بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ حسان سویدان

35/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

في البداية نذكر هنا نكتةً منهجيّة.
في السابق، خصوصاً عند قدماء الأصحاب، كان المتعارف أن يُدرس علمان جنباً إلى جنب، أحدهما: علم الحديث،
والآخر: علم الفقه. وهما متلازمان؛ لأنّ معظم الفروع الفقهيّة تعتمد على علم الحديث.
وقد حاول بعض المتأخّرين من علمائنا إحياء هذه السنّة. لكن، للأسف الشديد، انحسرت هذه السيرة حتّى اضمحلّت.
علم الحديث كان في السابق، كما يُلاحظ بوضوح في الإجازات، يقرأ على الأستاذ قراءةً، وتُبيّن فيه مزايا السند، مشاكل السند، مزايا الدلالة، فيُبحث ـ بمعزل عن المسلّم الفقهيّ ـ أنّ هذه الرواية على ماذا تدلّ، هذا كان شائعاً تدريساً وتأليفاً وتصنيفاً واستجازةً و.. وكانت هناك مدارس رائجة للحديث.
انحسار هذه السيرة أفقد المعاهد والحوزات العلميّة الخبرة العالية في علوم الحديث سنداً ومتناً، وإن كان لبعض المتأخّرين محاولات لإحياء هذه العلوم، كما أشرنا، وعدم الاهتمام بعلم الحديث أفضى شيئاً فشيئاً إلى عدم الاهتمام بعلم الرجال أيضاً.
من هنا، لا نجد اهتماماً فقهيّاً معتدّاً به بعلم الرجال بما يناسب جهد الطائفة، الذي هو من فروع علم الحديث في الحقيقة. إضافةً إلى بعض المباني التي كان لها دور أيضاً في تقليل الاهتمام بهذا العلم.
ولذا، نجد طفراتٍ عندنا، وفتراتٍ فيها شبه موت لهذا العلم. فمن زمان الشيخ الطوسيّ رحمه‌الله ـ مثلاً ـ وما قبله، الذي صُنّف فيه أكثر من 120 كتاب ورسالة في علم الرجال، إلى زمن الشيخ الحرّ رحمه‌الله وما قبله بقليل، كان التأليف بعلم الرجال شبه منتفٍ. سوى فترةٍ يسيرة نشط فيها التصنيف إلى حدٍّ ما، وهي فترة العلّامة الحلّيّ وابن داود الحلّيّ وأستاذهما السيّد أحمد ابن طاووس، ومع ذلك، لم يزد التأليف آنذاك على أنّ السيّد ابن طاووس جمع الأصول الرجاليّة في كتابٍ واحد، وبه تأثّر تلميذاه العلّامة الحلّيّ في الخلاصة، وابن داود في كتابه: الرجال.
بعد ذلك، فُقد التأليف في هذا العلم، إلى زمن الحسين بن عبد الله التستري، الذي أسّس لشيءٍ جديد في علم الرجال، وتتلمذ عليه التقيّ المجلسيّ الأوّل، والقهبائي صاحب مجمع الرجال، والتفرشي صاحب نقد الرجال، وأُلّفت كتب رجاليّة مهمّة في هذا المجال. لكنّ علم الرجال آنذاك لم يُنتقل به نقلة مهمّة، بل بقي يدور على الأصول الرجاليّة الخمسة فقط، حيث اكتفى هؤلاء بتنقيح نسخ وتصحيحها فحسب، مع بعض التعليقات والفوائد. لكن لم يُبنَ بناء أساسيّ آنذاك لهذا العلم.
