الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

37/12/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : اقوال في استحباب النكاح .

وأمّا شيخ الطائفة - رضوان الله تعالى عليه- فقد قال في الخلاف: >النكاح مستحب غير واجب للرجال والنساء لا فرق في استحبابه بين الرجل والمرأة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي والليث بن سعد والأوزاعي وكافة العلماء<[1] ، أي إن الشيخ يرى أن جميع فقهاء المسلمين قائلون باستحباب النكاح وعدم وجوبه. وذكر الشيخ في ذيل كلامه قولاً لبعض فقهاء العامة بوجوبه منهم داوود حيث يقول: >النكاح واجب وهذا يخالف كلامه الأول حيث قال: إن كافة العلماء يقولون باستحباب النكاح وهو قول نادر لم يقل به إلا هو، فمن قدر على نكاح الحرّة يجب عليه، ومن لم يقدر عليه وجب عليه أن ينكح أمَةً، وكذلك المرأة يجب عليها أن تتزوج<[2] .

ثم قال بعد هذا: دليلنا إجماع الفرقة أي >إجماع علماء الإمامية< فينبغي التأمل فيما قال >شيخ الطائفة< حول استحباب النكاح في حد نفسه.

وأما السيد الخوئي فلم يعترض على ما قاله السيد اليزدي في مبحث النكاح من العروة[3] .

وأما ابن فهد الحلي صاحب المهذب البارع في شرح المختصر النافع فقد ذکر عدّة مقدِّمات وقال: أما المقام الثالث فهو في الترغيب في النكاح والحثّ عليه، وهو يحكي عن قوله باستحباب النكاح في حد نفسه. وهو قد ذكر تقسيماتٍ مفيدةً سنذكرها في المقام المناسب في البحث الآتي بإذن الله.

وأخيراً نورد كلاماً للمحقق السبزواري في كتابه المعروف بـ "كفاية الفقه"[4] حيث قال فيه: يستحب النكاح استحباباً مؤكداً لا لِكُلِّ أحدٍ بل لمن تاقت نفسُهُ إليه بإجماع المسلمين إلاَّ من شذَّ منهم حيث ذهب إلى وجوبه.

وأما من لم تَتُقْ نَفْسُهُ إليه، فهل هو مستحب له أم لا؟ فيه قولان: والأشهر الأقوى نعم، - والأقوى معناه فتوى الفقيه- نظراً إلى عموم الآية والأخبار[5] .

وأما الدّليل على ذلك:

فقد استدلّ السيّد الماتن على استحباب أصل النكاح برواياتٍ عدِيدةٍ مستفيضة[6] ذكرها في المتن، كما استدلّ في ذيل هذه الراوياتِ بآيةٍ كريمةٍ من القرآن الكريم على الثمرة المرجوَّةِ من التزويج.

 

خلاصة ما سبق: وبعد التأمل في الأقوال يمكن القول بأن ثمة قولاً واحداً في المقام، وليس أقوالاً، لأن في المسألة صورتين، حكم النكاح في حد نفسه، وحكم النكاح بالنسبة إلى العوارض الخارجية، وبما أننا بصدد البحث في حكم النكاح في حد نفسه، فنقول: إن في المقام قولا واحداً وهو استحبابه عند الجميع إلا ما شذّ وندر.

الدليل على استحباب النكاح في حد نفسه :

استدل الإمام الخميني + على استحباب النكاح بالروايات وآية واحدة، ثم صرّح بأن الروايات مستفيضة، والاستفاضة فوق خبر الواحد، أي أكثر من ثلاثة طرق، ولم يصل حد التواتر، وشرط الثلاثة ضروري في كل طبقات الرواية، وحكم الرواية المستفيضة، أنها تحمل على الصحة ولا ينظر إلى رواتها من حيث وثاقتهم وعدمها.

وثمة روايات عديدة يمكن الاستدلال بها غير الروايات التي استند إليها الإمام : ومنها : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ع فَقَالَ لَهُ هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ قَالَ لَا- فَقَالَ أَبِي مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا- وَ إِنِّي بِتُّ لَيْلَةً وَ لَيْسَتْ لِي زَوْجَةٌ- ثُمَّ قَالَ الرَّكْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا رَجُلٌ مُتَزَوِّجٌ- أَفْضَلُ مِنْ رَجُلٍ أَعْزَبَ يَقُومُ لَيْلَهُ وَ يَصُومُ نَهَارَهُ- ثُمَّ أَعْطَاهُ أَبِي سَبْعَةَ دَنَانِيرَ ثُمَّ قَالَ تَزَوَّجْ بِهَذِهِ.....[7]

أما الآية التي استدل بها الإمام الخميني + وهي قوله تعالى : {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ}[8] فيمكن الاستشكال على الإمام وسائر الفقهاء في ذلك بأن يقال: إن الاستدلال بالآية في غير محله، من جهتين، الأولى : فإنّ الامرفي الآية بالإنكاح ليس بالنكاح والفتوى بالنكاح واستحباب النكاح ليس استحباب بالإنكاح

فيمكن ان يقال : مقدمة الواجب واجبة ومقدمة المستحب مستحبة

فيرد الاشكال على هذالاشكال النكاح لنفسيه والانكاح لغيره فلايجوزالحكم لموردين المختلفين بدليل واحد فلذلك لايجوز الاستدلال بهذه الآية على استحباب النكاح عندنا.

ويمكن الاستدلال بآية أخرى وهي ((فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا))[9] ونذكرالوجه الثانية في جلسة الآتية .


[1] الخلاف، محمد بن الحسن الطوسي، ج4، ص245.
[2] المحلى، ج9، ص440.
[3] المباني في شرح العروة [ضمن موسوعة السيد الخوئي] : 30/3.
[4] الكتاب مشهور باسم "كفاية الأحكام" وما ذكرناه هو الصحيح في اسمه.
[5] کفاية الفقه المعروف بکفاية الاحکام: 2/78.
[6] أي بين المتواتر وخبر الواحد، فإذا لم يبلغ حد التواتر فهو مستفيض، ولكن هناك نقطة مهمة وهي أن الرواة إذا كانوا أكثر من ثلاثة في كل الطبقات فالطبقة الأولى التي روت من المعصوم بشكل مباشر، أو من عاشره إذا من وحدة لا.
[7] وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، ج‌20، ص19، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، باب2، ح4، ط آل البیت.
[8] نور/سوره24، آیه32.
[9] نساء/سوره4، آیه3.