الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

42/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الأطعمة والاشربة

 

القول: في الحيوان

تابع مسألة (2): لا يؤكل من السمك إلّاما كان له فلس وقشور بالأصل وإن لم تبق وزالت بالعارض كالكنعت، فإنّه -على ما ورد فيه- حوت سيّئة الخلق تحتكّ بكلّ شي‌ء فيذهب فلسها، ولذا لو نظرت إلى أصل اذنها وجدته فيه. ولا فرق بين أقسام السمك ذي القشور، فيحلّ جميعها صغيرها وكبيرها من البزّ والبنّي والشبّوط والقطّان والطيرامي والأبلامي وغيرها، ولا يؤكل منه ما ليس له فلس في الأصل، كالجرّي والزمّار والزهو والمارماهي وغيرها[1] .

إن قلت: إن مخالفة الشيخ (قده) في نهايته كاشفٌ عن عدم تحقق الاجماع وعدم انعقاده.

قلت:

أولًا: إن كتاب النهاية ليس موضوعًا للفتوى كما هو معلوم وإنما هو متون اخبار جمعها (قده) لينظر فيها بعد ذلك.

ولذا نراه (قده) مخالفًا لفتواه في بقية كتبه وأيضًا يدّعي الاجماع على الحرمة في كتاب الخلاف.

إن قلت: هناك بعض الروايات المعارضة للحرمة والناصة على الاباحة كصحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أُذينة، عن زرارة، قال: سألت (أبا عبد الله) (عليه‌ السلام) عن الجرّيث؟ فقال: وما الجرّيث؟ فنعّته له، فقال: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ إلى آخر الآية، ثم قال: لم يحرم الله شيئاً من الحيوان في القرآن، إلاّ الخنزير بعينه، ويكره كلّ شيء من البحر ليس له قشر مثل الورق، وليس بحرام، إنّما هو مكروه[2] .

-(عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله (عليه‌ السلام) عن الجرّي والمارماهي والزمّير، (وما ليس له قشر) من السمك أحرام هو؟ فقال لي: يا محمد! اقرأ هذه الآية التي في الأنعام ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ قال: فقرأتها حتّى فرغت منها، فقال: إنّما الحرام ما حرَّم الله ورسوله في كتابه، ولكنّهم قد كانوا يعافون أشياء، فنحن نعافها)[3] .

قلت: هذه الروايات لا تنهض معارضًا لما تقدم من الروايات الكثيرة الدالة بشكل واضح وصريح على الحرمة بوجوه عديدة يكاد المتأمل أن يقطع بالحرمة من خلالها ومنها:

-(محمّد بن يعقوب، عن عدَّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن ابن محبوب وأحمد بن محمد بن أبي نصر جميعاً، عن العلاء، عن محمد ابن مسلم، قال: أقرأني أبوجعفر (عليه‌ السلام) شيئاً من كتاب عليّ (عليه‌ السلام)، فاذا فيه: أنهاكم عن الجرّي والزمير والمارماهي والطافي والطحال)[4] .

-(عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام)، قال: لا تأكل الجريث، ولا المارماهي، ولا طافياً، ولا طحالاً؛ لأنّه بيت الدم، ومضغة الشيطان)[5] .

-(عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنّان بن سدير، قال: سأل العلاء بن كامل أبا عبد الله (عليه‌ السلام) ـوأنا حاضرـ عن الجريّ، فقال: وجدناه في كتاب علي (عليه‌ السلام) أشياء من السمك محرَّمة، فلا تقربه، ثمَّ قال أبو عبد الله (عليه‌ السلام): ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربه)[6] .

-(في (عيون الأخبار) بأسانيده الآتية عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه‌ السلام) في كتابه إلى المأمون، قال: محض الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله ـ إلى أن قال: ـ وتحريم الجرّيّ (من السمك)، والسمك الطافي، والمارماهي، والزمّير، وكلّ سمك لا يكون له فلس)[7]

هذا مع امكان حمل الروايات المعارضة على التقية لموافقة العامة وإعراض الاصحاب عنها (اعلى الله مقامهم).

وخلاصة القول: إن ما ورد من أدلة صحيحة وصريحة وظاهرة في كونها ناظرة إلى بيان الحكم الواقعي وهو الحرمة يكفينا للأخذ بها والاعراض عن معارضتها خصوصًا أن تلك الروايات المعارضة ظاهرها الكراهة التي يمكن أن يقال بأن المراد منها الحرمة كما هناك الكثير من الروايات ظاهرة في ذلك ومستعملة فيه. والله العالم.


[1] تحرير الوسيلة - ط نشر آثار، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص166.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج24، ص135، أبواب الأطعمة المحرّمة، باب9، ح19، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج24، ص136، أبواب الأطعمة المحرّمة، باب9، ح20، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج24، ص130، أبواب الأطعمة المحرّمة، باب9، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج24، ص130، أبواب الأطعمة المحرّمة، باب9، ح2، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج24، ص131، أبواب الأطعمة المحرّمة، باب9، ح4، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج24، ص132، أبواب الأطعمة المحرّمة، باب9، ح9، ط آل البيت.