في عصرنا، عاد الاهتمام إلى حدٍّ ما بهذا العلم، من خلال جهود علميّة ثلاثة مهمّة في هذا المجال، هي: تنقيح المقال للمحقّق المامقانيّ رحمه‌الله وقاموس الرجال للمحقّق التستريّ رحمه‌الله وتلاهما في التأليف واستفاد منهما وعقّب عليهما معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي رحمه‌الله .لكن لا يزال العمل في هذا العلم بحاجة إلى جهود كبيرة جدّاً؛ إذ لدينا منطقة فراغ مؤسفة حقيقةً في هذا المجال؛ إذ لو قايسنا عدد رجال السند عندنا بعدد الذين تُعرّض لهم بالتنصيص في كتب الرجال بشكلٍ مباشر جرحاً وتعديلاً، لوجدنا أنّهم يتجاوزن 7 أو 8% من عدد رجال السند؛ إذ رجال السند بالآلاف، وأكثر كتاب تُعرّض فيه للجرح والتعديل فيه حدود 800 شخص تقريباً. من هنا، نحن بحاجةٍ إلى مبانٍ وقواعد بديلة نوثّق على أساسها، وهو الذي نشط في عصرنا، البحث في القواعد والفوائد الرجاليّة، منذ زمن السيّد بحر العلوم رحمه‌الله والوحيد البهبهاني رحمه‌الله إلى يومنا هذا.
هذا نتاج من نتاجات قلّة الاهتمام بعلم الحديث.
ومن نتاجاته أيضاً: خفاء المراد؛ إذ كما أنّ القرآن الكريم يستخدم مفاهيم بما لها من المعنى اللّغويّ، لكنّه يريد منها معانٍ خاصّة، كلفظ (الإمامة) أو لفظ (الصدق)، الذي يُراد به في القرآن عادةً من يطابق قوله فعله، لا مجرّد من كان صادقاً في لهجته. كذلك في الروايات يوجد أمور من هذا القبيل. ولو درسنا علم الحديث لوصلنا إلى مرادات الحديث بشكلٍ دقيق.
وحيث إنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، اعتمدنا طريقةً في البحث أنّنا عندما نصل إلى مسألة فقهيّة فيها روايات عديدة، لا نعتمد الطريقة البسيطة الرائجة في البحث الفقهيّ، أي: لا نعتمد على تقسيم الروايات إلى طوائف وعنونتها، بل نسير في البحث ضمن خطوتين:
الأُولى: أن نقرأ كلّ الروايات المودَعة في الباب المختصّ في الوسائل تباعاً، من دون مائز موضوعيّ بينها. وفي أثناء القراءة نستطيع أن نعنونها ونقسّمها إلى طوائف. وهذا له فائدة أُخرى، وهي أن لا يكون فهم الطالب أسيراً لفهم الأستاذ واختياره في تقسيم الطوائف. بل نقرأ الروايات معاً، ونتدبّر في سندها وفي فقه دلالتها لنصل معاً إلى الخطوة الثانية: وهي الاستنتاج الفقهيّ منها وتوزيعها على طوائف.
وفي مسألتنا، قلنا: إنّ معظم الفقهاء لم يعيروا بالاً لمسألة المسافة الامتداديّة، بل قالوا: إنّها ثمانية فراسخ، أو أربعة أبردة، أو أربعة وعشرون ميلاً، ولم يعنّوا أنفسهم بالبحث الفقهيّ؛ إذ شبه متسالم بينهم أنّ المسافة هكذا. لكن ذكرنا أنّ المراجع للروايات، بل بعض العلماء نُسب إليهم غير هذا المشهور، ومنهم الشيخ الكلينيّ رحمه‌الله ـ مثلاً ـ، وآخرون نُسب إليهم غير هذا.
عموماً في مقام الصناعة والبحث العلميّ لا بدّ أن نبحث لا بحسب الشهرة، وإن كنّا قد ننتهي إلى نتيجةٍ توافق الشهرة وتطابقها، لكنّ هذا لا يُلغي البحث الصناعيّ؛ إذ إنّ دور عمليّة الاستنباط أساساً هو أن ينظر الباحث في الأدلّة.
وهذه المسألة ـ تحديد المسافة ـ من الواضح أنّه لا يوجد فيها نصّ من الكتاب،  فالأمر ينحصر بالسنّة المطهّرة فيما يرتبط بهذا الأمر.
المراجع للروايات يجد اختلافاً كثيراً بينها، وقد فهرسناها في نهاية البحث السابق باختصار.
