46/06/24
الموضوع: تمام الكلام في مناقشة صاحب الكفاية في أصل مطلبه
بعد وضوح ان الاصولي يتعامل مع الادلة وظهوراتها لا مع الاحكام في ملاكاتها يصبح تعرُّض المحقق الخراساني في الامرين الثامن والتاسع وبالاخص الثامن للحديث عن المناطات او الملاكات لا يخلو من الاستغراب الشديد خصوصا وان الاصولي مهما تحدث عن الملاكات فانه لا سبيل ولا طريق له الى الكشف عنها الا من خلال ظهور الدليل الدال على الحكم في تمامية التشريع وفعلية الحكم على تقدير وجود الموضوع في الخارج، فالملاكات غيبٌ بالنسبة لغير الشارع والمنطات شأنه وتعامُلنا انما يكون مع الاحكام ونكشف ما ورائها مبادئها بقدر ما تكشف هي اي الخطابات الدالة عليها على الاحكام عنها فيقع السؤال لماذا اذاً تعرض صاحب الكفاية رضوان الله تعالى عليه في الامر الثامن وعقده التاسع للحديث عن مناطات الاحكام وشرطية احراز وجود المناط للدخول في محل الكلام بعد ان كان من الواضح عنده وعند غيره ان الادلة لا تتعرض بشكل مباشر وبمدليلها المطابقية للمناطات نعم! دلالتها على الحكم فعلا تكشف عن وجود مناط له بلا اشكال ولا ريب، قلت من هنا تجشم الشهيد الصدر ولم أرَ من تجشم هذا الامر غيره التبرير لصاحب الكفاية وان هنالك ما الجأه الى ذكر بما ذكر وقد انتهى به تأمله الى ذكر سببين جعلاه يذهب الى ما ذهب اليه، الاول ان المشهور ذهبوا في كتاب التعارض الى ان التنافي بين الدليلين بالعموم والخصوص من وجه هو من التعارض وذهبوا الى العلاج المستعمل في التعارض في مادة الاجتماع التي تنافى فيها الحكمان من دون ان يؤشروا الى ان ذلك مبني بوجه على امتناع اجتماع الامر والنهي مع ان المسألة كانت مطروحة بينهم او بين كثير منهم على الاقل اذا مش الجميع، فلاجل دفع هذا الاستهجان عن المشهور افاد صاحب الكفاية بأن التنافي في العموم والخصوص من وجه كا في صل ولا تغصب إنما يدخل في مسالتنا اذا أحرز المناطين المطلقين للحكمين حتى على تقدير الاجتماع، بينما في باب التعارض انما يقع الحديث عن تكاذب الحكمين في مادة الاجتماع فهو حيث لا نكون محرزين لوجود الملاكين والمناطين فقد يكون احدهما الثابت وقد لا يكون لاحدهما حظ من المناط اي لاي منهما فهذا المعنى سبب معتد به لجعل ما تعرض له صاحب الكفاية ذا مغزى في المقام، أقول بعد أن كان الكشف عن الملاكات ممتعنا والمناطات وبعد ان كان اقتضاء الاطلاق في الادلة موجودا في العادة والدلالة على الحكم الفعلي عن وجود مناطه وملاكه والتمسك باطلاق الحكم او دلالة الدال عليه بتعبير ادق كاشفة عن اطلاق الملاك فلا يعود هنالك فرق في محل البحث سواء كنا نتكلم في باب الاجتماع والامتناع ام كنا نتكلم في باب التعارض وانما يكون هنالك جدوى لما ذكره رضوان الله عليه اي صاحب الكفاية فيما لو اشترط دلالة دليل خاص من خارج الدليلين على اطلاقية المناط وهذا مفقود في باب الادلة الشرعية واذا ما افترض فهو نادر بل لا نعرف له مثالاً انه وجود دليل خاص يدل على وجود المناط المطلق واستكشاف ذلك من ذلك الدليل الخاص لا من نفس الدليل الدال على الحكم ما موجود هكذا اشياء اصل الشريعة لم تعن ببيان المناطات ولا ببيان الملاكات عنيت ببيان الاحكام على تقدير وجود الموضوعات من اطلاق الحكم نكتشف اطلاق والملاك، وعلى هذا الاساس فاحراز وجود المناط والملاك هو من ظاهر الدليل وحينئذ يقع السؤال من جديد لماذا لا نجد في كلام المشهور بناء لمبحث التعارض بالعموم والخصوص من وجه على تقدير امتناع اجتماع الامر والنهي؟ لاننا ان قلنا بجواز الاجتماع فلا ننتهي الى التعارض فينسد باب البحث عن التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه مع ان احد اهم حالات التعارض هو التعارض بالعموم والخصوص من وجه في كلمات المحققين سواء في الاصول او في التطبيقات الفقهية وكانه لا يوجد شيء اسمه جواز اجتماع الامر والنهي، فاقول لا يخفى على الشهيد الصدر ولا على غيره من المحققين ان مسألة اجتماع الامر والنهي لم تكن تطرق او تطرح في كلمات المتقدمين بل واوائل المتأخرين بل واواسطهم إلى اواخرهم بالدقة التي باتت تطرح فيها في العصر الثالث من اصول علم الاصول ولا يخفى ايضا ان الشائع كان هو القول بامتناع اجتماع مما يجعلها حكما على ابواب التعارض ولن يحتج المشهور للتنصيص على ان البحث في التعارض بالعموم والخصوص من وجه مبني على الامتناع لذهاب جلهم لولا كلهم الى القول بالامتناع فان القول بالجواز قول شرذمة