بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ حسان سویدان

36/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

لا يزال الكلام في استعراض الروايات الواردة في الصيد وأنّه هل تُقصر فيه الصلاة مطلقاً أم تتمّ أم فيه تفصيل.
وكان الكلام في الرواية الثانية من الباب 9، وهي:
[الشيخ الطوسيّ بإسناده] عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن عبد الله، قال: سألْتُ أبا عبد الله عن الرجل يتصيّد، فقال: إن كان يدور حوله فلا يقصّر، وإن كان تجاوز الوقت فليقصّر.[1]
للشيخ الطوسيّ إلى محمّد بن عليّ بن محبوب طرق عديدة، وهي صحيحة.
ومحمّد بن الحسين هو ابن أبي الخطّاب القمّيّ.
وصفوان هنا هو ابن يحيى.
وعبد الله الظاهر أنّه ابن سنان، وربما قيل: إنّه ابن مسكان؛ لاستبعاد روايته عن ابن سنان بالمباشرة، لكنّه استبعاد على كلّ حال فيه ما فيه. ولو كان الثاني، فهو ثقة. بل على المشهور، وهو المنصور لدينا، فلو كان عبد الله هنا غير معروف من هو، لعملْنا بالسند أيضاً من باب أنّ الراوي هنا هو صفوان، بسندٍ صحيح إليه.
ولا يُدخل علينا بأنّ هذا من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة؛ إذ لعلّ عبد الله هو أحد الذي يُسمّون بهذا الاسم من الذين ضُعّفوا في كلامٍ آخر، فيصبح عبد الله مردّداً بين المضعَّف وغير المضعَّف.
والجواب عن هذا: أنّ رواية صفوان عنه هي شهادة فعليّة بوثاقته، من باب شهادة الحال، وتضعيفه ولو من جهة عدم معرفتنا من هو غير محرز. فالمقتضي للحجّيّة موجود، والمانع غير محرز، فهو مفقود.
التعبير بأنّه يتصيّد ظاهر في الاستمرار والتكرّر، وأنّه من أهل هواية الصيد، لا مجرّد أنّه يخرج للصيد.
وهذه الرواية أجنبيّة عن محلّ البحث؛ إذ هي تتحدّث عن أنّه يقصّر إن صدق عليه أنّه مسافر. غاية ما هنالك: أنّها يمكن عدّها في الروايات المطلقة الدالّة على أنّ الصيد كغيره تُقصر فيه الصلاة؛ لأنّ كلّ من يتصيّد ـ بحسب ظاهر الرواية ـ إذا تجاوز الحدّ فليقصّر، وهذا يعني: أنّ الصيد أيضاً فيه تقصير. وبمقتضى إطلاقها، لو خُلّينا نحن وهذه الرواية، فهي تدلّ على أنّ المسافر للصيد يقصّر كالمسافر لغير الصيد، ولا خصوصيّة للصيد.
وعلى هذا الأساس، فيكون لدينا لحدّ الآن ثلاث طوائف: طائفة تقول بأنّ من يصطاد يتمّ الصلاة، وهي بمثابة المقيِّد والمخصِّص لروايات السفر والمسافة. وطائفة تقول بأنّه يقصّر الصلاة، وطائفة ـ وتمثّلها لحدّ الآن الرواية السابقة، أي: الرواية الأُولى من الباب ـ والتي ظاهرها أنّ نسبة هذه الرواية إلى الطائفتين معاً هي نسبة العموم والخصوص من وجه، فبلحاظ موضوع السؤال: موضوع السؤال هو الصيد، فالنسبة عموم وخصوص مطلق، لكن بلحاظ موضوع الجواب، الذي هو مورد الحكم الشرعيّ، جُعل السفر لهواً، ومنه الصيد اللّهْويّ.
لكن لا شكّ في أنّ النسبة حتّى لو كانت هي نسبة العموم والخصوص من وجه؛ إذ هناك لهو غير صيديّ، وهناك صيد غير لهويّ، فما دام أحد العنوانين عنواناً ثانويّاً بالنسبة إلى العنوان الأوّل، فإنّه يُقدّم عليه ولو كانت النسبة بينهما العموم والخصوص من وجه. عنوان اللّهو بالنسبة إلى عنوان الصيد عنوان ثانويّ؛ إذ الصيد يمكن أن يكون لهْويّاً ويمكن أن لا يكون لهْويّاً، فالقول بأنّ من خرج بالبزاة والصقورة ونحوها لا يقصّر لأنّه إنّما خرج في لهوٍ يعني أنّ الموضوع هو الخروج اللّهْويّ، كما هو واضح.