نبدأ مباشرةً بقراءة روايات الباب، معظمها موجودة في الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الجزء 8 ص 451، باب وجوب القصر في بريدين ثمانية فراسخ فصاعداً أو مسيرة يومٍ معتدل السير.
معلوم أنّ عناوين الأبواب عند صاحب الوسائل رحمه‌الله تحكي عن فتاواه، فيكون ظاهر هذا العنوان منه رحمه‌الله أنّ أحدهما يكفي عنده.
الرواية الأُولى في الباب:
محمّد بن عليّ بن الحسين (الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه‌السلام أنّه سمعه يقول: إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ، لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؛ لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يومٍ للعامّة والقوافل والأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يومٍ، ولو لم يجب في مسيرة يومٍ لما وجب في مسيرة ألف سنة، وذلك لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا اليوم فما وجب في نظيره؛ إذ كان نظيره مثله لا فرق بينهما.[1]
إسناد الشيخ الصدوق رحمه‌الله إلى الفضل بن شاذان كثيراً ما يتكرّر في الروايات. وفي سند الشيخ الصدوق رحمه‌اللهإلى الفضل بن شاذان:
عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس، وهو شيخ الصدوق رحمه‌الله .يروي عن عليّ بن محمّد بن قتيبة، يروي عن الفضل بن شاذان.
هذا هو السند المذكور في المشيخة.
هناك بعض الأسانيد لبعض روايات الفضل بن شاذان في علل الشرائع وعيون أخبار الرضا عليه السلام، ليست محلّ كلامنا فعلاً.
هذه الرواية بهذا السند يضعّفها السيّد الخوئيرحمه‌الله. والسبب في تضعيفه لها: هو أنّ ابن عبدوس والقتيبي كليهما مجهول الحال عنده؛ لأنّه لا يقول بوثاقة مشايخ الشيخ الصدوقرحمه‌الله، لا مطلقاً، ولا الذين أكثر الترضيّ والترحّم عليهم.
وأمّا القتيبي، فلا توثيق صريح له، وإن كان هو التلميذ الخصيص ـ بحسب الظاهر ـ للفضل بن شاذان.
في المقابل، عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس لا يضرّ في السند بحسب ما نختاره. ويمكن الكلام على مستويين:
المستوى الأوّل: تقدّم في بعض الدروس السابقة، وأنّه شيخ الصدوق رحمه‌الله المباشر في كتاب من لا يحضره الفقيه، فلا حاجة إلى نقده أصلاً؛ للمبنى الذي اخترناه وشرحناه.
المستوى الثاني: أنّ ابن عبدوس يروي عنه الشيخ الصدوق رحمه‌الله بكثرة كاثرة في كتبه كلّها، ويترضّى ويترحّم عليه كثيراً، وهذا بحث مبنائيّ. وعندنا أنّ الترحّم والترضّي الكثير من الشيخ الصدوق رحمه‌الله يفيد الحُسن على أقلّ تقدير، إن لم نقل بكونه يُفيد الوثاقة. ونحن بحسب الاستقراء استطعنا أن نحصر كثرة الترضّي والترحّم منه رحمه‌الله في خصوص أجلّاء مشايخه، والكلام في ذلك طويل لا مجال لتفصيله هنا.
وما ذكره السيّد الخوئي رحمه‌الله في مناقشة ذلك من أنّ الترضّي والترحّم يجوز حتّى على الشيعيّ الفاسق، وإن كان صحيحاً في نفسه، لكنّنا نستكشف طريقة وديدن الشيخ الصدوق رحمه‌الله، وهذا يحتاج إلى استقراء لروايات الشيخ الصدوق رحمه‌الله وطريقته في الترضّي والترحّم، وبعد الاستقراء، وجدناه لا يترضّى ولا يترحّم على كثيرٍ من مشايخه من الشيعة، ووجدنا أنّ من يتقيّد بالترضّي عنهم جملة منهم هم من أجلّاء المشايخ، كوالده، وابن قولويه، ونظرائهما. وبقيت مساحة لمجموعة هم كبار مشايخ الحديث، مثل ماجيلويه وابن عبدوس ونظرائهما، وهو يُكثر من الترضّي عنهم كما يُكثر من الترضّي على أجلّاء مشايخه، فاستظهرنا ذلك.
