الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :حكم النظر الأجنبي إلى الأجنبيّة

الأدلة : ووجه الاستدلال على الجواز والحُرمة مُبتني على بعض المقدمات .

المقدمة الأولى :

المراد من الزينة في الآية ﴿ و..لايبدين زّينتهنّ ﴾ هو الإظهار ، وهل أن المُراد منها هو نفس السوار ، أو موضع الزِّينة ، الظَّاهر أن المراد من ذلك هو موضع الزِّينة ، ونحن إذا نظرنا إلى الآية دون الرجوع إلى الروايات المفصلة للآية موضوع البحث فإنه لا يمكننا الاستدلال بأن المراد من الزِّينة هو فقط موضع الزِّينة ، أو هو خصوص الزِّينة ، بخلاف ما إذا كان النظر إلى الآية بمعاضدة ومساعدة الروايات الموضحة لمعنى الآية [1]

الروايات.

1- محمد بن يعقوب الكليني عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ‌ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ‌ الذِّرَاعَيْنِ‌ مِنَ‌ الْمَرْأَةِ: أَ هُمَا مِنَ الزِّينَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى‌: «وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ»[2] ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَ مَا دُونَ الْخِمَارِ مِنَ الزِّينَةِ، وَ مَا دُونَ السِّوَارَيْن‌[3] ، وهذه الرواية تدل أنّ المراد من الزينة هو مكانها ، أي>العورة< .

2- مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: اسْتَقْبَلَ‌ شَابٌ‌ مِنَ‌ الْأَنْصَارِ امْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ وَ كَانَ النِّسَاءُ يَتَقَنَّعْنَ خَلْفَ آذَانِهِنَّ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَ هِيَ مُقْبِلَةٌ فَلَمَّا جَازَتْ نَظَرَ إِلَيْهَا وَ دَخَلَ فِي زُقَاقٍ قَدْ سَمَّاهُ بِبَنِي فُلَانٍ فَجَعَلَ يَنْظُرُ خَلْفَهَا وَ اعْتَرَضَ وَجْهَهُ عَظْمٌ فِي الْحَائِطِ أَوْ زُجَاجَةٌ فَشَقَّ وَجْهَهُ فَلَمَّا مَضَتِ الْمَرْأَةُ نَظَرَ فَإِذَا الدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى صَدْرِهِ وَ ثَوْبِهِ فَقَالَ وَ اللَّهِ لآَتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ لَأُخْبِرَنَّهُ قَالَ فَأَتَاهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ لَهُ مَا هَذَا فَأَخْبَرَهُ فَهَبَطَ جَبْرَ ئِيلُ ع بِهَذِهِ الْآيَةِ- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ‌ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى‌ لَهُمْ‌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ‌[4] .

وتدلّ الرواية على نزول هذه الآية في حكم نظر الأجنبي إلى موضع الزينة الأجنبيّة في جسد الأجنبية .

 

وقد ذكر آية الله مكارم الشيرازي في كتابه[5] روايات في بيان أن المراد هو موضع الزينة بعينها، قلت: الاستدلال بهذه الآية

{ قل للمؤمنين يغضوا من إبصارهم } مبتني على عدة مقدمات، وقد ذكرت المقدمة الأولى،

أما المقدمة الثانية فهي:

بيان المراد من غضِّ النظر، وهل المراد منه إغماض العينين وترك النظر أم هو الخَفْضُ والنقص في النظر كما في الآية الشريفة من سورة الحجرات، الآية>3<في قصّة بعض الأشخاص الذين كانوا يرفعون أصوات عند النبيصلی‌الله علیه و آله إنّ الذين يغضّون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيموقبله قال الله{ يا أيها الذين

لا تر فعوا أصواتكم......} ويظهر من الآية الشريفة أنَّ المعنى الثاني هو المراد كما هو في كتب اللغة، وأيضا قال الله في سورة لقمان (الآية19) واغضض من صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير والمراد ليسهو ترك الصوت بل نقصه وخفضه.

أقول :

الحق أنَّ الآية الشريفة أجنبيةٌ عمَّا نحن فيه، وهي لا تدُلُّ على المعنى المُراد، وهو الامتناع عن النظر، اللَّهم إلاَّ أن يُقال أنَّ المراد من غض النظر هو ترك النظر حسب الإجماع الذي هو منتفي وغير موجود، ليبقى الإشكال الأول في معنى الغض في الآية وفي اللغة وفي فهم الفقهاء.

أما الإشكال الثاني فهو في معنى مُتعلق النظر التي سكتت عنه الآية والذي يمكن تصوُّره في خمسة احتمالات:

الأول: أنَّ المُراد من الغضّ هو غضُّ النظر عن عورة المُمَاثل، وهو ثابتٌ.

الثاني: وهو غضُّ النظر عن عورة الصنف المخالف>الوجه والذراعان والكفان< وهو غيرُ ثابت .

الثالث : الغض عن المُرَكَّب مِنهُما >الصِّنْف المُخالِف وعورة المُمَاثِل< ، وَيستوجِبُ ذلك وجود الملازمة القطعية بين إظهار الزينة وجواز النظر إليها .

الرابع: غضُّ البصر عنْ كُلِّ شيءٍ يقع النظر إليه .

الخامس: غضُّ البصر عنْ كل ما حرم الله النظر إليه، وأنَّه هل الآيةُ مختصّةٌ بالنظر إلى المرأة دون الرجل؟

النتيجة: على ضوء ما تقدم في البحث، يمكننا الاقتصار على الصنف المخالف دون غيره، كما يمكن القول بأن المقدمة غير ثابتة .


[1] - الكافي ج5 ص20ج.
[2] - سورة النور: 31.
[3] - محمد بني يعقوب الكليني، ج‌11، ص: 195.
[4] - محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج‌5، ص: 521.
[5] - >أنوار الفقا هة<:ج1ص>63.<