الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/01/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : حكم النظر إلى المرأة الأجنبيّة :

مسألة : 18: لا إشكال في عدم جواز نظر الرّجل إلى المرأة الأجنبية فيما عدا الوجه والكفين كَشَعْرِها وسائر جسد ها سواءً بتلذذ وريبة أو بغيرهما، وكذا الوجه والكفَّان إذا كان بتلذذ وريبة ، وأما بدونها ففيه قولان، بل أقوال :

الجواز مطلقاً (2) عدمه مطلقاً . (3) التفصيل بين نظرة واحدة >الأولى< ، وتكرار النظر >الثانية<، وأحوط الأقوال أوسطها .

الشرح : أولاً وكما قلنا، فإنَّ المسألة تشتمل على ثلاث فروع:

الفرع الأول : حرمة نظر الأجنبي إلى جسد الأجنبية>شعرها وسائر جسدها< بتلذذ أو بغير تلذذ ما عدا الوجه والكفين.

الفرع الثاني: إذا كان نظره بتلذُّذٍ وريبة فهو حرامٌ في نظر الإمام وفي نظر جميع الفقهاء ومتفق عليه .

الفرع الثالث: اختلف العلماء في الفرع الثالث> النظر إلى ما عدا الوجه والكفين<، ويمكن القول بأن الفرع الأول إجماعي بين الفقهاء، وقد أشار إلى عدم الخلاف صاحب الجواهر، والشهيد في مسالك الأ فهام ، والسيد الحكيم في المستمسك وغيره مِنْ كُتُبهِ، وعبارة صاحب الجواهر: >أنَّ حرمة نظر الأجنبي إلى ماعدا الوجه والكفين من ضرورات الدين والمذهب[1] - أي لا ينظر إلى جسد الأجنبية ومحاسنها أصلاً- للإجماع ولضرورة المذهب والدين<.

وقال الشهيد في المسالك : تحريم نظر الرجل إلى الأجنبية في ماعدا الوجه والكفين موضع وفاق بين المسلمين(ليس بين الإماميّة فقط) ، ولا فرق فيه بين التلذذ وعدمه، ولا بين خوف الفتنة وعدمها [2]

أما الوجه والكفان ففي النظر إليهما أحد الأمرين : 1- الحرمة مطلقاً للإجماع .2- الجواز ((وفيه أقوال للعلماء)).

الأوّل: الجواز مطلقاً على كراهة وهو مختار شيخ الطائفة.

الثاني : التحريم مطلقاً وهو مختار العلامة في التذكرة (قال الشهيد هذا القول اختاره العلامة في التذكرة ) .

الثالث:وهو جواز النظر إلى الوجه والكفين على كراهة مرة لا أزْيَد، وهو الذي اختاره المصنِّف والعلامة في أكثر كتبه ، وقال المحقق السبزوا ري في كفاية الفقه: لا أعلم خلافاً في تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية فيما عدا الوجه والكفين من غير ضرورة .

الرابع: وهو قول الفاضل الهندي في كشف اللِّثام >...ولا يحلُّ لهُ النظر إلى غير الوجه والكفين بالاتفاق (اتفاق الفقهاء) والنَّصُّ (لوجود النص الوارد )إلاَّ لِضرورة ...<

فظهر من الأقوال بأن المسألة إن لم نقل بأنها إجماعيّة، فإنّها موضع وفاق بين علماء الإماميّة. صاحب الجواهر والمسالك وغيرهما ....

أما قول العامة في المسألة : فقد قال ابن قُدَا مة في المغُني: فأمَّا نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سببٍ فإنّه مُحَرَّمٌ إلى جميع الأعضاء، ونقل كلام أحمد بن حنبل: >ولا يأكل مَع مُطَلَّقَته< مخافة أن يطَّلع على محاسنها وقال القاضي :>يَحْرُم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين لأنّه عورةٌ، وَيُباح لهُ النظر إليها مع الكراهة إذا أمن الفتنة والنظر بغير شهوة<، وهذا مذهب الشافعي، واستشهد بالآية{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِ ينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِ ينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[3] قال ابن عباس: مَعنَاهُ الوَجه والكفَّان، فيظهر من المسألة من حيث الأقوال والآراء أن لا فرق فيهما بين العامة والخاصة

الأدلَّة في المقام :

استدل الفقهاء بالأدلة المتنوعة التي أولها كتاب الله {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فرو جوهم} [4] و{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِ ينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا }[5]

ونُشِير هنا إلى بَعض المقدمات والضَّمائم كمقدمة الاستدلال إذا أردنا الاستدلال بهذه الآية في خصوص حرمة النظر إلى الأجنبية، فعلى الفقيه أن يبين معنى الزينة في الآية وبأنَّ المراد منها هل هو نفس الزينة، أم مواضع الزينة؟ فإذا كان المُراد من الاستدلال بالآية >الزينة< فإنَّه يتعذَّر الاستدلال بها، أمَّا إذا كان الاستدلال بِموضع الزينة فإنّ الاستدلال مُمْكِنٌ، وكذلك يجب تحديد المراد بغض النظر هل هو ترك النظر أم هو إنقاص النظر وخفضه...يتبع...


[1] - جواهر الكلام ج30 ص130.
[2] - مسالك الأ فهام ج7 ص46.
[3] - سورة النور، الآية: >31.<
[4] - سورة النور، الآية:>30.<،
[5] - سورة النور الآية >31.<