الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

37/12/25

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة الثانية. وفيها مباحث مختلفة.

قال الإمام الخميني : "ومما يناسب تقديمه على مقاصد هذا الكتاب أمور، بعضها متعلق بمن ينبغي اختياره للزواج ومن لا ينبغي، وبعضها في آداب العقد، وبعضها في آداب الخلوة مع الزوجة، وبعضها من اللواحق التي لها مناسبة بالمقام، و هي تذكر ضمن مسائل .[1]

فكلامه مشتمل على أربعة مباحث،

الأول: منها في صفات الزوج والزوجة،

والثاني : في آداب العقد،

والثالث في آداب الخلوة،

والرابع في بعض اللواحق المناسبة بالمقام.

المسألة الأولى : في صفات الزوج والزوجة

(قال الإمام الخميني +: مما ينبغي أن يهتم به الإنسان النظر في صفات من يريد تزويجها ، فعن النبي | >اخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ‌ فَإِنَّ الْخَالَ أَحَدُ الضَّجِيعَيْنِ< و في خبر آخر >تخيروا لنطفكم فإن الأبناء تشبه الاخوال< و عن مولانا الصادق × لبعض أصحابه حين قال : قد هممت أن أتزوج : " انظر أين تضع نفسك و من تشركه في مالك و تطلعه على دينك و سرك ، فإن كنت لابد فاعلا فبكرا تنسب إلى الخير و حسن الخلق " الخبر ، وعنه×" إنما المرأة قلادة ، فانظر ما تتقلد ، و ليس للمرأة خطر لا لصالحتهن و لا لطالحتهن ، فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب و الفضة ، هي خير من الذهب و الفضة ، و أما طالحتهن فليس خطرها التراب ، التراب خير منها " وكما ينبغي للرجل أن ينظر فيمن يختارها للتزويج كذلك ينبغي ذلك للمرأة وأوليائها بالنسبة إلى الرجل ، فعن مولانا الرضا عن آبائه ^ عن رسول الله |أنه قال : " النكاح رقٌّ، فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرَقَّها ، فلينظر أحدكم لمن يُرق كريمته"

والنكاح من مهمات مسائل المجتمع البشري، لأنه من خلاله يشكل الأسرة التي تعتبر اللبنة الأولى للمجتمع، وثانياً هو سبب لبقاء النسل الإنساني، وإذا كان كذلك فينبغي أن يختار الرجل مكاناً مناسباً، ولابد من الاهتمام بهذا الاختيار قبل التزويج، وأثناء التزويج وبعده.

وإن قلت : لِمَ من الضروري أن ينظر في صفات الزوج والزوجة.؟

قلت : لأن خصال الأب والأم وصفاتهما تنتقل إلى الأولاد، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم حيث قال : {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }[2]

ثانياً : كل من الزوج والزوجة يعرّف الأخر؛ لأن الإنسان يُعرف من خلال شريكه، وكذلك كل منهما يحمل أسرار الأخر.

ملاحظة : المسألة الأولى التي ذكرها الإمام الخميني + تعتبر الكبرى؛ لأنها النظر في صفات الزوجين، والمسائل التي تأتي بعد ذلك هي تكون من صغريات هذه الكبرى.

الأحاديث المشار إليها في المقام.

الحديث الأول: جاء في الوسائل عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ‌السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ × قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ |‌ اخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْخَالَ‌ أَحَدُ الضَّجِيعَيْنِ.[3]

الحديث الثاني وهو (تخيروا لنطفکم.....) علی ما فحصناه ليس موجوداً في المصادر الخاصة إلا ما أورده الفيض الكاشاني في كتابه المسمی بالوافي في شرح الكافي ولکن مضمونه موجود فی مصادر العامة، ويشابه ما أورده السيد الماتن من حيث اللفظ أيضاً.

و يمکن أن نقول ما قاله الشيخ الحر في ذيل الحديث بأن مثله ورد بسند آخر، فالمراد ما ذکر السيد الماتن عن الوافي و مصادر العامة و إليک نصه:

ففی کنز العمال والجامع الصغير قال النبي |: تخيروا لنطفکم فان النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن[4] [5] .

فهذا الحديث عامي و إن كان موجوداً في بعض مصادر الخاصة کالوافي في شرح الكافي، و لکن لا مانع من الاستدلال به ، لأن مضمونه يروی في المصادر الخاصة عن أصحابنا الإمامية، هذا أولاً، وثانياً ما نحن فيه أيضاً من المسائل الأخلاقية فی اختيار الزوجة وليس فيها حکم شرعي من الواجب والحرام حتى يحتاج إلى دليل متقن وخبر صحيح إمامي لا ريب فيه، وثالثاً روايات هذا الباب متضافرة.

الحديث الثالث: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْخِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ×إِنَّ صَاحِبَتِي هَلَكَتْ وَ كَانَتْ لِي مُوَافِقَةً وَ قَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ فَقَالَ لِيَ انْظُرْ أَيْنَ‌ تَضَعُ‌ نَفْسَكَ‌ وَ مَنْ تُشْرِكُهُ فِي مَالِكَ وَ تُطْلِعُهُ عَلَى دِينِكَ وَ سِرِّكَ فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَبِكْراً تُنْسَبُ إِلَى الْخَيْرِ وَ إِلَى حُسْنِ الْخُلُقِ[6]

الحديث الرابع : عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ‌ إِنَّمَا الْمَرْأَةُ قِلَادَةٌ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقَلَّدُهُ قَالَ وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ خَطَرٌ لَا لِصَالِحَتِهِنَّ وَ لَا لِطَالِحَتِهِنَ‌ أَمَّا صَالِحَتُهُنَّ فَلَيْسَ خَطَرُهَا الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ بَلْ هِيَ خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ أَمَّا طَالِحَتُهُنَ‌ فَلَيْسَ التُّرَابُ خَطَرَهَا بَلِ التُّرَابُ خَيْرٌ مِنْهَا[7] .

الحديث الخامس. الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُجَاشِعِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ عَنِ الْمُجَاشِعِيِّ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص النِّكَاحُ رِقٌّ فَإِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ وَلِيدَةً فَقَدْ أَرَقَّهَا فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ لِمَنْ يُرِقُّ كَرِيمَتَهُ[8] [9] .

تمَّ الكلام في هذه المسألة بحمد الله، وسنبحث في المسألة الثانية في الدرس القادم إن شاء الله.

 


[1] تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص236.
[2] اعراف/سوره7، آیه58.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج20، ص48، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، باب13، ح2، ط آل البیت .
[4] کنزالعمال، المتقي الهندي، ج16، ص295، ح44557.
[5] الجامع الصغير وزيادته، السيوطي، ص6164.
[6] الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص323، ط اسلامیة.
[7] الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص332، ط اسلامیة.
[8] وسائل الشيعه، الشيخ الحر العاملي، ج20، ص79، أبواب مقدمات النکاح، باب28، ح8، ط آل البیت .
[9] امالی، طوسی، 519، رقم 1139.