الرواية الثالثة:
وعنه [أي: محمّد بن عليّ بن محبوب]، عن العبّاس بن معروف، عن الحسن بن محبوب، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ع، قال: ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيّام، وإذا جاوز الثلاثة لزمه.[2]
صحّة أو عدم صحّة سند هذه الرواية ترتبط بالمبنى في مراسيل أصحاب الإجماع؛ لأنّ الحسن بن محبوب أحدهم. وحيث إنّ الصحيح في محلّه صحّة مراسيلهم كمسانيدهم، إلّا المسند الذي يروي فيه أحدهم عنه وقد تعارض في الجرح والتعديل.
لو كنّا وإطلاق هذه الرواية، فهي لا تنطبق على شيء من الموازين المعروفة والثابتة في الشريعة، عند السنّة والشيعة، من هنا، سهل عند بعض الفقهاء ردّ علمها إلى أهلها؛ إذ هي ظاهرة في التعيين، لا في التخيير، وأنّ من تصيّد ثلاثة أيّام في الغابات فلا يقصّر، وإن زاد على الثلاثة يقصّر، وبحسب إطلاق الرواية: فحتّى لو مشى مسافات أيضاً خلال هذه الثلاثة أيّام، فحكمه أيضاً كذلك.
إلّا أن تُحمل الرواية ـ بنحوٍ من الأنحاء، حتّى لا تُردّ ـ على أنّه في تلك الأزمنة، وبالأخصّ بالنسبة إلى الصائد، لا تُعرف المسافات؛ إذ هو عادةً لا يسير على جادّة وُضعت عليها العلامات، بل لا شكّ في أنّه يجول في البراري والغابات، وعليه: فليس بمقدوره أن يعرف المسافات.
ثمّ الصائد لا يذهب مسافة مباشرة، بل يجول، فقد يجول في مكانه ساعات من اليوم، وقد يرجع، بحسب طريدته، وما إلى ذلك.
فنحتمل هنا أنّ المقصود من الثلاثة أيّام هو الإشارة إلى أمارة على كونه قد قطع مسافة؛ إذ الصائد الدوّار بعد ثلاثة أيّام يكون في العادة قد قطع المسافة المطلوبة، أي: أنّه عادةً كلّ ثلاثة أيّام يقطع مسيرة يوم في العادة، مع أنّ هذه ليست قاعدة، بل يبقى يجول حول البلد، ويصدق عليه أنّه مسافر، عشرة أيّام، لا ثلاثة أيّام. لكن عادةً الذي يختار لسفره أيّاماً، فهذا يريد أن يبتعد عن البلد، وإلّا، فالذي يتصيّد قريباً من البلد يرجع يوميّاً إلى البلد، ولا يبيت في البراري، خصوصاً في مثل تلك الأزمنة، فالبراري مظنّة السباع والضباع، ولا يوجد ما يُكنّهم في العادة، وإنّما يخرجون أيّاماً حيث يبتعدون، فالرواية قابلة لأن لا تكون تعبّداً محضاً، بحمْلها على أنّ الثلاثة أيّام أمارة على أنّ من بات على ثلاثة أيّام من بلده، فقد سار وهو يتصيّد مسيرة يوم في السفر العاديّ.  فلا تكون الرواية مؤسّسةً لشيءٍ على هذا الاحتمال.
فهذه الرواية لا بدّ من إخراجها عن الحسبان في بحثنا؛ لعدم وجود عاملٍ بها بحسب ظاهرها اللّفظيّ، وإن استحقّت التوجيه بما لا يتنافى مع القواعد.
الرواية الرابعة:
وبإسناده [الشيخ الطوسيّ]، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة، قال: سألْتُ أبا عبد الله ع عن الرجل يخرج إلى الصيد، أيقصّر أو يتمّ؟ قال: يُتمّ لأنّه ليس بمسير حقّ.[3]
ابن فضّال هو عليّ بن الحسن بن فضّال.
وابن بكير هو عبد الله بن بكير.
وقد تقدّمت هذه الرواية في بحث سفر المعصية.
وهي موثّقة، لا تقصر عن الصحيح؛ لأنّ الموثّقين فيها من أصحاب الإجماع، أو من بمثابتهم، كعليّ بن الحسن بن فضّال.
