وصل الكلام إلى
أنّ المحقّق النائيني
رحمهالله
أجرى أصالة العموم حتّى في المورد الذي يكون فيه الضمير الذي عُلم برجوعه إلى بعض
أفراد العامّ متّصلاً بالجملة الأُولى، حيث أفاد رحمهالله أنّ المورد ليس من
موارد الاحتفاف بما يصلح للقرينيّة، ما يعني: أنّه رحمهالله لا يرى تطبيق هذا
المبنى إلّا في موردٍ كانت فيه القرينة مبيَّنة غير مجملة، وكانت متّصلةً بالعامّ،
أو بذي القرينة، فتخصّصه أو تصرفه عن ظهوره.
وكذلك فيما لو
كانت متّصلةً بالعامّ في نفس جملة الحكم، وكانت مجملةً مفهوماً أو مصداقاً، وقد
تقدّم البحث في هذا، وتقدّم مبنى المحقّق النائيني رحمهالله، فإنّه وافق المشهور
في أنّ الإجمال يسري من الخاصّ إلى العامّ. ولنسمّ هذا بمبدأ الصلاحية للقرينيّة
اللّفظيّة.
فكأنّ المحقّق
النائيني رحمهالله يريد أن يقول: إنّه في المقام هناك جملة مع حكم، وهي:
والمطلّقات يتربّصْنَ، وهناك جملة ثانية أُضمر موضوعها لرجوعه إلى موضوع الجملة
الأُولى، ولكنّها تضمّنت حكماً ثانياً غير الحكم الأوّل. فالجملة الأُولى في حكمها
الأوّل لم تقترن بقرينةٍ مبيَّنة أو مجملة لتصرف الموضوع في الجملة عمّا هو ظاهره
الأوّليّ في المبيَّنة، ولتُجمله في القرينة المجملة مفهوماً أو مصداقاً. بل إنّ
الإجمال في المقام جاء في موضوع الجملة الثانية، وحينئذٍ: فلا مساس مباشر له
بالجملة الأُولى. وعليه: فلا معنى لدعوى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة، وهو ما
ذهب إليه المحقّق صاحب الكفاية رحمهالله، وتبعه عليه معظم المحقّقين بعده.
هذا المقدار من
الكلام للمحقّق النائيني رحمهالله، مع هذا التوجيه، علّق عليه الشهيد الصدر رحمهالله،
ويُقتبس أيضاً من السيّد الخوئي رحمهالله بشكلٍ غير مباشر؛ إذ لم يتعرّض لخصوص
هذه الجهة من كلام المحقّق النائيني رحمهالله، لكن يتّضح تعليقه عليه ممّا تعرّض
له.
وقد اتّفق
العَلَمان، الشهيد الصدر والسيّد الخوئي، على القول بأنّ الاحتفاف بما يصلح
للقرينيّة ليس من داعٍ يقيّدنا؛ لكونه جزءاً من جملة الحكم الأُولى، فيمكن القول
بالإجمال في أصالة العموم في الجملة الأُولى، بمقتضى اختلال الدلالة ولو على مستوى
المراد الجدي في الجملة الأُولى، بسبب دلالة سياقيّة متّصلة سياقيّاً بالكلام؛ ذلك
أنّ مرجع الضمير الذي عُلم أنّه لا يُراد منه إلّا بعض أفراد العامّ يقضي بأن تكون
هناك بحسب الظهور السياقيّ مطابقة بين الضمير وبين مرجعه. والمفروض، أنّ كلامنا
هنا هو في الضمير الذي جاء في نفس السياق اللفظيّ مع الجملة الأُولى، ولذلك صحّ
الإضمار. فكما أنّ القرينة المبيَّنة أو المجملة إذا جاءت في الجملة الأُولى توجب
الإجمال أو التخصيص (التخصيص بمعنى ضيّق فم الركيّة، وليس التخصيص الاصطلاحيّ)،
فكذلك إذا جاءت القرينة في سياق متّصل مع الأوّل، والمفروض أنّ الضمير قد علِمْنا
أنّه لا يُراد منه إلّا البعض، فبمقتضى التطابق بين الضمير ومرجعه، إن لم نقل بأنّ
المراد من مرجعه هو نفس المراد منه، فيتضيّق المرجع، فلا أقلّ من أنّه يجمل، فلا
نستطيع أن نتمسّك بأصالة العموم.
هذا مجمل
التعليق على كلام المحقّق النائيني رحمهالله.
