الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

37/12/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بقي أمور

الأمر الأول: حل التعارض الظاهري بين الآيتين المباركتين.

استدل السيد الإمام بآية الإنكاح : { أنكحوا الأيام منكم... }، كما استدل عليها غيره من الفقهاء الكرام، وقال في السورة نفسها بعد هذه الآية : {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِه}[1]

والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل النكاح مستحب في حد نفسه، أو الاستعفاف مستحب كذلك؟ وما هو الراجح بينهما الأول أو الثاني؟ وإن كان تعارض بين هاتين الآيتين، فما الحل؟

قال صاحب الجواهر في حل التعارض بعد ذكر الآية : >و لا ينافي ذلك قوله تعالى: {وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ نِكٰاحاً حَتّٰى يُغْنِيَهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ} إذ هو إنما يدل على الاستعفاف لمن لا يجد النكاح و لا يتمكن منه و لو بحصول من ينكحه، و أن ذلك أولى له من تحمل المنة و الذل و السؤال في تحصيل ما ينكح به، إذ النكاح و إن كان مندوبا إلا أنه إذا توقف على مقدمات مكروهة مرجوحة سقط الخطاب باستحبابه حينئذ لا أنه ترتفع مرجوحية المرجوح له، والحاصل أن المراد ترجيح الاستعفاف على النكاح المتوقف على عدمه، و هذا لا ينافي استحبابه مع التمكن و لو مع الفقر، على أن‌ المروي عن الصادق عليه السلام «4» في تفسيره «يتزوجوا حتى يغنيهم الله من فضله»[2]

وفي حل التعارض نقول:

أولاً إنه مر بنا أنه لا يستدل بهذه الآية على استحباب النكاح، وإذا كان كذلك فلا تعارض بين الآيتين. وكذلك الاستدلال بآية فانكحوا ما طاب لكم ... لا يخلو عن الإشكال؛ لأنه قال في صدر الآية : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } وبعد التأمل في الآية يظهر أن أمر النكاح معلق على خوف ترك القسط والعدل في أمور اليتامى، وهذا التعليق مشعر أن الآية في مقام بيان الرخصة، وبعبارة أخرى أنه أمر بعد الحظر، والأمر كذلك يدل على الجواز والإباحة، فأقصى ما تدل عليه الآية هو إباحة النكاح.

ثانياً : لو سلم الاستدلال بهذه الآية وهي أنكحوا ... فما قاله صاحب الجواهر في حل التعارض، صحيح،

أما ما استدل واستشهد صاحب الجواهر بالرواية عن الإمام الصادق عليه السلام : فتفسيرها مع الآية الكريمة فليستعفف لا يتناسب.

 


[1] نور/سوره24، آیه33.
[2] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، محمد حسن النجفي، ج‌29، ص9.