أمّا عليّ بن محمّد بن قتيبة، فلا توثيق له، لكنّه كثير الرواية، سديد الرواية، أُكثرت عنه الرواية، فلا يبعد عدّه من المعاريف الذين لم نجد لأحدٍ طعناً فيهم مع أنّ رواياتهم محلّ ابتلاء الطائفة. وقد عملت بها الطائفة، ولم نجد من ردّ روايةً بسببه، لا في المتقدّمين، ولا في أوائل المتأخّرين، بل نشأ هذا البحث عند متأخّري المتأخّرين. ولذلك، فإنّنا نبني على وثاقته من باب وثاقة المعاريف الذي لم يطعن فيهم أحد.
وبعد هذا وذاك، يمكن أن يُقال أيضاً بوجود طريقةٍ للتخلّص من مشكلة أسانيد الفضل بن شاذان، من جهة أنّ كتب الفضل قريبة عهدٍ من زمن الشيخ الصدوق رحمه‌الله، وكانت كتباً شهيرة في الطائفة، أكثر من النقل عنها الشيخ الكلينيّ والشيخ الصدوق والشيخ الطوسيّ، فلا يبعد أن يُقال: إنّ الرواية مأخوذة من كتب الفضل؛ لا لأنّ من يبدأ الصدوق رحمه‌الله باسمه في السند فهو دائماً يأخذ الرواية من كتابه، بل لأنّ ابن عبدوس وابن قتيبة ليسا من أصحاب الكتب، ولا كتاب لهما، والفضل لا راوي قبله حتّى تُؤخذ الرواية من كتابه، بل هو يروي مباشرةً عن الإمام الرضا عليه السلام، فلذلك، من هذه الجهة لا مشكلة في الإسناد، والله العالم.
وروايات الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام كثيرة، فلا داعي للإطالة والاستشكال في هذا الجانب كما صنعه بعضهم.
وأمّا متن الرواية:
فهي ظاهرة في إرادة التحديد، بل أصل المقام هو مقام تحديد.
قوله: للعامّة، أي: لعموم الناس. فهم عادةً لا يسيرون في اليوم أكثر من ثمانية فراسخ. وهذا تحديد عرفيّ. والعامّة في مقابل الخاصّة، كفرس البريد، والذين يتنقّلون على خيول أصيلة ـ مثلاً ـ، أو شخصٍ يتنقّل وحده على ناقة سريعة. أي: أنّ المسير هو بحسب المتعارف، وبحسب الوسائل المتعارفة.
وما يُستفاد من هذه الرواية: أنّ الموضوعيّة هي لمسيرة يوم، لكن لا كيفما اتّفق، بل مسيرة اليوم المتعارفة التي حُدّدت بثمانية فراسخ.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل الميزان هو بالمتعارف في كلّ زمانٍ بحسبه، أم الميزان هو بمتعارف زمن صدور التشريع والنصّ. المتعارف في جميع أزمنة الأئمّة( واحد؛ إذ الوسيلة المتعارفة والأثقال والقوافل هي الجمال، وهناك وسائل لخواصّ الناس، كخيول سريعةٍ معيّنة، أو لبعض فروع الناس، مثل من عمله البريد، أو العساكر. فهل المستظهر من الرواية هو مسيرة يوم بحسب المتعارف للعامّة والأثقال؟ المتعارف للعامّة والأثقال في زماننا هو السيّارة وآليّات النقل، وإن كان هناك نمط من الناس غير قليل يتنقّلون بالطائرة، لكن في ذلك العصر أيضاً كان هناك نمط يتنقّلون بغير الوسيلة المتعارفة. فهل المستظهر هو تحديد المتعارف في ذلك الزمان على سبيل الحيثيّة التقييديّة، بحيث أيّاً تحوّل العرف في الأزمنة الآتية يبقى مسيرة يوم بحسب هذه الأثقال، وهي ثمانية فراسخ؟ أم أنّه في كلّ زمانٍ بحسب متعارفه، فتكون الحيثيّة تعليليّة؟
