الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

42/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الصيد والذباحة

القول: في الذباحة

تابع مسألة (23): لا إشكال في وقوع التذكية على كلّ حيوان حلّ أكله ذاتاً -وإن حرم بالعارض كالجلّال والموطوء- بحرياً كان أو برّياً، وحشياً كان أو إنسياً، طيراً كان أو غيره؛ وإن اختلف في كيفية التذكية على ما مرّ. وأثر التذكية فيها:

طهارة لحمها وجلدها وحلّية لحمها لو لم يحرم بالعارض. وأمّا غير المأكول من الحيوان فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه؛ لا من حيث الطهارة ولا من حيث الحلّية؛ لأنّه طاهر ومحرّم أكله على كلّ حال. وما كان له نفس سائلة فإن كان نجس العين -كالكلب والخنزير- فليس قابلًا للتذكية. وكذا المسوخ غير السباع كالفيل والدبّ والقرد ونحوها. وكذا الحشرات، وهي الدوابّ الصغار التي تسكن باطن الأرض، كالفأرة وابن عرس والضّبّ ونحوها على الأحوط الذي لا يُترك فيهما؛ وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه. وأمّا السباع وهي ما تفترس الحيوان وتأكل اللحم؛ سواء كانت من الوحوش كالأسد والنمر والفهد والثعلب وابن آوى وغيرها، أو من الطيور كالصقر والبازي والباشق وغيرها، فالأقوى قبولها للتذكية، وبها تطهر لحومها وجلودها، فيحلّ الانتفاع بها؛ بأن تلبس في‌ غير الصلاة ويفترش بها، بل بأن تجعل وعاءً للمائعات، كأن تجعل قربة ماء أو عكّة سمن أو دبّة دهن ونحوها وإن لم تدبغ على الأقوى؛ وإن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة[1] .

وأما السباع وهي ما تفترس الحيوان وتأكل اللحم سواءً أكانت من الوحوش كالأسد والنمر والفهد والثعلب وغيرها، أم كانت من الطيور الجارحة كالصقر والبازي والباشق وغيرها فالاقوى قبولها للتذكية وذلك للنصوص العديدة منها:

-(عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن جلود السباع أينتفع بها؟ فقال إذا رميت، وسمّيت، فانتفع بجلده، وأمّا الميتة فلا)[2] .

-(عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سألته عن لحوم السباع وجلودها؟ فقال: أمّا لحوم السباع والسباع من الطير والدواب فإنّا نكرهه، وأمّا جلودها فاركبوا عليها، ولا تلبسوا منها شيئاً تصلّون فيه)[3] .

وأثر التذكية الحكم بطهارة اللحوم والجلود فيحل الانتفاع بها بلبسها في غير الصلاة وبإتخاذها فراشًا وأوعية للماء والسمن وغير ذلك وهو ما عليه عموم الادلة واطلاقاتها.ونستفيد من اطلاق الروايات في المقام عدم اشتراط الدباغة وهو ما يوافق الأصل وعليه المشهور.نعم الاحوط استحبابًا عدم استعمالها إلا بعد دباغتها، وهو حسن على كل حال ولموافقة ما ذهب إليه الشيخ الطوسي والسيد المرتضى (رحمهما الله) مستندين بذلك إلى خبر ابي مخلد:

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن علي بن أسباط، عن أبي مخلّد السراج قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه معتّب فقال: بالباب رجلان، فقال: أدخلهما، فدخلا فقال أحدهما: إني رجل سراج أبيع جلود النمر، فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم، قال: ليس به بأس)[4] .

ولكنه قاصر سندًا. والله العالم.

 

مسألة (24): الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل ممّا كانت له نفس سائلة -غير ما ذكر آنفاً- تقع عليها التذكية، فتطهر بها لحومها وجلودها[5] .

 

وقد تقدم وجه الاستدلال على ذلك في المسألة السابقة (23) من إدعاء صاحب الحدائق (ره) للاجماع على ذلك وما أيدّه به صاحب الجواهر (ره): (بما يفهم من مجموع النصوص المتقدمة في لباس المصلي من قبول التذكية لكل حيوان طاهر العين حال الحياة وإن لم يكن مأكول اللحم)[6] .

مع ما ذكرنا من آية: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[7] .

وصحيح علي بن يقطين المتقدم. مضافًا إلى اصالة الحل التسهيلية هذا ويمكن التمسك بآية الحل العامة في المقام وهي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[8] . والتي يستفاد منها حلّية كافة وجوه الانتفاعات والاستفادات الممكنة من كل شيء إلا ما خرج بالدليل وعليه فالاقوى صحة القول بقابلية كل حيوان للتذكية إلا ما خرج بالدليل.

 


[1] تحرير الوسيلةط نشر آثار، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص163.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج24، ص185، أبواب الأطعمة المحرمة، باب34، ح04، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج24، ص185، أبواب الأطعمة المحرمة، باب34، ح04، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج17، ص172، أبواب ما يكتسب به، باب38، ح01، ط آل البيت.
[5] تحرير الوسيلة - ط نشر آثار، الخميني، السيد روح الله، ج2، ص164.
[6] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج36، ص196.
[7] الأنعام/السورة6، الآية145.
[8] الأنعام/السورة6، الآية29.