وهذا الكلام مع
التعليق يُظهر بشكلٍ شبه واضح وجود خلل في كلام المحقّق النائيني رحمهالله وهو ـ
في تقديرنا ـ لا يكاد يخفى على مثله، خصوصاً وأنّ كلامنا في المقام الأوّل، أي:
فيما لو كان الضمير المراد منه البعض في نفس السياق، وكان على مستوى الإرادة
الاستعماليّة، يعني: هنالك قرينة داخليّة في نفس الجملة الثانية، ولم نعلم ذلك
بقرينة خارجيّة، هذا هو محلّ الكلام.
أقول:
هناك نوع من التيه ـ إن صحّ التعبير ـ في هذا المبحث؛ إذ وقع خلط في بعض الكلمات
بين البحث الكبرويّ والبحث الصغرويّ، نريد من البحث الصغرويّ هنا هو الآية
المباركة؛ فإنّ المراجع لفوائد الأصول وأجود التقريرات، يجد أنّه صبّ جلّ بحثه على
هذه الآية المباركة، ومنها دخل إلى البحث، وعندما وافق المحقّق الخراسانيّ ـ فيما
سيأتي من الفرض الثاني ـ على إجراء أصالة العموم وعدم جريان أصالة عدم الاستخدام
وافقه بوجوهٍ ثلاثة.
واحد من هذه
الوجوه هو نفس الوجه المتقدّم عن المحقّق الخراسانيّ رحمهالله، من أنّ دليل إجراء
أصالة العموم هو الارتكاز العقلائيّ، وأنّه يجري في مثل المقام.
وفي جوابه
الثالث قال: إنّ المورد أساساً ليس من موارد إجراء أصالة عدم الاستخدام؛ إذ أصالة
عدم الاستخدام إنّما تجري في موردٍ يكون فيه اختصاص الضمير ببعض أفراد العامّ عُلم
من نفس الكلام، أما وقد عُلم من خارج الكلام وبقرينة خارجيّة اختصاص الجملة
الثانية ببعض المطلّقات المتربّصات ثلاثة قروء، وهو الحكم بالرجوع، فحينئذٍ: لا
مساغ لإجراء أصالة عدم الاستخدام.
وفي جوابه
الأوّل أيضاً قال (تشييداً لما أفاده المحقّق الخراسانيّ رحمهالله): إنّ أصالة
عدم الاستخدام تُحكّم في المقام لو كان التخصيص يستوجب مجازيّة العامّ. وأمّا إذا
كان لا يستوجب مجازيّة العامّ، فالعامّ في الجملة الأُولى غير مخصّص، وفي الجملة
الثانية مخصّص. وهذا الكلام يُفهم منه أنّ كلّ كلام المحقّق النائيني رحمهالله في
المورد الذي نعلم أنّ الضمير في الجملة الثانية لا يُراد منه تمام أفراد العامّ
بقرينة خارجة عن الكلام، فليس من المعلوم أبداً أنّ المحقّق النائيني رحمهالله
يُنكر مبدأ الاحتفاف بما يصلح للقرينيّة لو كان العلم بأنّ الضمير يُراد منه بعض
أفراد العامّ من داخل الكلام.
فلا ينبغي حمل
تعليق كلام المحقّق النائيني رحمهالله على كلام صاحب الكفاية رحمهالله على هذا
المقام من مقامَي البحث وهو ما لو كان قد عُلم ذلك من داخل الكلام؛ إذ من الواضح
أنّه لو عُلم من داخل الكلام، فإنّ الدلالة السياقيّة تصلح لتحقيق مبدأ الاحتفاف
للكلام الأوّل بما يصلح للقرينيّة؛ إذ باتت القرينة من داخل نفس الكلام وسياقه.
فعلى هذا
الأساس، يكون المحقّق النائيني رحمهالله رافضاً لكلام المحقّق الخراسانيّ رحمهالله
من باب أنّ القرينة قرينة خارجيّة، وليست قرينة داخليّة، فلا تهدم ظهور الكلام.
جاءتنا قرينة خارجيّة تهدم ظهور الضمير على مستوى المراد الجدّيّ (لا ظهوره
اللّفظيّ) في أنّه يُراد منه تمام ما يُراد من مرجعه. وإذا كان الأمر كذلك،
فالمطلَّقات والضمير لم يُستعملا أساساً إلّا في العموم. غاية الأمر: القرينة
الخارجيّة بلحاظ المحمول قيّدت الموضوع ببعض الأفراد، ولا مساغ لتقييد الأوّل ببعض
أفراده. هذا ما يريد أن يقوله المحقّق النائيني رحمهالله.