واضح جدّاً أنّ الرواية تتحدّث عن الصائد الذي لا يصطاد بحقّ، أي: لا لقوته وقوت عياله، ولا للتجارة، فالمقصود إذاً هو صيد التلهّي، فهي تتناغم مع الروايات التي تحدّثت عن أنّه خرج في لهوٍ أو في باطل، أو لأنّه مسير باطل.
وقوله: بمسير حقّ، فموضوع الحكم هو مسير الحقّ، فمن خرج في مسيرٍ باطل، لا بعنوان الصيد، ولا بعنوانٍ محرّم، فهذه الرواية تشمله. بينما الشائع في كتب الرواية هو المعصية الخاصّة والصيد، وقد قالوا: إنّ الصيد معصية، فأُلحق بسابقه. وسنبحث عن كون صيد اللّهو معصيةً أو لا.
الرواية الخامسة:
وعنه، عن عمران بن محمّد بن عمران القمّيّ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله ع، قال: قلْتُ له: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين، يقصّر أو يُتمّ؟ فقال: إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصّر، وإن خرج لطلب الفضول، فلا ولا كرامة.[4]
عنه: أي: عن أحمد بن محمّد.
الرواية مرسلة. وابن عمران القمّيّ لا توثيق له.
وهي صريحة بالتفصيل بين الطائفتين الظاهرتين في التباين.
وهي وإن لم تكن صحيحة، لكنّها في قوّة الروايات التي قالت: مسير باطل. أو ليس بمسير حقّ.
الرواية السادسة:
وبإسناده [الشيخ الطوسي]، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد السيّاريّ، عن بعض أهل العسكر، قال: خرج عن أبي الحسن ع  أنّ صاحب الصيد يقصّر ما دام على الجادّة، فإذا عدل عن الجادّة أتمّ، فإذا رجع إليها قصّر.[5]
أحمد بن محمّد السيّاريّ، معروف بالغلوّ في الطائفة. ودعاوى الغلوّ وإن كان فيها مدّ وجزر في الطائفة، لكن غالباً المغالي ليس ثقة؛ لأنّ المغالي يجوّز الكذب. لكن للأسف الشديد، هناك مدرسة معروفة في الإماميّة أفرطت في دعاوى الغلوّ على أناسٍ لم يكونوا من الغلوّ في شيء، وهي شريحة وازنة في مدرسة قم. من أمثال أحمد بن محمّد بن عيسى، وشيخ القمّيّين ابن الوليد، وتلميذه الشيخ الصدوق، وهذا يعني أنّه كان في فلكهم جماعة كثيرة. وينبئنا الشيخ المفيد على أنّ جملةً من القمّيّين جاؤوا إليه وكانوا على هذا. ووصفهم بالمقصّرة في رسالته المعروفة؛ لأنّهم بحسب شهادته من مشيختهم وكانوا يزعمون أنّ الأئمّة( لا يعلمون جميع الأحكام الشرعيّة، فردّ عليهم بأنّ هذا هو التقصير بعينه. ونفى جازماً الضابطة التي ذكرها الشيخ الصدوق ره للغلاة، وأنّهم من يتّهمون مشايخ بالتقصير، فقال: ليس نسبة أحدهم إلى الغلوّ أو غيره ضابطةً للتقصير؛ لأنّ الغلوّ أمر اعتقاديّ كما هو واضح. وكيف كان، فإنّ السيّاري لا توثيق له، سواء ثبت غلوّه أم لا. ومن هنا، فما يوهمه تعبير «البدر الزاهر» من تصحيح الرواية بدفع شبهة الغلوّ عنه، ليس في محلّه. والظاهر: أنّ الرجل معروف بالغلوّ، كما تُنبئ عنه مرويّاته. وليس هذا مجرّد تهمة قمّيّة. ويكفينا لنفي الحجّيّة أن لا تَثبت الوثاقة، ولسنا بحاجةٍ إلى إثبات الضعف.
بعض أهل العسكر، العسكر هي سامرّاء؛ لأنّ المعسكر كان هناك.
وأبو الحسن هو الإمام الهادي
وأمّا دلالة الرواية، فنقول: الصيد عادةً لا يكون على الجادّة. ثمّ ما هي ميزة الجادّة على غيرها، فهل يوجد أحد في الإسلام يقول: إنّ السفر لا يكون سفراً إلّا إذا كان على الجادّة؟!
