الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

39/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص، القول في الشرائط المعتبرة في القصاص.

مسألة (5): لو قتل رجل زوجته يثبت القصاص عليه لولدها منه على الأصح، وقيل لا يملك أن يقتص من والده وهو غير وجيه[1] .

 

قول سيدنا الماتن (قده) (على الأصح) هو الأصح وذلك لموافقته لمقتضى القاعدة من أن ولي الدم له الحق بالقصاص من القاتل المستفادة من عمومات واطلاقات الادلة خرج عنها أن الوالد لا يقتل بولده خاصة دون المقام.نعم حكي عن الشيخ (قده) ذهابه إلى أن الولد لا يملك حق الاقتصاص من والده ههنا وكذا ذهب صاحب المسالك الشهيد الثاني (قده) إلى أن هذا هو مختار المشهور، وربما تمسكوا بصحيحة حمران عن أحدهما (عليهما السلام ): (لا يقاد والد بولده).

-(محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعن علي ابن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز، عن حمران، عن أحدهما (عليهما‌ السلام) قال: لا يقاد والد بولده، ويقتل الولد إذا قتل والده عمدا)[2] .

ولكن يرد عليه بأن الظاهر منه هو القتل المباشري دون غيره كما في المقام، لا أقل عند الشك في شمول المورد لما نحن فيه، فيكفي الشك لعدم صحة التمسك باطلاق الحديث المذكور. والله العالم. الشرط الرابع والخامس:

- العقل والبلوغ، فلا يقتل المجنون سواء قتل عاقلا أو مجنونا، نعم تثبت الدية على عاقلته، ولا يقتل الصبي بصبي ولا ببالغ وإن بلغ عشرا أو بلغ خمسة أشبار، فعمده خطأ حتى يبلغ حد الرجال في السن أو سائر الأمارات، والدية على عاقلته[3] .

 

إن العقل والبلوغ شرطان عامان لكل التكاليف الشرعية المأخوذة في تعلق الاحكام بحق المكلفين شرعًا، ولذا نجد أن الشرع المقدس جعل المناط واحدًا في كل من الصبي والمجنون، وأن عمدهما وخطأهما واحد كما دلت عليه الروايات المستفيضة، بل قام عليه الاجماع ولم أجد خلافًا عند المسلمين إلا ما شذ وندر.ومن الروايات صحيحة محمد بن مسلم:

-(محمد بن الحسن بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه‌ السلام) قال: كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا)[4] .

صحيحة محمد بن مسلم:

-(عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) قال: عمد الصبي وخطاه واحد)[5] .

موثقة اسحاق بن عمار:

-(عن محمد بن الحسن الصفار، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه، أن عليا (عليه ‌السلام) كان يقول: عمد الصبيان خطأ (يحمل على) العاقلة)[6] .

موثقة السكوني:

-(محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد (السكوني)، عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام) أن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (عليه ‌السلام) يسأله عن رجل مجنون قتل رجلا عمدا فجعل الدية على قومه، وجعل خطأه وعمده سواء)[7] .

مضافًا لما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم . . .).

في (الخصال): -(عن الحسن بن محمد السكوني، عن الحضرمي، عن ابراهيم بن أبي معاوية، عن أبيه، عن الأعمش، عن ابن ظبيان قال: أتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال علي عليه‌السلام: أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ؟!)[8]

ومن مجموع الروايات المتقدمة يمكن الاستفادة بأن كلًا من المجنون (المعتوه) والصبي خطأهما وعمدهما واحد ولا يتعلق بهما التكليف الشرعي.بلا فرق بين كون المقتول بالغًا أو صبيًا، عاقلًا أو مجنونًا وهكذا سواءً كان القاتل الصبي مميزًا أم لا ؟. بالغًا العشرة سنوات أم لا؟. وكذا المجنون سواءً كان مطبقًا أم إدواريًا إذا وقع القتل حال جنونه.كل ذلك لعمومات واطلاقات الادلة أعلاه.وأما ما ذهب إليه الشيخ (قده) في الاستبصار وما حكي عنه في المبسوط والنهاية من أن: (إذا بلغ الصبي عشر سنين أُقتص منه).فهو من كلام الشيخ (قده) ولم نجد في الروايات المعتبرة أو المسندة إلى النبي والآل (عليهم السلام) ما يدل على ذلك، ولو رواية واحدة.وأما رواية السكوني:

-(عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله عليه‌السلام، في رجل وغلام، اشتركا في رجل فقتلاه، فقال أمير المؤمنين (عليه‌ السلام): إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه، واذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضى بالدية)[9] .

فقد يقال بضعفها بالسكوني ولكن بما أننا نختار وثاقته نقول بأنها محمولة على كون الخمسة أشبار علامة على البلوغ بالنحو الأعم الأغلب، وليست علامة ذاتية للبلوغ خصوصًا مع وجود المعارض الأصح أو لإعراض الأصحاب عن العمل بها. مضافًا إلى أنك قد تجد صبيًا طويل القامة ويبلغ الخمسة أشبار إلا أنه لم يبلغ الحلم فلا يقع عليه القلم والتكليف، بخلاف ما لو بلغ الصبي الحلم ولكنه لم يبلغ الخمسة أشبار فإنه يقتص منه، فالمسألة تقاس بالرشد والعقل والبلوغ بعلاماته القطعية الذاتية وليس بطول قامته وإنبساط جسمه.فيمكن حملها على الاستحباب جمعًا بين ما يعارضها مما تقدم، أو تطرح لمخالفتها لما ثبت بالصحيح، أو لاعراض الاصحاب عن العمل بها هذا مع كون الأصل على خلاف ذلك.والنتيجة هي أن كل ما ذكر من كلام الشيخ (قده) وروايتي السكوني لا بد فيها من الحمل أو الطرح للأصل، أو الاعراض والمعارضة بغيرها كما تقدم. والله العالم.

 


[1] - تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص522.
[2] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص77، ابواب القصاص في النفس، باب32، ح1، ط آل البيت.
[3] - تحرير الوسيلة، السيد روح الله الخميني، ج2، ص522.
[4] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص400، ابواب العاقلة، باب11، ح1، ط آل البيت.
[5] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص400، ابواب العاقلة، باب11، ح2، ط آل البيت.
[6] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص400، ابواب العاقلة، باب11، ح3، ط آل البيت.
[7] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص401، ابواب العاقلة، باب11، ح5، ط آل البيت.
[8] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج01، ص45، ابواب مقدمة العبادات، باب4، ح11، ط آل البيت.
[9] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج29، ص401، ابواب العاقلة، باب11، ح4، ط آل البيت.