فلا يبقى في
مقابله إلّا دعوى ـ يظهر من السيّد الخوئي والشهيد الصدر* الإصرار عليها (يصرّح بها الشهيد الصدر رحمهالله، وإن لم يصرّح
بها السيّد الخوئيّ رحمهالله) ـ وهي أنّ الظهور السياقيّ التصديقيّ يقضي بأن يكون
المراد جدّاً من العموم في الجملة الأُولى نفس المراد جدّاً من الضمير، فيُقال:
صحيح أنّ الضمير على مستوى الاستعمال، كالمطلَّقات، مستعمل في العموم، لكن لمّا
علمْنا أنّ المراد جدّاً منه هو الخصوص، فبمقتضى الظهور السياقيّ التصديقيّ يمكن
أن يُدّعى أنّ المطلَّقات، وهي الموضوع الصريح المأخوذ في الجملة الأُولى، لا نحرز
أنّه يُراد منه تصديقاً أكثر ممّا يُراد تصديقاً من الثاني. فإذا أوجبت القرينة
الخارجيّة اختلال الضمير، فالظاهر: أنّها تستوجب إجمال أصالة العموم في الاسم
المصرَّح به، وهو المطلَّقات في الآية المباركة. (هذا لا نستطيع أن ننسبه جزماً
إلى السيّد الخوئي رحمهالله؛ لأنّه رحمهالله عزل البحث عن آية المطلَّقات
بالكامل؛ لكونه من الأمثلة المشوِّشة، لكنّ الشهيد الصدر رحمهالله يصرّح به،
ويأتي بوجهين، أحدهما ذوقيّ والآخر فنّيّ، وكلاهما واحد لبّاً، وهو هذا الذي
ذكرناه). فيزعم الشهيد الصدر رحمهالله أنّه حتّى على مستوى المدلول التصديقيّ ما
دمنا علمْنا أنّ المراد الجدّيّ من الضمير هو بعض الأفراد، فأيضاً لا بدّ وأن يجمل
الخطاب في الجملة الأُولى. والنتيجة حينئذٍ هي عدم جواز وعدم إمكان التمسّك في
الجملة الأُولى. فالقدر المتيقّن حينئذٍ هو ما أُريد من الضمير، فهنّ اللّاتي
يتربّصْن بأنفسهنّ ثلاثة قروء.
لكنّ الإنصاف:
أنّ هذا ممّا لا يساعد عليه العرف؛ إذ المفروض استعمالاً أنّ مرجع الضمير هو تمام
المطلَّقات. والقرينة الخارجيّة إذا جاءت، فهي لا تتصرّف في الاستعمال ولا في
الوضع، غاية الأمر: تقتطع ـ على مستوى الإرادة الجدّيّة ـ بعض أفراد الموضوع؛ ذلك
أنّها لا تريد ترتيب الحكم بالرجعة على تمام أفراد الموضوع، وهذا لا يمسّ بوجهٍ ـ
بحسب ذوقنا العرفيّ ـ الحكم الموجود في الجملة الأُولى؛ إذ التقييد في الجملة
الثانية إنّما كان على مستوى المراد الجدّيّ، لا الظهور الاستعماليّ، والتقييد في
حكمٍ لا يلازم التقييد في حكمٍ آخر، فالضمير مستعمَل في تمام ما وُضع له.
فالسياق على
مستوى الاستعمال لا يتضرّر. وأمّا السياق على مستوى الإرادة الجدّيّة، فلم نفهم
وجهه؛ فإنّ السياق الاستعماليّ واحد. إذاً، فقد خرجنا عن أصالة عدم الاستخدام؛ إذ
البحث لم يعد لفظيّاً، وجاءتنا قرينة منفصلة قيّدت العامّ بلحاظ الحكم الثاني ببعض
أفراده. فبقي مرجع الضمير هو العامّ، وبقي الضمير مستعملاً في العموم، لكن يُراد
منه جدّاً الخصوص بلحاظ الحكم الثاني، فلا وجه للقول بأنّه إذا كان كذلك بلحاظ
الحكم الثاني فلا بدّ وأن يكون كذلك أيضاً بلحاظ الحكم الأوّل. لا توجد قاعدة أو
سياق عقلائيّ يُلزمنا بذلك.