قليلين من علماء الاصول وغالبهم من المعاصرين ومتأخري المتأخرين في العصر الاخير وعلى هذا الاساس فلا يبقى مجال لطرح هذا البحث بهذا الشكل الذي طرحه المحقق الخراساني ليكون هذا مبررا له، والسبب الثاني الذي ذكره الشهيد الصدر مبررا للمحقق الخراساني هو ان المشهور قد ذهبوا الى صحة الصلاة في المغصوب جهلا او نسياناً الا ان يكون هو الغاصب طبعا صحة الصلاة في المغصوب اذا يجهل بغصبه او نسي غصبه استثنوا من ذلك ما لو كان هو الغاصب في بعض الادلة الخاصة بخلاف الصلاة في المانع الصلاتي كالصلاة فيما لا يؤكل لحمه فَشَرَط رضوان الله عليه وجود الملاكين في محل الكلام ليقولَ بانه في ظرف الجهل او ظرف النسيان لا مانع من القول بوجود الملاك وهي الساترية مثلا في المغصوب بخلاف المانع اذ لا ملاك فيه ثمّة لان حكمه الاولي والواقعي هو المانعية عن صحة الصلاة فيه محمولا او ملبوسا مثلا، أقول هذا الذي ذكره ايضا كسبب ثاني ولم يقيّمه الشهيد الصدر اعلى الله مقامه مما لم نفهم له وجها فإن الماانعية في الدليل الدال على المانع في مثل صل تستر لا يكن سترك مما لا يؤكل لحمه هناك النسبة اولا العادية المتعارفة هي نسبة العموم والخصوص المطلق ولا اشمال ولا ريب في انه في نسبة العموم والخصوص من مطلق الحاكم هو صناعة التقييد او التخصيص وحينئذ فيخرج مورد التقييد من تحت المطلق او العام بالكلية فلا يعود مشمولا له ببركة القرينية فمن الطبيعي جدا ان تكون الصلاة فيه صلاة في المصداق الخارج عن المأمور به لانها صلاة مع المانع بينما في محل الكلام لا بد من ملاحظة الدليل الدال على المانعية فان كانت دلالته على وزان دليلية ذاك الدليل اي مطلقة فيكون منه، اما اذا كان الدليل دالّاً على ان المانع هو تعمد الغصب فلا اشكال في ان الجاهل بالغصب او الناسي غير متعمد فعلا للغصب حين الصلاة فلا يكون المانع مانعا ولو فرضنا ان الدليل دال في المقام على مانعية الغصب في الواقع حتى للجاهل حتى للناسي لكانا من باب واحد ولا فرق بينهما ولا يمكن ان يحل القضية التشبث بوجود الملاك من الطرف الاخر فان وجود او عدم وجود الملاك من الطرف الاخر لا يمكن الكشف عنه الا من ظاهر الدليل كما اسلفنا ومع عدم امكان الكشف عنه الا من ظاهر الدليل فلا يرجع اشتراطه مستقلّاً عن ظواهر الادلة الى محصّلٍ، نعم نحن نسلّم مع صاحب الكفاية انه لا يدخل في محل البحث ما لو كان المناطان او احدهما غير موجود للحكم لكننا نقول لصاحب الكفاية بانه في احراز وجود المناط التعاطي والتعامل مع ظاهر الدليل بل ينحصر الامر به لانعدام وجود الدال على المناط من خارج الدليل وحينئذ فحقّ البحث ان يُطرح بهذه الطريقة وهو اذا كان لكل من دليلي الحكمين صل ولا تغصب مثلا او ما جرى هذا المثال مجراه اطلاق لحال الاجتماع دخل في محل الكلام اما اذا كان لاحدهما فضلا عن كليهما قرينة داخلية او خارجية تمنع من اطلاقه لحال للاجتماع فلم يدخل في محل الكلام ويوجد تلازم بين الاطلاق وبين احراز المناط على تقدير وجود الاطلاق فرأس الخيط للاصول لكي ينتج بحثه في عالم الاستنباط هو ان يكون تعاطيه وتعامله وبحثه عن الادلة وظواهر الادلة لانها طريقه الى معرفة مرادات الشارع ومناطاته بقدر دلالة الدليل عليها فلا يبقى وجه معتد به مقبول لطرح هذه الشرطية وكأنها شرطية مستقلة عن عالم الادلة وظواهر الادلة مع ان الطريق اليها منحصر بظواهر الادلة ولا مجال للحديث ايضا عن انّ ثمرة مسألة الامتناع والاجتماع من انها تعارض تارة وتزاحم اخرى متوقفة على احراز وجود الملاكين اذ من الوضوح بمكان أنّ احراز وجود الملاكين لا يتوقف على غير ظاهر الدليلين فليكن الشرط من البداية شمول الدليل لمحل الكلام وهذا شرط بديهي ما في داعي نشترطه اصلا ليش؟ لانه اصلا مسألة الاجتماع هو فيما لو كان هذا الدليل دالا على الامر في محل الاجتماع وذاك دال على النهي في محل الاجتماع هذا اصل فرض البحث حينئذ فلا تكون هنالك شرطية زائدة ولا نكون بحاجة الى دلالة دليل على وجود المناط والملاك غير نفس ظاهر الدليل بل بالفعل لا يوجد في الادلة شيء غير ذلك، هذا تمام الكلام في المناقشة مع صاحب الكفاية في اصل مطلبه، ثم ان هنا مناقشات تفصيلية ذكرها بعض المحققين وبالاخص السيد الخوئي كما في المحاضرات رضوان الله عليه مع بعض تفاصيل صاحب الكفاية مما لم يعد له حاجة ماسة في البحث لكن لا بأس بالتعرض لها لشحذها الاذهان يأتي والحمد لله وصلى على محمد واله الطاهرين.