فحينئذٍ: إن بنينا على الأوّل أنتج الرأي المشهور، وأنّه مهما صارت الوسائل المتعارفة للسفر في الأزمنة الآتية يجب التقصير عند ثمانية فراسخ. ولأنّ مسيرة اليوم تتفاوت حتّى بحسب القوافل، كما هو واضح، ويمكن أن تخلق إرباكاً للمسافرين، جاء الشرع الأقدس وحدّد المسافة بثمانية فراسخ؛ لأنّ التحديد المكانيّ في العادة لا يقبل الزيادة والنقصان (إلّا من باب الشبهة الموضوعيّة، وهي مشتركة بين العصور كافّةً)، بينما التحديد بمسيرة اليوم، حتّى بحسب الأثقال يتفاوت بحسب حجم القافلة، والثقل الذي تحمله، وعمر الجمال، ونحو ذلك.. لأنّ هذا التفاوت مربك، فإنّ مجمل مسيرة اليوم قد حُدّد في الرواية بتحديدٍ لا ينقص ولا يزيد، وهو مسيرة ثمانية فراسخ.
وهذا التفاوت الذي تحدّثنا عنه موجود في السفر بحسب الوسيلة المتعارفة في زماننا أيضاً. كما هو واضح.
وبالجملة: فلو كنّا نحن وهذه الرواية، فهي قابلة للحمل بحسب مناسبات الحكم والموضوع على أنّ الميزان في مسافر السفر، بحسب وسط المسير المتعارف للأفراد والقوافل في الوسائل الغالبة في كلّ عصرٍ.
هل يوجد ما يدفع هذا الاحتمال أو لا يوجد؟ يأتي في روايات لاحقة.
نفس هذه الرواية رواها الشيخ الصدوق رحمه‌الله في كتاب العلل وعيون الأخبار بإسنادٍ يأتي. وهذا الإسناد ذكره صاحب الوسائل رحمه‌الله في الجزء 30 بعد أن فرغ من مشيخة الفقيه، في الفائدة الأُولى من فوائد خاتمة الوسائل، تحت رمز (ب)، ذكر هذا السند المتقدّم، وهو سند الفقيه، وذكر سنداً آخر غير سند الفقيه، وهو:
جعفر بن محمّد بن نعيم النيسابوريّ، عن محمّد بن نعيم (جدّه أو أبوه)، عن الفضل بن شاذان.
وهذان الرجلان مجهولا الحال، وأمرهما ملتبس، وإن كان الظاهر أنّهما من أسرة الفضل بن شاذان.
ولكن لا يضرّ هذا في سند الرواية شيئاً؛ إذ هناك السند الأوّل المتقدّم.
قال صاحب الوسائل رحمه‌الله: ورواه في العلل وعيون الأخبار بإسنادٍ يأتي، وزاد: وقد يختلف المسير، فسير البقر إنّما هو أربعة فراسخ، وسير الفرس عشرون فرسخاً، وإنّما جعل مسير يوم ثمانية فراسخ؛ لأنّ ثمانية فراسخ هو سير الجمال والقوافل، وهو الغالب على المسير، وهو أعظم المسير الذي يسيره الجمّالون والمكاريّون.
وهذه الزيادة تؤكّد الفهم الذي فهمناه من الرواية. ومعظم الناس في زماننا يعتمدون السيّارة وما يماثلها في حمل الأثقال غالباً.
ما يهمّ في هذه الرواية صدراً وذيلاً (أي: الأصل مع الزيادة)، هو أنّ الميزان الموضوعيّ ليس هو الثمانية فراسخ، بل هو مسيرة يوم بحسب الوسائل المتعارفة والشائعة. والإمام عليه السلام ينصّ على الاختلاف في زمانه بحسب الوسائل المتعارفة. وهو قابل للتطبيق على كلّ زمنٍ بحسبه.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحرالعاملي، ج8، ص451، ابواب صلاة المسافر، باب1، ح1، ط آلبیت.