقات الخاصة.

 

الإيراد الخامس: لو سلمنا بتكليفه بالحکم ووجوب الاستئذان تکلیفاً، ووجوب التستر من الدخول، فهل للبیت المدخول فیه أو للأوقات الثلاثة خصوصیة ولا تکون في غیرها؟ بمعنى إنه یجب التستر في البیت وفي الأوقات الثلاثة، وأما إذا كانوا في دار بحیث لا یتصور فيها داخل ومدخول فهل لا یجب التستر؟ أم یجب في کل موقع وفي کل زمان؟

وواضح ان وجوب التستر لا بختص بمورد دون آخر، فالآیه أخص من المدَّعی.

وهذه الإشكالات غیر قابلة للرد عليها، و لابد للمستدل التسلیم في مقابلها، وبذلك ظهر أن الأمر بالاستئذان أمر إرشادي إلی ما یحکم به العقل، ولیس مولویا ولا حکما شرعیاً تأسیسیاً، بل الإرشاد إلی ما یفهمه العقل ویحکم بأن من أراد الدخول علی أحد ما في مکان ما یلزمه الاستئذان من المدخول عليه، وهذا الحكم الشرعي هو للتحفظ على الحريم الخاص للوالدين الذي لا یجوز للولد أن یقربه إلا بالإذن.


[1] نور/سوره24، آیه58.