الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

39/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص، الفصل الثاني: القول فيما يثبت به القود وهو أمور.

القول فيما يثبت به القود وهو أمور: الأول الاقرار بالقتل: ويكفي فيه مرة واحدة، ومنهم من يشترط مرتين، وهو غير وجيه.

 

-أما ثبوت القتل بالإقرار، فهو من الاجماعات المحققة، بل يُعد من ضرورات الفقه الاسلامي بلا خلاف، ولعل منشأ ذلك قاعدة (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) المتصيدة من روايات النبي والآل (عليهم السىلام).-وأما كفاية المرة الواحدة بالإقرار، فهذا ما عليه الشهرة العظيمة ولولا مخالفة الشيخ وابن ادريس (قده) لقلنا بالاجماع ويدل على المشهور اطلاقات وعمومات الادلة الآمرة بالأخذ بإقرار المقر دون وجود مقيّد أو خاص على الأكثر.ويدل على ذلك من الروايات:صحيحة زرارة:

-(محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه‌ السلام) قال: سألته عن رجل قتل فحمل إلى الوالي وجاءه قوم فشهد عليه الشهود أنه قتل عمدا، فدفع الوالي القاتل إلى أولياء المقتول ليقاد به، فلم يريموا حتى أتاهم رجل فأقر عند الوالي أنه قتل صاحبهم عمدا، وأن هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود بريء من قتل صاحبه فلا تقتلوه به وخذوني بدمه؟ قال: فقال أبوجعفر (عليه‌ السلام): إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقر على نفسه فليقتلوه ولا سبيل لهم على الاخر، ثم لا سبيل لورثة الذي أقر على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، وإن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه فليقتلوا ولا سبيل لهم على الذي أقر ثم ليؤد الدية الذي أقر على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية، قلت: أرأيت إن أرادوا أن يقتلوهما جميعا؟ قال: ذاك لهم، وعليهم أن يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصة دون صاحبه، ثم يقتلونهما، قلت: إن أرادوا أن يأخذوا الدية؟ قال: فقال: الدية بينهما نصفان، لان أحدهما أقر والآخر شهد عليه، قلت: كيف جعلت لاولياء الذي شهد عليه على الذي أقر نصف الدية حيث قتل، ولم تجعل لاولياء الذي أقر على أولياء الذي شهد عليه ولم يقر؟ قال: فقال: لان الذي شُهد عليه ليس مثل الذي أقر، الذي شهد عليه لم يقر ولم يبرأ صاحبه، والآخر أقر وبرأ صاحبه، فلزم الذي أقر وبرأ صاحبه ما لم يلزم الذي شهد عليه ولم يقر ولم يبرأ صاحبه)[1] .

مما يدل على ذلك بوضوح صحيحة الفضيل:

-(محمد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن الفضيل، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه‌ السلام) يقول: من أقر على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرّة واحدة، حرا كان أو عبدا، أو حرة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقر به على نفسه كائنا من كان إلا الزاني المحصن، فانه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء، فاذا شهدوا ضربه الحد مائة جلدة، ثم يرجمه، قال: وقال أبوعبدالله (عليه‌ السلام): ومن أقر على نفسه عند الإمام بحق حد من حدود الله في حقوق المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحد الذي أقر به عنده حتى يحضر صاحب الحق أو وليه فيطالبه بحقه، قال: فقال له بعض أصحابنا: يا أبا عبدالله فما هذه الحدود التي إذا أقر بها عند الإمام مرة واحدة على نفسه اقيم عليه الحد فيها؟ فقال: إذا أقر على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق الله، وإذا أقر على نفسه أنه شرب خمرا حده، فهذا من حقوق الله، وإذا أقر على نفسه بالزنا وهو غير محصن فهذا من حقوق الله، قال: وأما حقوق المسلمين فاذا أقر على نفسه عند الإمام بفرية لم يحده حتى يحضر صاحب الفرية أو وليه، وإذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول، فيطالبوا بدم صاحبهم)[2] .

قوله (قده): (ومنهم من يشترط مرتين، وهو غير وجيه). وهو كما تقدم عن الشيخ وجماعة بل وربما يستدل على المرتين بأمرين:

 

1 – قاعدة الاحتياط في الدين.2 – كونه ليس أقل شأنًا من السرقة وهي تثبت شاهدي عدل مع أنه فيها قطع الأصابع وهو اهون واسهل من ازهاق الروح والنفس.وقد يجاب على ذلك :أولًا: يقال أن الاحتياط ههنا في ترك الاحتياط لعدم التجرؤ على القتل.ثانيًا: فإنه قياس مع الفارق وليس من مذهبنا القياس أما أنه مع الفارق فذلك لكون القصاص من الحقوق الالهية ويلاحظ فيها جانب العفو والتخفيف بخلاف السرقة فإنها من الحقوق البشرية ولا تسقط باعتذار وعفو القاتل. والله العالم.

 


[1] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص144، ابواب ا دعوى القتل وما يثبت به، باب5، ح1، ط آل البيت.
[2] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج28، ص56، ابواب مقدمات الحدود، باب32، ح1، ط آل البيت.