ونستظهر أنّ هذا
هو الذي كان يرمي إليه المحقّق النائيني رحمهالله عندما أفاد بأنّ المقام ليس من
مقامات احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة.
وخلاصة البحث في
هذا المقام الأوّل: أنّه إن كانت القرينة من داخل الجملة الثانية، فالإنصاف أنّ
الحقّ مع صاحب الكفاية رحمهالله؛ ذلك أنّ القرينة إذا كانت من داخل الجملة
الثانية، فهي من نفس السياق الذي للجملة الأُولى، فتذهب بالظهور الاستعماليّ
للضمير في أنّه يُراد منه الجميع، فيؤثّر هذا جزماً على عقد الوضع في الجملة
الأُولى.
ولكن نحن لا
نزعم، بل لا نظنّ، أنّ المحقّق النائيني رحمهالله يخالف صاحب الكفاية رحمهالله
في هذا، بل من الواضح: أنّ هذه قرينة على مستوى اللّفظ والاستعمال.
وأمّا حيث يكون
عُلم ذلك من قرينة خارجيّة منفصلة، فالحقّ مع المحقّق النائيني رحمهالله. ونحن لا
نستطيع أيضاً هنا أن ننسب إلى صاحب الكفاية رحمهالله أنّه يقول هنا بأنّه من
الموارد المحتفّة بما يصلح للقرينيّة. بل نكاد نجزم بأنّه رحمهالله لا يريد من
قوله بصلاحية الاحتفاف للقرينة إلّا الفرض الأوّل، فلا يكون هناك خلاف أساساً
بينهما في الواقع. بل كلٌّ نظر إلى جهةٍ من الكلام.
يبقى الإشكال
على الشهيد الصدر رحمهالله الذي زعم إجمال أصالة العموم حتّى في الفرض الثاني.
ويبقى الإشكال
أيضاً ـ والله العالم ـ على السيّد الخوئي رحمهالله الذي يظهر منه إجراء أصالة
عدم الاستخدام والقول بإجمال أصالة العموم في تمام الوجوه، أي: في كلتا الحالتين
الكلّيّتين. وإن كنّا أيضاً لا نجزم بأنّ السيّد الخوئي رحمهالله ناظر إلى
القرينة الخارجيّة، بدليل أنّه بعد أن تكلّم في كبرى المسألة صرّح بأنّ الآية ليست
من صغرياتها. فهو رحمهالله كأنّه يريد أن يقول: إنّ أصالة عدم الاستخدام إنّما
يتأتّى البحث فيها حيث تكون القرينة داخليّة، من داخل نفس الجملة الثانية.
وإذا كان الأمر
كذلك، فلا نزاع بيننا وبينه حينئذٍ على الإطلاق؛ إذ القرينة التي تصلح لتقييد
الضمير ببعض أفراد العامّ في مرحلة الإرادة الاستعماليّة، هي بنفسها، بمقتضى
الظهور السياقيّ مع الجملة الأُولى، تصلح لتقييد الموضوع في الجملة الأُولى؛ إذ
الظهور السياقيّ ـ في مرحلة المراد الاستعماليّ ـ قويّ إلى حدّ يجعل أصالة التطابق
بين ما استعمل فيه وبين ما أراده غير جارية.
بل يمكن أن
يُقال أكثر من هذا: لا يُحرز أنّ المطلَّقات في المقام استُعمل في تمام ما يصلح
للانطباق عليه ليكون عامّاً، ببركة القرينة التي تضمّنتها الجملة الثانية في نفس
السياق الكلاميّ.
وبهذا يظهر: أنّ
الكلام كأنّه عند المحقّقين لم يكن متمركزاً على نقطة واحدة. وقد كان حقّ البحث
يقتضي أن يُبحث عن القاعدة الكلّيّة بمعزل عن التطبيق. وإلّا، فما هو معنى أن نربط
البحث بتطبيقٍ يعترف جلّ المحقّقين بأنّه ليس تطبيقاً لهذه المسألة. وهذا أدلّ
دليل على أنّه أعوزهم إيجاد مثال من الآيات والروايات يكون مثالاً واقعيّاً
للدوران بين أصالة العموم وأصالة عدم الاستخدام من نفس داخل الكلام.
بهذا نكون قد
أوضحنا كلا الشقّين في كلام الشهيد الصدر رحمهالله (بحسب تقريرات السيّد الهاشميّ>)؛
لأنّه الشهيد الصدر رحمهالله تكلّم عمّا لو كانت القرينة داخليّة مرّةً على مستوى
الإرادة الاستعماليّة، ومرّةً على مستوى العلم بالإرادة الجدّيّة مع عدم تشخيص
الاستعمال.