وقد تُوجّه الرواية ببعض التوجيهات، كتوجيهها بأنّه إذا كان على الجادّة فيكون سفره مباحاً، بخلاف ما لو دخل في الأراضي بغير إذن أهلها. لكن، في تلك الأزمنة أغلب الأراضي كانت من البراري المفتوحة والغابات ونحو ذلك. ثمّ الذي يريد أن يفصّل بين السفر المباح وغيره لا يفصّل بين الجادّة وغير الجادّة. ثمّ إنّ الكلام هو عن الصيد، ولا ربط له بالجادّة أو غيرها، بل لا محلّ له إلّا حيث تكون الفريسة.
أو توجيهها ـ كما عن الشيخ الطوسيّ ره ـ بأنّه إن كان على الجادّة فهو مسافر عاديّ، فيقصّر، وإن خرج عن الجادّة ودخل في الغابة فقد بدأ بالصيد، فيتمّ. لكن، إذا كان مسافراً من البداية، ولم يكن في صيدٍ، وبات يقصّر، ثمّ بدأ يتصيّد أثناء السفر، فهل يقول أحد بأنّه لا يقصّر؟! هذا ليس سفر صيدٍ لهويّ، بل على هذا التوجيه هو مسير حقّ، وفي أثنائه تصيّد صيداً لهويّاً، وإلّا، فإنّ الصيد لم يكن هو سبب السفر. ولذا، فإنّ المسافر سفر حقّ إذا زنى في الطريق أو نحو ذلك، فيبقى يقصّر، ولا قائل بأنّه لا يقصّر حينئذٍ؛ لأنّ هذه الأعمال المحرّمة لا علاقة لها بسفره. ثمّ إنّ هذا التوجيه لا يصحّ أصلاً؛ لأنّ السؤال والكلام أساساً إنّما هو عن صاحب الصيد، فظاهر التقسيم أنّه إن تصيّد في الجادّة يقصّر، وإن تصيّد في غيرها يُتمّ. فجعْل السفر في الجادّة لغير الصيد، مع أنّ أصل الكلام إنّما هو عن الصيد يلزم منه خروج أحد القسمين عن المقسم. وهو خلاف الظاهر جدّاً، كما هو واضح.
وعليه: فلا بدّ من ردّ علم الرواية إلى أهلها.
الرواية السابعة:
محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن وغيره، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن ابن بكير، قال: سألْتُ أبا عبد الله عن الرجل يتصيّد اليوم واليومين والثلاثة، أيقصّر الصلاة؟ قال: لا، إلّا أن يشيّع الرجل أخاه في الدين، فإنّ التصيّد (الصيد) مسير باطل، لا تقصّر الصلاة فيه، وقال: يقصّر إذا شيّع أخاه.
محمّد بن الحسن هو ابن بكران المعروف، وهو شيخ الكلينيّ ره، وليس هو محمّد بن الحسن الصفّار كما يتوهّم بعضهم؛ إذ التحقيق في محلّه أنّ الشيخ الكلينيّ ره لا يروي بالمباشرة عن الصفّار.
سهل بن زياد فيه خلاف طويل. والمختار عندنا وثاقته؛ لأنّ كلّ تضعيفٍ نُسب إليه فسببه رمي أحمد بن محمّد بن عيسى له بالغلوّ والكذب. والكذب حينما يقترن بالغلوّ فهو يقترن بما يصلح للقرينيّة، فإن لم نقبل بهذه القرينيّة، فلا نقبل بالنسبة. والمشهور أنّ الأمر فيه سهل.
عليّ بن أسباط، ثقة. وكذا ابن بكير.
قوله: إلّا أن يشيّع الرجل أخاه.. قد يكون المقصود أنّه في أثناء تشييع أخيه يتصيّد، وليس الصيد هو مقصده الأصليّ.
وهذا نوع من التأديب غير المباشر، وأنّ الإمام ع يحثّهم على فعل مكرمةٍ، وإن لم يكن لها ربط بمحلّ الكلام، فيقول: هذا الذي تنشغلون به وتجعلونه كأنّه سنّة، هو مسير باطل، وفي المقابل، هناك شيء أنتم تتركونه ولا تهتمّون به، وهو مشايعة المؤمن بعض الطريق. ولذا رُبط بالتقصير؛ لأنّ المشايعة في تلك الأزمنة كانت تستغرق مسيرة يوم على أقلّ تقدير.
