الأستاذ الشیخ حسان سویدان
بحث الأصول

46/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أصول: الجهة الثالثة: في اشتراط إحراز المناط الفعلي في الحكم المأمور به والمنهي عنه

 

الجهة الثالثة في اشتراط احراز المناط الفعلي في الحكمين اي مناط المأمور به ومناط المنهي عنه، وهذا الشرط يستفاد مما ذكره صاحب الكفاية اعلى الله مقامه الشريف في الأمرين الثامن والتاسع الذين عقدهما تقديما لمسألة الاجتماع والامتناع فقد افاد في الامر الثامن أنّ الامر والنهي لا يكونان من الاجتماع ولو التقى موضوعاهما على واحدٍ بتوسّط عنوانين ما لم يكن مناطُ المأمور به، وانا مصرّ على التعبير بالمناط لما عبره هو، مناط المأمور به ومناط المنهي عنه موجودان بالفعل لكي يكون الامر فعليا لا إقتضائياً اذ يمكن ان يُتصوَّر وجودُ المناط في المأمور به في طرف الامر لكن لا على الاطلاق اي ولو التقى مع المنهي عنه في الواقع الخارجي، وكذلك الكلام في الطرف المقابل فيكون المناط والحال هذه عند الالتقاء اقتضائيا لا فعليا ومعنى كون الملاك اقتضائياً ان الحكم يكون انشائيا حينئذ اذ لا نتصور وجودَ حكمٍ فعلي إلّا بفعليّة موضوعه فاذا كان المناط اقتضائيا اي لولا الالتقاء فلا يكون مناط بالفعل ومع عدم وجود المناط بالفعل لا يكون حكمٌ بالفعل، من هنا افاد رضوان الله تعالى عليه بانه يشترط للدخول في مسألتنا ان يكون مناط كلٍ من المأمور به والمنهي عنه مناطاً مطلقاً فيكون الحكم على موضوعه مطلقا وكلما وجد الموضوع في الخارج وجد الحكم، ولو كان الموضوع الخارجي مجمعاً للمأمور به والمنهي عنه كالصلاة في الدار المغصوبة، اما لو كان احد المناطين غير مطلق فضلاً عن كليهما فلا اشكال ولا ريب يقول في انه لا يكون من مسألتنا ذلك انما لا يكون مناطه مطلقاً لا يكون حكمه فعليا فاذا لم يكن حكمه فعليا موجوداً بالفعل فيكون الواقع محكوماً بخصوص ما كان مناطه فعليا بالفعل سواء كان طرف الامر او طرف النهي فيكون الواقع محكوماً بذي المناط الفعلي وهو احد الطرفين بحسب الفرض فكيف يكون من مسألة الاجتماع! فضلا عما لو كان كِلا المناطين غير مطلقين فلا اشكال ولا ريب في ان الواقع حينئذ يكون محكوما بغير الحكمين لانه لا حكم الا مع مناطه وعليه فلا تدخل المسألة في عالم الاجتماع، انما الكلام في انه ما الطريق لنا الى احراز المناطات في الاحكام وهذا انتقال من عالم الثبوت الى عالم الاثبات في البحث اي مما يُتصور مناط الحكم الى الدال عليه، لا اشكال ولا ريب في اننا بحسب مقام الدلالة والاثبات وما بين ايدينا من الادلة ايات وروايات فان ظاهرها الفعلية للحكم بفعلية الموضوع وتحوّل الجعل الى مجعول ما يعني الكشف عن وجود المناط في عالم الدلالة، وعليه فاذا احرزنا من ظهور الدليل وجود المناط بالفعل وإطلاقه لحالة الالتقاء في واحد في الخارج فلا كلام في صيرورته من مسألتنا فيكون من باب التعارض او التزاحم على تفصيل سيأتي امتناعاً وجوازاً، اما لو لم يُحرز المناط بان كان الدليل لسبب من الاسباب لا يستفاد منه الاطلاق ليكشف إناً عن اطلاق المناط فافاد صاحب الكفاية فان احرزنا ولو من خارج ان المناط غير مطلق بالاقتضاء وهو ما عبر عنه في عبارته من قبيل الثاني فالمقام يكون من مقامات التعارض بين الروايتين بين الدليلين الدالّين ولا يكون من بابنا، نعم اذا لم نحرز ان المناط من قبيل الثاني اي غير المطلق فلا يكون هناك تعارض بل يكون داخلاً في مسألتنا وهو من قبيل التزاحم فيؤخذ باقوى المناطين لا باقوى الدليلين فقد يكون الدليل الاقوى سندا مثلا او دلالة اقل مناطا لانه في الاموال بينما الدليل الاضعف سندا اقوى مناطا لانه في الاعراض او الانفس مثلا، ثم استدرك قائلا نعم لو كان كل منهما متكفلا للحكم الفعلي لوقع بينهما التعارض فلابد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة لو لم يوفق بينهما بان يكون احدهما اقتضائي والاخر هذا باب التوفيق العرفي اللي بيتبناه هو في باب الاحكام الثانوية مع الاولية يعني لو صرنا اليه يقول فرضا فرضا هذه خلاصة مع توضيح الامر الثامن يا اخوان، في الامر التاسع المربوط بنفس البحث جاء يقول يذكرنا بان المعتبر في هذا الباب اي باب الاجتماع والامتناع ان يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملة على مناط الحكم مطلقاً حتى في حال الاجتماع هذا مقصوده مطلقا، فاذا دل الدليل على ذلك من اجماع او غيره فلا اشكال واما لو لم يكن الا اطلاق دليلي الحكمين فعندي تفصيل هذي اضافة اسا ليش عقد لها امر تاسع فانت تحدثت عن مقام الدلالة والاثبات في الامر الثامن! لا ادري، يقول اذا لم يكن الا اطلاق الدليلين للحكمين فنقول هنا حالتان اذ الاطلاق تارة يكون لبيان الحكم الاقتضائي فيكون دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع فيكون من بابنا من باب اجتماع الأمر والنهي، اما لو كان بصدد الحكم الفعلي فلا اشكال في استكشاف ثبوت المقتضي اذ لا حكم فعلي من دون ثبوت مقتضي الا اذا علمنا اجمالا بكذب احد الدليلين فيكون بحكم المتعارضين هذا التعارض بالعرض جيد، اما اذا قلنا بالامتناع امتناع اجتماع الامر والنهي فيكون الاطلاقان متنافيين من دون دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع اصلاً، اذ كما يكون انتفاء المقتضي بالفعل تأثيرا في الفعلية لاجل المانع يمكن ان يكون لاجل انتفاء الاقتضاء، فاذا انتفى الاقتضاء فقد يكون منتفيا في الاثنين في حال الاجتماع ومعه لا يبقى مجال لادخال البحث في محل التزاحم اذ التزاحم فرع احراز المقتضي بل سوف يكون حكماً بحكم التعارض فان كان احد الدليلان اقوى اخذ به مش على مستوى المناط المناط ما عنا أقوائيا المفروض والا صرنا الى ما يصار اليه مع انتفاء الترجيح من التخيير او التساقط والرجوع الى الادلة الفوقانية او الاصول العملية، ثم لخص لنا المطلب هو في نهاية المطاف انه كلما وجد الدال على ثبوت المقتضي في الحكمين مطلقاً فهو من مسألة الاجتماع وكلما لم توجد دلالة على ذلك فهو من باب التعارض دائما سواء وجدت دلالة تدل على انتفاء المقتضي ام لم توجد دلالة تدل على ثبوت المقتضي، أقول واضح من الامرين الثامن والتاسع ان هذا الذي افاده صاحب الكفاية ينقسم الى قسمين رئيسين مقام الثبوت ومقام الاثبات هذا المعنى الذي ذكره صاحب الكفاية اول ما يستوقفنا فيه يا اخواني هو انه ما مقصوده من المناط لان ما عبر الا بالمناط اذا لاحظتم اي الجهة التي جعلت الشارع الحاكم يشترع يحكم، شوفوا ان شككنا في شيء لا نشك في ان صاحب الكفاية من اعاظم الاصوليين بل من عاظم المدققين قد يغفل عن شيء لكن اذا غفل عن شيء لا يكون من الواضحات يصعب غفلته عن امر من الواضحات، اقول لا يكاد يخفى على صاحب الكفاية ان مبحث اجتماع الامر والنهي ليس من مختصات مذهب العدلية والقول بالتحسين والتقبيح وان الاحكام على مستوى موضوعاتها تابعة للمصالح والمفاسد فالحسن الذاتي للشيء هو الذي يبعث المولى على الامر به والقبح الكامن هو الذي يبعث المولى على النهي عن المنهي عنه بل ان مبحث اجتماع الامر والنهي يجري ايضا على مسلك الاشعري المنكر للتحسين والتقبيح وتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد على مستوى متعلقاتها وان الحسن ما حسنه الشارع وان لم يكن فيه حسن على مستوى الموضوع المتعلق والقبيح ما قبحه في الشارع، وكأن اصراره على التعبير بالمناط لا الملاك جاء من هذه الجهة اذ يريد ان يقول بان المناط الذي جعل الشارع يشرع يحكم يأمر ينهى سواء كان امرا راجعا الى متعلق وموضوع الحكم ام كان راجعا الى ذات ارادة الشارع ليمتحنكم وان يكن فان الحسن ما حسنه ولو لم يكن ذا ملاك في نفسه، بالاخير شوفوا يا اخوان الشارع حكيم وفعله ذات الحكمة ومحض الحكمة فهنالك جعله يأمر مناط جعله ينهى اذ الاشعري لا يعترف بما يلزمه به العلامة الحلي وغيره من انه يعترف بان الله يفعل القبيح والعياذ بالله بل ينفي هذه الصفة عن نفسه بأشد النفي يقول الله ذاته الحسن والحكمة فما امر به فهو الحسن والحكيم ولو لم يكن على مستوى موضوعه ومتعلقه ذا مصلحة او ذا ملاك هذا ما قال الاشعري، فالاشعري يقول الشارع الاقدس له مناط لكن المناط مش مناطكم يا اهل التحسين والتقبيح العقليين والملاكات في متعلقات وموضوعات الاحكام، فاذا كان هذا هو مراد صاحب الكفاية اعلى الله مقامه الشريف فالبحث عنده شامل لكل من مذهب العدلية والاشعري ولا يتأتى عليه حينئذ ما استشكل به عليه المحقق النائيني مختصرا وافاض فيه مفصّلا السيد الخوئي وسيأتي غدا ان شاء الله والحمد لله وصلى الله على محمد واله الطاهرين.