وليس مرادنا من
الحالة الثانية التي ذكرناها بالأمس هو نفس الشقّ الثاني في كلام الشهيد الصدر
رحمهالله. فاقتضى التنبيه.
الحالة الثانية
هي التي نُسب إلى صاحب الكفاية رحمهالله أنّها هي التي يقول فيها بإجراء أصالة
العموم بلا كلام. وهي ما لو كانت القرينة قرينة خارجيّة.
فأفاد صاحب
الكفاية رحمهالله أنّه بمقتضى السلوك العقلائيّ في باب المحاورة فالعموم مستعمل
في العموم ومراد جدّاً منه العموم أيضاً. والضمير مستعمل في العموم، غاية الأمر:
أنّه أُريد منه الخصوص ببركة القرينة الخارجيّة، أي: في مرحلة المدلول التصديقيّ
والإرادة الجدّيّة.
هذا ما قاله
المحقّق الخراساني رحمهالله ووافقه عليه المحقّق النائيني رحمهالله أيضاً.
قال المحقّق
النائيني رحمهالله: إنّ أصالة العموم المقتضي فيها تامّ في الجملة الأُولى،
والمانع مفقود؛ إذ القرينة الخارجيّة التي قيّدت الضمير ببعض الأفراد لم تصيّر
الاستعمال استعمالاً مجازيّاً، بل أخرجت على مستوى الإرادة الجدّيّة فقط. فالسياق
كلّه سياق عموم على مستوى الإرادة الاستعماليّة، ولم يأتِ ما يُخرج على مستوى
الإرادة الجدّيّة من أصالة العموم شيء، فلا معنى للإخراج.
وأمّا وجهه
الثاني فهو نفس وجه صاحب الكفاية رحمهالله. وأمّا وجهه الثالث، فقد تعرّضنا له.
وحينئذٍ:
فيُشكل عليه السيّد الخوئي رحمهالله بأنّ الكلام ليس في ظهور كلّ عقدٍ، بل الكلام
إنّما هو في الظهور السياقيّ.
وهذا قد أجبنا
عنه قبل قليل في ردّنا على الشهيد الصدر رحمهالله.
فكأنّ السيّد
الخوئي رحمهالله يتكلّم في مكان، والمحقّق النائيني رحمهالله يتكلّم في مكانٍ
آخر؛ فإنّ الظهور السياقيّ اللّفظيّ لم يختلّ، وإنّما الذي اختلّ هو المراد
الجدّيّ في عقد الوضع في الجملة الثانية، وهذا لا تأثير له على عقد الوضع في
الجملة الأُولى. ولا يلزم اختلال السياق؛ لأنّ الضمير مستعمل في العموم على مستوى
الإرادة الاستعماليّة.
فصفوة الكلام في
هذه المسألة: أنّه في كلّ موردٍ كانت القرينة داخليّة في الجملة الثانية، جملة
الضمير، فهذا يستوجب الإجمال في عقد الوضع في الجملة الأُولى.
لكن لا مصداق
لهذا في الآيات والروايات، فهو ليس محلّ ابتلاء.
والذي نُبتلى به
في الآيات والروايات هو الحالة الثانية، وهي ما لو كانت الجملة الأُولى مع عقد
الوضع في الجملة الثانية (الضمير)، كلاهما مستعملان في العموم، وبالقرينة المنفصلة
علِمْنا بأنّ الحكم الثاني موضوعه بعض العامّ، لا كلّ العامّ، فإنّه لا تتأتّى
أصالة عدم الاستخدام؛ لأنّ أصالة عدم الاستخدام إنّما تتأتّى في الاستعمال
الوضعيّ، ولا ربط لها بالإرادة الجدّيّة. فيكون الحقّ حينئذٍ مع المحقّق النائيني
رحمهالله ومع صاحب الكفاية رحمهالله في أنّه في هذه الحالة نتمسّك بأصالة
العموم. ولكن في الجملة الثانية لا يمكن أن نعمل بالعموم؛ لأنّ الشارع نفسه نصّص بقرينة
منفصلة على أنّه لا يريد بعض أفراد العموم. وهذا لا يضرّ بظهور الكلام، لا
اللّفظيّ، ولا السياقيّ.
هذه صفوة الكلام
في هذا الموقف.