وكيف كان، فالرواية معتبرة. ودلالتها على غرار رواية عبيد بن زرارة وغيرها ممّا دلّ على أنّ الصيد مسير باطل. لكنّها ظاهرة في الإطلاق، وأنّ كلّ صيدٍ فهو مسير باطل. لكنّ هذا مقطوع العدم؛ إذ لا يُحتمل أنّ الشريعة جعلت كلّ صيدٍ كذلك، بل خصوص الصيد اللّهْويّ. فهذا الكلام إذا صدر في بيئة الشريعة لا يُفهم منه الإطلاق، فهو إنّما يُلمح إلى الصيد الشائع.
الرواية الثامنة:
محمّد بن عليّ بن الحسين، بإسناده عن العيص بن قاسم، أنّه سأل الصادق ع  عن الرجل يتصيّد، فقال: إن كان يدور حوله فلا يقصّر، وإن كان تجاوز الوقت فليقصّر.
سند الشيخ الصدوق إلى العيص صحيح. والعيص ثقة جليل.
وهي نفس الرواية المتقدّمة قبل ثلاث أو أربع روايات.
الرواية التاسعة: وفي الخصال عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن الحسن بن عليّ بن أبي عثمان، عن موسى المروزيّ، عن أبي الحسن الأوّل ع، قال: قال رسول الله-: أربعة يُفْسِدْن القلب ويُنبتْنَ النفاق في القلب كما يُنبت الماء الشجر: اللّهْو والبذاء وإتيان باب السلطان وطلب الصيد.
محمّد بن أحمد هو صاحب نوادر الحكمة.
ابن أبي عثمان، الملقّب بـ سجّادة، وفيه كلام.
والمروزيّ هذا لا توثيق له.
وأبو الحسن الأوّل في اصطلاح الدراية هو الإمام الكاظم
الرواية مطلقة، لكن نقول فيها ما قلناه في سابقتها؛ إذ الصيد كان شائعاً لأجل الأكل والقوت، ونحو ذلك، والشارع يُحلّ ذلك. فالمقصود من طلب الصيد هو من يجعل الصيد صنعته ويتلهّى بها.
فالحاصل من هذه الروايات ـ ما قبلناه منها وفقاً للموازين ـ أنّ لدينا 3 طوائف:
طائفة دلّت على أنّ المتصيّد يقصّر كغيره تماماً.
وطائفة دلّت على أنّه لا يقصّر مطلقاً.
وطائفة علّلت وجعلت الميزان من لا يقصر من الصلاة بأنّه لهو أو مسير باطل أو غير حقّ. فتدلّ بشكلٍ واضح على أنّ الموضوع الواقعيّ لعدم التقصير هو السفر اللّهْويّ، وما لا يكون حقّاً. فما ينطبق عليه الصيد اللّهْويّ فلا تقصر فيه الصلاة، وإلّا، فتقصر. فهذه الطائفة الثالثة شاهد جمع بين الطائفتين.
فأصل الحكم لا كلام فيه.
لكن لدينا سفر للقوت، وهذا على نحوين: إمّا أن يتقوّت بنفس الصيد، أو بثمنه.
ولدينا سفر للهو، وهو أيضاً على نحوين: فإنّه إمّا أن يكون لهواً إسرافيّاً، فهو يقتل الفريسة دون أن يأتي بها أصلاً. وإمّا أن لا يكون كذلك، فهو يتلهّى، ومقصده الأصليّ هو التلهّي، لكنّه يستفيد من الفريسة، فيأكلها أو يعطيها من يأكلها. فهو يصدق عليه السفر اللّهويّ وسفر الباطل.
وأحكام هذه الأقسام واضحة في الجملة.
ولدينا من سافر لأجل التجارة، لا القوت. فهو ليس بحاجةٍ إلى الصيد ليتقوّت، ولا إلى ثمنه. بل سفره لأجل أن يتوسّع في كنز المال ـ مثلاً ـ، فهذا مقصد عقلائيّ، وليس لهْويّاً قطعاً (بمعزل عن أنّه قد يكون مذموماً أحياناً)، فما هو حكمه؟ طبق الطوائف الثلاث المتقدّمة لا بدّ وأن يقصر من الصلاة ويصوم. لكنّ المشهور قالوا غير ذلك. وفصّلوا بين الصلاة والصوم.
***


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص481، أبواب صلاة المسافر، باب9، ح8، ط آل البیت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص479، أبواب صلاة المسافر، باب9، ح3، ط آل البیت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص480، أبواب صلاة المسافر، باب9، ح4، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص480، أبواب صلاة المسافر، باب9، ح5، ط آل البیت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص480، أبواب صلاة المسافر، باب9، ح6، ط آل البیت.